ننشر فصلًا من رواية "حارس حديقة المحبين" لـ"وليد خيرى" (تحديث)

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014 06:20 ص
ننشر فصلًا من رواية "حارس حديقة المحبين" لـ"وليد خيرى" (تحديث) غلاف الرواية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحكى عن العشاق لا ينتهى، وقصص الحب مثل الطاقة المتجددة، لا تفنَى ولا تستحدَث من عدم، واللحظة التى لا يتحمل فيها العاشق أن يبقى الحب سرا بين فخذيه، ويهرع إلى حمام الحديقة، يفرغ طاقة الحب أكون أنا موجودا، أراقب عن طريق الكاميرا الصغيرة التى أهدتها لى الأجنبية البلوند الشقراء.

أول مرة ثبتُّ الكاميرا داخل الحمام الرجالى بالحديقة كاد قلبى ينخلع من الخوف، كانت مهمة إخفاء أو دس الكاميرا داخل كوَّة بالحائط، ليست بالمسألة السهلة، خاصة أنه من المهم ألا يظهر جزء من الكاميرا، قد يلحظه أحد العشاق.

مسألة انكشاف موضوع الكاميرا أصبحت أحد هواجسى فى الحقيقة وفى المنام، حيث هاجمتنى كوابيس مرعبة، عن اكتشاف أحدهم للكاميرا داخل الحمام، وعن مثولى أمام إدارة الحديقة التى أمرت بفصلي، وطردى من العمل بالحديقة، بعد مطاردة مثيرة بين أشجار الحديقة، كان من يقوم فيها بمطاردتى مدير الحديقة، الذى كان فى بداية المطاردة يرتدى بذلته كاملة، بينما أنا أسبقه بقليل، بين الفينة والأخرى أنظر خلفي، فأجده قد تخلى عن كرافتته، ثم جاكت البدلة، وحين ألتفت فى المرة الأخيرة، أجد لحيته بدأت تنمو بشكل لافت للنظر، وكأن المطاردة أخذت زمنا طويلا.

وكوابيس أخرى، وقد تم الزج بى فى السجن بعد محاكمة مهينة، كان يخطب فيها ممثل النيابة، ويشير إلى وأنا فى القفص صارخا: خائن للأمانة ومطلع على العورات ومتربِّح من وظيفته.

ثم يطالب هيئة المحكمة بتوقيع عقوبة الإعدام على حتى أكون عبرة، لمن تسوِّل له نفسه أن يتتبع عورات الناس. أرانى مرتديا البدلة الحمراء، ويتم اقتيادى فى أصفادى إلى غرفة الإعدام، فأكاد أبول على نفسي، وأهب مفزوعا من النوم، أتحسس رقبتى للتأكد من أن حبل المشنقة لم يلتف حولها بعد، ثم أهرع إلى الحمام، لأتبول كمية كبيرة من المياه المبخرة الدافئة، تليق برجل كان سيبول على نفسه، وهو يجر رجليه فى طريقه إلى حبل المشنقة.

أعترف أن الكاميرا التى أهدتها لى الأجنبية البلوند الشقراء ليلة عيد ميلادى الأخير، قد قلبت حياتى رأسا على عقب، صحيح هى حجَّمت خيالى بشكل كبير، وأفردت مساحة كبيرة للواقعية الجديدة، فما كان مبنيا على الخيال أصبح علميا بدرجة كبيرة، وكنت وأنا أقوم بتفريغ محتوى الكاميرا كل يوم، ونقله إلى جهاز الكمبيوتر، الذى يربض فوق منضدة تستعمل؛ كترابيزة سفرة أحيانا، ومكتب كمبيوتر أحيانا أخرى، ومكتبة أحيانا ثالثة، إذ كنت أجلس إليها أقرأ دواوين شاعر قصيدة النثر لاستظهارها، لقاء قنينة الخمر أو البيرة التى يمنحها لى مقابل الحفظ.

أشعر وأنا أقوم بنقل محتوى الكاميرا إلى الملفات المخفية فى قسم (D) على الكمبيوتر، بأنى عالم جليل يخفى أبحاثه المهمة للبشرية، حتى لا تصل إلى أيدى اللصوص، الذين يستخدمون الاختراعات البريئة، المفيدة للبشر ويحولونها إلى اختراعات شريرة تدمر البشرية، وعلى سبيل المثال العالم نوبل مخترع الديناميت، الذى كان يبتغى به وجه اللـه، قد تحّول اختراعه إلى مصدر شرور العالم، بفضل الاستخدام السيئ له من قبل أشرار، يشبهون أشرار السينما الذين يحاولون العثور على الديسك أو السى دى أو الفلاشا - بحسب زمن إنتاج الفيلم - التى تحمل الاختراع لسرقته وتحويله إلى شر مطلق.

كنت أتمثل نفسى فيما أفعله، أو أخترعه مثل ألفريد نوبل رجلا يريد الخير والسلام، بينما من يحاولون الحصول على محتوى الكاميرا هم الأشرار، الذين يريدون سرقة الاختراع، فى الحقيقة لم يكن هناك أحد يحاول الحصول على محتوى الكاميرا، أو بالأدق على "الفلاش ميموري" الخاص بالكاميرا، لأن لا أحد كان يعرف أن هناك كاميرا بالحمام سواي، لكنها الهلاوس التى تصاحب ارتكاب فعل يراه البعض مشينا.

وللموضوعية فكرة أنى ألفريد نوبل ليست من بنات أفكارى، ففى الحقيقة كنت أتابع برنامجا تسجيليا عن حياته على قناة ديسكفري، فهو مهندس وكيميائى سويدي. وكان قد اخترع الديناميت لأغراض سلمية لكنه استخدم فى الحروب والتدمير، ومن ثم أوصى بكل ثروته التى جناها من الاختراع إلى جائزة نوبل التى سُميت باسمه.

فهل كان نجيب محفوظ يدرى أن جائزته التى منحت له فى الأدب، لمنحه المتعة للبشرية بقصص مسلية وهادفة عن الحارة المصرية وفتواتها، ما هى إلا كفارة لرجل شعر بالذنب تجاه البشرية. على ذكر نجيب محفوظ، قرأت روايته ميرامار من مكتبة الشاعر، وأعجبتنى جدا، أسلوبها شيق، وربما أعجبتنى أيضا، لأنى كنت أتمنى أن أعيش فى بنسيون قديم فى الإسكندرية مثل أبطال الرواية. نجيب محفوظ يصف الإسكندرية فى أول الرواية وصفا جميلا، ذكَّرنى بأول مرة رأيت فيها بحرها فانفشخ فمى غصبا من الانبهار بروعته واتساعه وجماله وزرقته.

من خلال الكاميرا استطعت أن أمنح النطف، التى أجمعها فى أكياس بلاستيك صفاتها الوراثية بدقة، ويتحول خيالى هنا إلى القس مندل، أتذكره بلحيته الكثَّة كما كانت فى كتاب الأحياء بالصف الأول الثانوي، وما بين حيرتى من كونى ألفريد نوبل أو مندل أو نجيب محفوظ، كانت متعتى كبيرة، وأنا أتلصص على رجال فى كامل هندامهم، وهم ينكحون أيديهم، داخل حمام حديقة عامة، بينما يحكُّون ذاكرتهم كما يحكُّون ذكرهم، لمحاولة استعادة تفاصيل المحبة العشيقة المنتظرة على دكة خشبية فى نفس الحديقة العامة، ومحاولة استعادة ملامح وجسد من نعشق، تجربة خبرها كل من نكح يده ويعرفها جيدا، وهى مسألة تسهم بشكل كبير فى شحذ همة العضو، حتى يقذف بكل ما أوتى من قوة.

أعرف أن الكثيرين منكم يعتبرون التلصص عملا غير قانوني، وأعرف أنه لا يروق للكثرة، لكن هؤلاء وأولئك ينسون دائما أن الكل يفعل ذلك، لكن بدرجات مختلفة، وإلا ما معنى أن الكل يسير مفتوح العينين والأذنين. من منكم لا يراقب جارته من خلف الشيش الموارب، وهى تنشر الغسيل فى البلكونة بملابس شفافة، من منكم لا يضع بؤبؤ عينه على العين السحرية لباب شقته، حين يسمع صوت جلبة فى الطرقة الموجودة أمام باب شقة الجار الأعزب، ليتأكد من اصطحابه فتاة إلى شقته، ويبرر فعل المراقبة ذلك، بأن غرضه هو الحفاظ على قيم العمارة العتيقة. من منا لا يتابع مكالمة هاتفية بين واحد وحبيبته فى مواصلة عامة.

لو أردتم عدم التنصت حقا، فعليكم أن تصموا آذانكم، وتستغشوا ثيابكم. غير ذلك، فأنتم متورطون مثلى تماما، بعيونكم المفتوحة ليل نهار، وآذانكم التى تسترق السمع.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة