عمرو خالد

زمن القامات العالية

الأحد، 05 يونيو 2011 11:41 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مصر طول عمرها غنية بالمبدعين والموهوبين، ومقال اليوم يدور حول هؤلاء المبدعين واكتشافهم وتنمية مهاراتهم، وأريد أن أبدأ حديثى عن الإبداع والابتكار، ولكن الأهم هى البيئة التى تحتضن هذا الإبداع، وهذا الابتكار، فكل عصر من العصور، وكل جيل من الأجيال بما فيه من مبدعين وموهوبين، يتوقف على أن هناك أفكارا كبرى يعيشها هذا البلد أم لا، وأن هذه الأفكار الكبرى تخرج عظماء مبدعين، وأن غياب فكرة كبيرة مع الكبت وعدم الحرية يولد كارثة كبرى.

فانظر مثلا إلى جيل الخمسينيات والستينيات بصرف النظر عن اختلافنا واتفاقنا معه سياسيا، ستجد مجموعة من الموهوبين فى جميع المجالات، أمثال عباس العقاد وعبدالرحمن الأبنودى وعبدالحليم حافظ ومصطفى أمين، وعلى أمين وحمادة إمام.. هذا الكم الكبير من النوابغ ليس فلتة وإنما هو نتاج مجموعة من الأفكار الجيدة فى المجتمع، بعضها إيجابى والآخر سلبى، لكن محصلتها النهائية تفجير الطاقات والقدرات فى هذه الشرائح، متى أصبحوا شخصيات مؤثرة فى المجتمع، وساهموا فى توجيه الرأى العام بشكل إيجابى، حتى كان جيل أكتوبر، صاحب الانتصار العظيم، وقبل انتصار أكتوبر، كانت حرب الاستنزاف التى فجرت أيضاً نوادر فى مجالات متعددة، وجاءت برموز عظيمة معبرة عن هذا الجيل مثل الدكتور أحمد زويل.

ثم جاءت فترة جمود قلت فيها الرموز النادرة طبعاً، كان هناك موهوبون فى الثلاثين سنة الأخيرة، لكن عندما تقارن الأسماء فلا شك ستجد هناك فجوة، والذنب ليس ذنب الأجيال المختلفة أو ذنب القديم والحديث أو أيام زمان والآن أو أن المواهب تختفى، فأنا لا أوافق على كل هذا الكلام، لكن الذى حدث هو 30 سنة من الجمود مع عدم وجود قضية كبرى يلتف حولها ويعيشها المصريون وتفجر طاقات الإبداع، فإذا اختفت الفكرة تفتت الإبداع لدى الأشخاص ويلجأ الناس للعيش فى مراحل الجمود من أجل الاسترزاق فقط، وأعتقد أن غياب هذا الإبداع فى الفترة الماضية كان سببه هدر وإهمال الموهوبين، ومع إيمانى بالأمل والإبداع، لا أقول هذا الكلام من باب تثبيط الهمم، ولكننا فى لحظة تاريخية تتمثل فى ثورة 25 يناير أقول فى هذه اللحظة الفارق يتمثل فى وجود أى مواهب واستثمارها، وأنا استضفت بالأمس فى برنامج «بكره أحلى» 3 من الشباب المصرى، جميعهم لديهم مشروعات لخدمة مصر، أولهم شاب لديه 13 سنة ويملك حلماً بخدمة البورصة والآخر شاب لديه 15 سنة نابغة فى الرياضيات، جاءته عروض فى الجامعات الدولية لدراسة الماجستير والدكتوراه.

خلاصة القول إنه سيخرج من الشباب الآن موهوبون وأصحاب عبقريات وتميز فى البرامج المختلفة، يجب أن نحترم عقولهم ونفتح لهم المجال ليعبروا عن أنفسهم وهذه اللحظة التى نحن فيها تنشط فيها القدرات خاصة بعد إزالة الصدى الذى كان يغطى العقول حدث انشطار مستمر للإبداع، كنت أقرأ حديثاً للرسول «صلى الله عليه وسلم» يقول فيه: «خير القرون قرنى ثم الذى يتلوهم ثم الذى يتلوهم»، وكنت أتساءل: لماذا خير القرون؟ فوجدت أن القرن الأول قرن الصحابة شهد مولد الفكرة وتفاعل معها فخرج من الطبقة العالية مثل سيدنا أبوبكر وعمر فى السياسة، وخالد بن الوليد فى القيادة العسكرية، وعلى بن أبى طالب ومعاذ بن جبل فى القضاء، فحيث وجدت الأفكار الكبرى، وجدت القامات العالية، ونفس النظرية مع أتباع المسيح «الحواريين» الذين حملوا أفكار المسيح إلى كل الأرض حتى انتصروا بفكرتهم، فهم كانوا عُزّل أمام الدولة الرومانية المدججة بالسلاح، وسعوا لإدخال الديانة المسيحية فى الدولة الرومانية، إنها نفس الفكرة عبر التاريخ، وهى أنه حيث توجد الفكرة تجد الرموز، والآن نمر بثورة قومية لا تمس مصر كلها بل تمس العالم كله، وهو ما يعنى أننا نحتاج الرمز والفكرة، وأكيد شاهدت أطفالاً يملأهم إحساس داخلى ضخم يجعلهم يشعرون بالغيرة، وإن لم ينطقوا ويعبروا عنه.. يقولون: «ونحن أيضاً لدينا شىء نفعله»، فبعد أن كان الأطفال فى سن 10 و15 سنة كل عملهم وقدوتهم مغنى فيديو كليب، أو لاعب كرة مع احترامى للجميع، نجد هؤلاء الأطفال الآن يريدون أن يكونوا مثل شباب الثورة.. وأخيراً المطلوب من الشباب الآن، ومن أجهزة الإعلام، ومن كل مدرس وأب، شىء بسيط، وهو الاهتمام الكامل بالمبادئ والنبوغ والقدرات المتميزة ويكون لدينا رموز، ونتطلع لمستقبل نهضتنا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة