وجدى الكومى

الدهس غير الممنهج والجنود العزل والرصاص الفشنك

الخميس، 13 أكتوبر 2011 10:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الصعب التعرض لأحوال الجيش المصرى فى مقال، لما يحف ذلك من مخاطر، يصنفها القضاء العسكرى الذى قد يحيل كاتب هذه السطور إلى النيابة وقد يتم قصف قلم بلا رحمة، نظرا لتعرضه لأسرار عسكرية، فماذا يفعل هذا القضاء العسكرى، مع أحد الأفواه العسكرية التى باحت بأشياء لا أظن أن من الصالح العام البوح بها، فى فترة انتقالية لم تشهدها الثورة الفرنسية فى أوج اشتعالها.

نحن نعيش أياما يموت فيها المواطنون تحت إطارات كاوتشوك بالغة الشراسة، والقسوة، حينما يتم استخدامها عمدا، أو بدون عمد للقتل، فيما يسمى بـ"الدهس الممنهج" أو "غير الممنهج"، ونرفل للأسف فى نعيم أمنى يدلل عليه اتجاه المواطنين لتطبيق القانون بأنفسهم فى الشارع، إما بقطع أيدى اللصوص مباشرة، أو سحلهم، أو هدم قباب بيوت العبادة بحجة كونها مخالفة، ومن مظاهر هذه الفترة التى نعيشها أيضا، أن الإعلام الرسمى للدولة، يطلب دعم المواطنين لجنودهم، بشكل رسمى ضد مواطنين آخرين، فيما يعتبر باقتدار أحد عجائب هذا الزمن، حيث لم يحدث فى زمن الحرب "1948" أو"1956" أو"1967" أو حتى 1973 أن استغاث الإعلام الرسمى بالمواطنين لدعم الجنود، إلا فيما عدا حملات التبرع من أجل دعم المجهود الحربى، فهل يمارس التلفزيون اليوم دور السيدة أم كلثوم فى جمع التبرعات لصالح المجهود الحربى، لكن على وجه آخر، حيث كانت سيدة الغناء العربى تطرب الكثيرين بغنائها، من أجل جمع الأموال، وليس باستعداء المواطنين على بعضهم البعض، كما فعل التلفزيون.

سقط الكثيرون فى بئر سحيق من الأخطاء، وللأسف، كان المجلس العسكرى أول الساقطين، بإفشاء أسراره العسكرية، فى محاولة مستميتة يائسة فاشلة للدفاع عن نفسه، وضع المجلس العسكرى وهو أعلى سلطة فى البلاد، نفسه خلف قفص الاتهام، ووقف يستجدى عطف مستمعيه، من المحررين العسكريين، ومضى فى نهاية طريق الاستجداء والاستعطاف، التى أودت فى هاوية السقوط، بعد ما عجزت عن تقديم الجناة الحقيقيين فى المذبحة، فبدلا من إعلان التحقيق مع أفراد الشرطة العسكرية الذين فقدوا السيطرة على أنفسهم، ودهسوا المواطنين بإطارات مركباتهم، خرج المسئولون عن القوات المسلحة ليعلنوا ثلاث أساطير، ما أنزل الله بها من سلطان، وهى أسطورة "الدهس غير الممنهج" و"الرصاص الفشنك" و"الجنود العزل".

وكما التزم المجلس العسكرى برفض إعلان عدد شهدائنا من الجنود، كان يجب أن لا يكشف هذه الأساطير الثلاث، التى أعتبرها أساطير، نظرا لخطورتها، وصعوبة أن يقتنع المواطن العادى، أن هذه القوات المحيطة بمنشأة حيوية مثل التلفزيون، ليست مدججة سوى بالرصاص الفشنك، وهو ما يمثل دعوة صريحة للبلطجية والخارجين عن القانون، والراغبين فى زعزعة استقرار هذا الوطن، لمعاودة الاحتكاك بهذه المنشأة، لا أتخيل أن الجنود المصريين الذين يحمون جهازاً إعلاميا خطيرا يمثل سيادة الدولة، لا يحملون سوى الرصاص الفشنك، وإن كان هؤلاء الجنود مدربين على رد أى هجوم محتمل أو أعمال شغب لا قدر الله، بالتصدى بالصواعق الكهربائية، مثلا، أو بالقنابل المسيلة للدموع، فلماذا لم يستخدم هؤلاء الجنود هذه الوسائل فى تأمين مظاهرة الأحد الماضى التى تحولت لمذبحة؟ وإذا كان هؤلاء الجنود مدربين على التعاطى مع أعمال الشغب بواسطة أدوات أخرى غير الرصاص الفشنك، فكيف سقط بعض المتظاهرين أسفل عربات الدهس، أعلم أن الأسئلة التى يضج بها هذا المقال، تضيف عبئا لأسئلة قادة المجلس العسكرى، الذين لم يكلفوا أنفسهم تقديم إجابات، بل ضاعفوا حيرتنا، بعد أن كشفوا من أسرارهم، أكثر مما يجب، ويا ليتهم فى سبيل هذا الكشف المجانى، أضاءوا نقاطا مظلمة فى واقعنا السياسى المتهتك، المهترئ، الذى بات أشبه بخرقة قماش بالية، لا تستر شتاء أو صيفا.

يبقى الأحد 9 أكتوبر يوما من أيام "الآحاد" التى سيتذكرها المصريون كثيرا، وليس فقط الأقباط، يضاف إلى حد الزعف، وحد العهد، وغيرها من الآحاد، التى تعرضت فيها الإنسانية لآلام، لا أتحدث هنا عن آلام دينية، لكنى أتحدث عن تكريم الإنسان، الذى قال فيه المولى عز وجل "لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم"، فهل هل هذا مصير الإنسان الذى تحدث عنه الإنسان، هكذا يخلقه المولى، وهكذا نرسله نحن للقبور، هل نستحق ذرة تعاطف بعد ما فعلناه بأنفسنا؟ ألم يحن الوقت لنتوقف قليلا أمام أناس خرجوا من بيوتهم، يطالبون بمطالب عادلة، فلم يعودوا فى نهاية اليوم كما خرجوا، بل مضوا إلى قبورهم، مشوهين مدهوسين، لا أملك فى هذا السطر الأخير إلا أن أدعو لهم بالرحمة ولذويهم بالصبر والسلوان.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة