عطر الأحباب.. ثلاثة رجال ساعدوا "سومة" ودعموها فى البداية.. مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الذى عشق صوتها

الثلاثاء، 18 فبراير 2014 04:26 م
عطر الأحباب.. ثلاثة رجال ساعدوا "سومة" ودعموها فى البداية.. مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الذى عشق صوتها أم كلثوم
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحدث الظهور المدوّى لكوكب الشرق أم كلثوم انقلابًا كبيرًا فى خريطة الغناء فى مصر بعد ثورة 1919 وتحديدًا فى عام 1923، إذ بدأت شركات الأسطوانات العالمية الكبرى ومديروها فى الشرق إلى لفت الانتباه إليها إلى حد التنافس على احتكار الصوت الجديد، فى ذلك الوقت كتب فوجل مدير مكتب شركة جراموفون الإنجليزية فى القاهرة إلى مسؤولى الشركة الأم فى لندن يؤكد المعنى نفسه قائلاً بالنص فى تقرير عاجل للعاصمة البريطانية: «لقد حدث تغيير هائل فى تذوق الموسيقى هنا -يقصد القاهرة- فباستثناء كبار السن الذين لا يزالون يستمتعون بالأغانى الكلاسيكية للشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ صالح عبدالحى، فإن الجيل الجديد يطلب بشكل حصرى الأغانى الحديثة».

ثورة الجراموفون

كان الانتشار الناجح للجراموفون واحدًا من قصص التحولات العظيمة فى انتشار الغناء والموسيقى فى العالم ومصر بالتأكيد. فمع حلول عام 1904 كانت معظم المناطق فى العالم قد عرفت ظاهرة الأسطوانات، إذ تأسست عدة شركات تجارية تنافست للحصول على نصيب من هذه التجارة الجديدة.

تعد شركة لندن للجراموفون واحدة من أوائل وأنجح الشركات التى توسعت سريعًا عبر أشخاص تعول عليهم فى إدارة فروعها فى مناطق عبر البحار. وكانت نوعية الناس الذين تبحث عنهم من أمثال كارل فريدريك فوجل الألمانى المولد وصاحب أحد محلات المعدات فى الإسكندرية، ومنذ العام 1905 وبعد تأسيس جراموفون بعام واحد أصبح فوجل هذا مديرًا لمكتب الشركة الإنجليزية فى القاهرة، ويمثل وكيل بضائعها فى مصر وسوريا، وبعدها بسنوات قليلة وتحديدًا فى عام 1913 طلب فوجل توسيع العلاقات التجارية للشركة فى المنطقة لتشمل الحبشة (إثيوبيا حاليًا) واليونان والإمبراطورية العثمانية وفلسطين والسودان. وبرغم أن التوسع فى النشاط كان يعتبر مغامرة لكن فوجل خاطب الشركة لطمأنتها قائلا: «سوف تتأكد الشركة من حسن العمل فى تلك المناطق ومن أنها فى أيدى رجل نشيط ومخلص -فى الإشارة لنفسه- وسوف أضع كل مستقبلى فى هذا العمل، ويمكن للشركة أن تكون على يقين من تحقيق الأرباح ومن أنها وضعت ثقتها فى المكان الصحيح».

لكن لسوء حظ فوجل اشتعلت الحرب العالمية الأولى «1914 - 1918» وعمّت الفوضى فى المنطقة، الأمر الذى قلل بشكل كبير من نشاطات فوجل وأحبط خططه فى توسيع شركة جراموفون، إلا أن أحد مديرى جراموفون ويدعى آرثر كلارك نصح المسؤولين باستمرار فوجل الذى رأى أنه تمكن من تجاوز الأزمة المالية. بالفعل اقتنعت الشركة بكلام كلارك وهو ما شجع فوجل على معاودة المغامرة بعد ظهور شركات أسطوانات منافسة جديدة مثل بيدافون وأوديون وبوليفون، وكذلك المستوردون غير القانونيين الذين يستوردون مواد رخيصة سيئة الجودة، وأدرك أنه بحاجة إلى شىء ما ليحصن أمواله مما يجعله متفوقا على منافسيه.

الفن والتجارة

طموح فوجل تلاقى مع ظهور أم كلثوم وهنا تمكن من إنجاز أول تسجيلات لها عام 1926 بل وطلب بعد عامين من الشركة الأم ضرورة الحصول على فرصة لضمان احتكار صوت أم كلثوم لمدة عامين أو ثلاثة.

آمن فوجل بالصوت الجديد الذى أحدث تغييرا هائلا فى التذوق الموسيقى فى الشرق كله وليس فى مصر فحسب، حيث إن ثورة 1919 أحدثت تحولا عظيمًا فى الذوق الاجتماعى، ولذلك فالمستقبل ليس لأساطين الغناء القديم قبل الثورة بل لما هو آت. وأرسل فوجل للشركة تقريرًا يتباهى فيه بما حققه من إنجاز بالتعاقد مع أم كلثوم قائلا: «إن شهرة هذه المغنية تتنامى يوميًا وبلغت حتى القسطنطينية والعراق، وإن الأسطوانات التى سجلناها فى مايو الماضى - 1928 - ذات أداء رائع للصوت الجميل لهذه الفنانة. إن محلاتى فى القاهرة والإسكندرية تتلقى استفسارات يومية عن أسطواناتها، والموزعون فى فلسطين وسوريا يتطلعون بشوق لعرضها بالسرعة الممكنة».

وأبلغ فوجل لندن أن هناك محاولات من الشركات المنافسة مثل أوديون وباتى وكولومبيا «اندمجت فى جراموفون فيما بعد» لاحتكار هذه الفنانة، وأن أوديون مستعدة لدفع مبلغ يصل إلى 100 جنيه للأسطوانة الواحدة!!

فى أجواء المنافسة المشتعلة هذه نجحت شركة أوديون فى إغراء أم كلثوم لمدة عام واحد - 1926 - عادت بعدها إلى فوجل وجراموفون بعد ذلك وانتعشت بعدها مبيعات الشركة من أسطوانات كوكب الشرق. وفى مارس 27 نجحت شركة جراموفون بالإسكندرية فى توقيع عقد جديد وحصرى مع أم كلثوم يضمن لها 1600 جنيه إسترلينى فى السنة، كما كان يجرى توزيع وعرض أسطواناتها للبيع فى أمريكا الشمالية من قبل شركة فيكتور.
الترويج الذكى

مع تزايد شهرة أم كلثوم بسرعة الصاروخ، استثمر فوجل هذه الشهرة فى عمل ملاحق وكتالوجات خاصة بشكل حصرى لتسجيلات أم كلثوم تحتوى على قوائم كاملة بالأسطوانات، إلى جانب بعض القصائد الغنائية وصورة شخصية للنجمة الجديدة، فضلا عن بعض كلمات قليلة كتبتها أم كلثوم نفسها.

كان تأثير موسيقى أم كلثوم على تجارة الأسطوانات فى مصر هائلا، حيث حققت ارتفاعا لم يكن يتصوره أحد، ففى السنة السابقة على أول تسجيلات أم كلثوم بلغت أرقام مبيعات أحد العملاء فى فلسطين 1720 جنيها إسترلينيا، وفى السنة التالية قفزت إلى 5133 جنيها.
فى فبراير 1929 توفى كارل فوجل إثر نوبة قلبية ووافقت الشركة الأم على استمرار أبنائه فى إدارة العمل بالإسكندرية. وفى مايو من السنة نفسها وصل إدوارد فاولر أحد أشهر خبراء التسجيلات المهرة فى الشركة لتولى القيام بسلسلة جديدة من التسجيلات. وظلت أسطوانات أم كلثوم فى الكتالوجات طوال حقبة الأسطوانات التى تدور بسرعة 78 دورة فى الدقيقة حتى أواخر الخمسينيات.

فى منتصف التسعينيات وفى ذكرى وفاة أم كلثوم أنتجت الشركة نسخة رقمية من الأغانى الأصلية من أرشيف جراموفون التى أصبح اسمها الآن «EMI» وتتضمن هذه الأغانى: «تشوف أمورى، الصب تفضحه عيونه، صدق وحبك، خيالك فى المنام، يا آسى الحى، إن كنت أسامح».



أم كلثوم.. والسر الكبير! .. هؤلاء الرجال الثلاثة ساعدوا أم كلثوم ودعموها فى البداية
لا يمكن فهم معجزة أم كلثوم ونحن نستعيد ذكراها العطرة بمناسبة مرور 39 عامًا على رحيلها إلا فى إطار الرؤية الشاملة لنهضة مصر بعد ثورة 1919 من ناحية، كما لا نستطيع أن نفسر هذه الظاهرة الخرافية إلا حين ندقق النظر فى الطبيعة الشخصية للفلاحة المصرية التى سُوّيت من عزة وكفاح وكبرياء من ناحية أخرى.
الميلاد الأول

فى قرية منسية على الخريطة يقال لها «طماى الزهايرة» بمحافظة الدقهلية ولدت أم كلثوم فى 31 ديسمبر سنة 1902 على الأغلب، لأن المؤرخين والنقاد تحيروا فى تحديد سنة مولدها لأنها أخفت عمرها الحقيقى - ربما خوفًا من الحسد - كما فعل محمد عبدالوهاب، لكن الناقد والمؤرخ اللبنانى إلياس سحاب توصل إلى هذا التاريخ بعد سلسلة من الحسابات والاستنتاجات متكئًا على حوارها الطويل مع الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها «أم كلثوم وعصر من الفن».

أنت تعرف أنها بدأت حياتها الغنائية بالإنشاد الدينى مع والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى، وأنها ظلت تجوب القرى والمراكز المحيطة ببلدتها تنشد وترتل، حتى استجاب أبوها إلى إلحاح المخلصين فى ضرورة الحضور إلى القاهرة والاستقرار بها حتى تنال ابنته المجد الذى ينتظرها، وهو ما كان بالفعل فى عام 1923، أى بعد ثورة 1919 بأربع سنوات فقط. وفى ظنى لولا هذه الثورة المدهشة ما تركت أم كلثوم قريتها، ولا كنا سمعنا بها.. لماذا؟

لأن هذه الثورة المذهلة هى التى انتشلت المصريين من كهوف العصور الوسطى إلى سماوات العصر الحديث، ذلك أنها منحت المصريين للمرة الأولى إحساسهم بوطنهم وبعزته، وأنهم قادرون على مقاومة المستعمر ومطاردة المغتصب، وأنهم يمتلكون طاقة جبارة لتحقيق أحلامهم المؤجلة وأمنياتهم الموءودة.

كشف حساب ثورة 19

تعال نطل سريعًا على أهم منجزات هذه الثورة التى تزعمها سعد زغلول لندرك أنها أحد الأسرار الكبرى وراء عظمة أم كلثوم وتفردها. خذ عندك: تعزيز الشعور الوطنى/ تلاحم الشعب فى كتلة واحدة مسلمين ومسيحيين/ تحطيم المنظومة المتخلفة التى تقضى باحتقار المرأة وسجنها داخل البيت مع خروج أول مظاهرة للمرأة تطالب بالاستقلال/ تأسيس بنك مصر برئاسة طلعت حرب، وهو أول بنك برأسمال مصرى 1920/ حرية صحافة غير مسبوقة/ صدور أول دستور مصرى/أول بث للإذاعة المحلية عام 1923/ افتتاح فرقة رمسيس لصاحبها يوسف وهبى 1923/ إنتاج أول فيلم مصرى واسمه «فى بلاد توت عنخ آمون» 1923/نهضة موسيقية مذهلة على يد سيد درويش الذى رحل فى 1923/ إجراء أول انتخابات برلمانية غير مزورة عام 1924 «سقط فيها وزير الداخلية نفسه يحيى باشا إبراهيم الذى أشرف على إجرائها»/ تحويل الجامعة المصرية الأهلية إلى جامعة رسمية تتبع وزارة المعراف وتغيير اسمها إلى جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة الآن - عام 1925/ إقامة تمثال نهضة مصر بوصفه تعبيرًا عن حلم الشعب فى الانعتاق والتطور عام 1928، إلى آخر هذه المنجزات الباذخة.

هبطت أم كلثوم أرض القاهرة فى عام 1923 لتقتحم عالم الغناء بقوة لا مثيل لها، بعد أن تهيأت أجواء العاصمة المصرية لاستقبالها، وقد التف حولها ودعم موهبتها الفذة كوكبة من الرجال المتميزين، أو كما يقول إلياس سحاب فى كتابه «أم كلثوم/الجزء الخاص بسيرتها» من الموسوعة التى أصدرها مع شقيقه فيكتور: «إن ثلاث شخصيات قاهرية وضعها القدر فى طريق أم كلثوم لتلعب أدوارًا متكاملة، ساهمت كل شخصية منها بنسبة ما فى إيجاد القاعدة الصلبة التى انطلقت منها أم كلثوم فى طريق التحول من منشدة ابتهالات دينية فى أرياف الوجه البحرى إلى سيدة الغناء العربى النسائى الكلاسيكى على امتداد القرن العشرين.. هذه الشخصيات الثلاث هى على التوالى الشيخ مصطفى عبدالرازق والشيخ أبوالعلا محمد والشاعر أحمد رامى».

لقد لعب هؤلاء الرجال الثلاثة أدوارًا بالغة الأهمية فى صقل موهبة الفتاة الريفية وترسيخ إحساسها بذاتها وموهبتها، علاوة على الترويج لها فى المحافل والصالونات الاجتماعية المختلفة لما يتمتعون به من حضور قوى فى القاهرة. ولعل انتصار الشيخ مصطفى عبدالرازق لهذا الصوت الوافد وانحيازه لأم كلثوم يعد أيضًا من تجليات ثورة 1919، ذلك أن هذا الشيخ الجليل كان أزهرى النشأة والتكوين الفكرى «طالع ما تيسر من سيرته فى هذه الصفحة».

أم كلثوم والسينما

يقول محمد عبدالوهاب فى مقابلة إذاعية عن صوت أم كلثوم، وهو من هو: «إنه صوت نادر يتمتع بمزايا عديدة، تكفى كل مزية منها لتجعل صاحبتها مطربة عظيمة، فكيف إذا اجتمعت هذه المزايا لصوت واحد؟»، كما جاء فى الكتاب الذى سبقت الإشارة إليه.

والسؤال: هل نجحت السينما فى استثمار هذا الصوت لتقديم أفلام ناجحة ومهمة؟.. الحق إن السينما فى مصر كانت تحبو حين اقتحمتها كوكب الشرق، فأول أفلامها «وداد» عرض فى عام 1936، أى بعد أن نطقت السينما المصرية بأربع سنوات فقط «أول فيلم مصرى ناطق كان أولاد الذوات عرض فى 1932»، لذا انطبعت أفلام كوكب الشرق الستة بمنطق السينما فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، هذا المنطق كان ينهض على المبالغة فى القصة والزخرفة فى الأداء الصوتى، والنزعة الدرامية الفجة التى تعتمد على المصادفات غير المنطقية، كما أن صناع أفلامها لجأوا إلى التاريخ ليستلهموا منه القصص التى تصلح لها، ففيلم «دنانير 1940» يرصد حكاية مطربة من العصر العباسى، وفيلم «سلامة 1945» نحا النحو نفسه، و«وداد» قبلهما تحدث عن جارية حظيت بصوت رائع عاشت فى الفترة المملوكية بمصر.

بقيت أفلام «نشيد الأمل 1937» «عايدة 1942» و«فاطمة 1947»، وكلها تدور فى العصر الحديث. صحيح أن فيلمها الأخير كان أكثر نضجًا من حيث بساطة الأداء وسرعة الإيقاع ومتانة الحبكة وسيولة الأحداث، ومنطقيتها نسبيًا، لكن ذلك يعود فى المقام الأول إلى التطور الذى لحق بصناعة السينما فى وقت إنجاز الفيلم، فضلًا على أن أم كلثوم نفسها كانت قد اكتسبت قدرًا لا بأس به من مهارة التمثيل بعد كل هذه السنوات التى أمضتها داخل البلاتوه.
تحف غنائية خالدة

ما الذى بقى من هذه الأفلام الستة؟.. إنها بلا جدال الأغنيات الفاتنة التى ترنمت بها فى تلك الأفلام، فقد شدت أم كلثوم بأكثر من أربعين أغنية قصيرة «بسبب ضرورات السينما»، كثير منها مازال يرن فى آذان الملايين حتى الآن ويشجيهم ويطربهم، ومن ينسى أعمالًا مثل «بكرة السفر/ أفرح يا قلبى/ على بلد المحبوب ودينى/ غنى لى شوى شوى/ قالوا أحب القس سلامة/الفوازير - التى لا شبيه لها فى تاريخ الغناء العربى كله/ سلام الله على الأغنام/ عن العشاق سألونى/ الورد جميل/ هاقابله بكرة/ ساعة القرب تهنالى مادمت معاك/ظلمونى الناس/ نصرة قوية/ أصون كرامتى»، وغير ذلك كثير بطبيعة الحال.. لاحظ أن هذه الأغنيات عمرها الآن بين سبعين وثمانين عامًا، وما زالت قادرة على الإمتاع.

نسيت أن أخبرك أن السينما استضافت صوت أم كلثوم فقط مرة أخرى فى عام 1963 فى فيلم «رابعة العدوية/ إخراج نيازى مصطفى»، حيث قدمت لنا عدة أغنيات بالغة الرقة والعذوبة منها «حانة الأقدار/ الرضا والنور/ أحبك حبين»، لكن المثير حقًا أن الأفلام المصرية التى تم إنتاجها منذ انطلاق هذه الصناعة المميزة وحتى الآن تحتفى بأم كلثوم على طريقتها، فمعظم هذه الأفلام تستعين بمقاطع من أغنيات كوكب الشرق تمررها فى خلفية المشاهد، أو يدندن بها نجم الفيلم، أو يرددها أحد الممثلين بوصفها حكمة، أو يحوّرها مطرب لكنه يحافظ على نغمتها الموسيقية، كما فعل محمد فوزى مع أغنيتها «الآهات»، حيث راح يغنى فى زفاف أحد أصدقائه «آه.. آه.. يا اللى فى المأذون طبيت.. آه.. آه.. يا اللى هاتجرّش فى البيت.. آه.. آه» فى فيلم «فاطمة وماريكا وراشيل»، وهكذا تظل أم كلثوم أو صورتها أو طيفها أو صوتها حاضرة بقوة فى العديد من الأفلام المصرية.

المثير للفخر أننى استمعت إلى أم كلثوم فى كل البلاد العربية والأجنبية التى أتيح لى زيارتها، فقد سمعتها فى مقهى لبنانى بلندن عام 2004، وانتشيت مع «أطلالها» فى المقهى العربى الوحيد بالعاصمة الكورية سيئول عام 2006، وشملنى التيه عندما رنت فى أذنى موسيقى «إنت عمرى» فى مطعم بموسكو، وفى باريس تمايلت مع «هلت ليالى القمر» فى مقهى مصرى، وفى بغداد وبيروت ومسقط ودبى وأبوظبى والكويت وصنعاء والجزائر وتونس سمعتها وجلست على مقاهٍ تحمل اسم أم كلثوم.

حقًا.. إن السر الكبير فى حياة أم كلثوم الذى صنع منها معجزة مصرية بامتياز يكمن فى ثورة 1919، فلا تنس من فضلك دور هذه الثورة فى رعاية هذه المعجزة وصقلها والانطلاق بها إلى آفاق عالمية، وإذا أردت أن تتأكد من كلامى.. رجاء.. اقرأ الموضوع من أوله!

الدويتو الوحيد لأم كلثوم.. إحنا.. إحنا.. وحدنا.. اللى يمشى رأينا

حسب علمى، فإن أم كلثوم لم تسمح لرجل أو امرأة بمشاركتها الغناء على الإطلاق، إلا المطرب الراحل إبراهيم حمودة «1912/1986»، الذى تقاسم معها الغناء فى أوبريت «أوبرا عايدة» الذى جاء ضمن فيلم «عايدة»، صحيح أن الكورس رافقها غير مرة فى كثير من أغنياتها، مثل «سلام الله على الأغنام» أو «الفوازير» أو «حانت الأقدار»، لكنها لم توافق على تقديم «دويتو» إلا مرة واحدة فقط، حيث شدت فى فيلم «عايدة/عرض فى 28/11/1942، وأخرجه أحمد بدرخان» بأغنية بديعة مع حمودة يقول مطلعها: «احنا احنا.. وحدنا.. اللى يمشى رأينا.. يدخلوا لنا من هنا.. نطلع احنا من هنا».

فى ظنى أن موافقة أم كلثوم على أن يشاركها أحد فى الغناء تعود فى المقام الأول إلى الغيرة الفنية، وهى غيرة محمودة يستفيد منها الفنانون والمستمعون، فقد سبقها عبد الوهاب - منافسها الأول والشرس فى ذلك الوقت - واستعان بمطربات ليشاركنه الغناء، مثل نجاة على التى قدمت معه دويتو فى فيلم «دموع الحب 1935»، وليلى مراد التى ترنمت معه بالدويتو البديع «يادى النعيم اللى انت فيه يا قلبى» فى فيلم «يحيا الحب 1938» وأخيرًا «أسمهان»، حيث غنت معه مقطعًا رقيقا من مسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقى، وذلك فى فيلم «يوم سعيد 1940».

لا ريب، فقد وصل صيت هذه «الدويتات» الناجحة التى لحنها عبدالوهاب إلى أذنى أم كلثوم، ولا شك فى أنها استمتعت بها وودت لو تصنع مثلها، فلما أتتها الفرصة فى فيلم «عايدة» لم تتردد كما أتخيل، وغنت مع إبراهيم حمودة هذا الدويتو سريع الإيقاع، مرح النغمات، الذى تنتهى به أحداث الفيلم، والذى يقول - وهذا هو الأهم - إن المستقبل للشباب، وإن الحب الصادق عابر للطبقات، وإن الصوت الجميل لا يمكن أن نسلوه أبدًا.

من فضلك.. ادخل على يوتيوب وانصت إلى هذا الدويتو النادر الذى كتب كلماته أحمد رامى ولحنه رياض السنباطى.. واستمتع.


مصطفى عبدالرازق.. شيخ الأزهر الذى رعى أم كلثوم وعشق صوتها

برغم الموهبة الخارقة لأم كلثوم، فلم يكن باستطاعتها البلوغ للمجد إلا بمعاونة الحظ، وقد منحتها المقادير نعمة الالتقاء برجل مستنير وفر لها الرعاية والحماية وعزز عبقريتها بالتشجيع المستمر. إنه الشيخ مصطفى عبدالرازق الذى استقبل بحفاوة الفتاة المرتبكة التى هبطت القاهرة قادمة من الريف فى عام 1923 يحدوها أمل فى أن تحقق ما تصبو إليه فى عاصمة الفن.


فُطر هذا الشيخ الجليل على حب الجمال، فكتب الشعر وهو ما زال طالبًا بالأزهر، فلما أقام فى باريس عشق الرسم والنحت والموسيقى والمسرح والغناء، ولم يجد أى تناقض بين الإسلام الداعى إلى التعامل بالتى هى أحسن وبين الفنون التى تهذب الذوق وترقق المشاعر، فأصدر كتابه الأول بعنوان «مذكرات مسافر» عن مشاهداته فى باريس وانطباعاته عنها، وكتاب «صفحات من سفر الحياة». وهكذا حين وطأت أم كلثوم وأسرتها أرض القاهرة كان الشيخ مصطفى يلقن الفلسفة الإسلامية لطلابه بالجامعة فى الصباح، وينصت إلى الغناء الراقى فى المساء.

على الفور انتبه الشيخ الحصيف إلى الكنز المخبوء فى حنجرة الفتاة الريفية، فشجع والدها على أن يقطن وأسرته بجوار قصره فى عابدين، وظل يتردد على حفلاتها مشجعًا ومعجبًا بطزاجة الصوت وحلاوته، وحين تعرضت أم كلثوم لمحنة كادت تطيح بها، إذ نشرت مجلة المسرح عام 1926 - بتحريض رخيص من منيرة المهدية - خبرًا كاذبًا فحواه أن أم كلثوم رفعت دعوى قضائية على شاب من قريتها غرر بها ورفض أن يتزوجها، أقول حين اختلقت مجلة المسرح هذه الشائعة المرذولة، تصدى لها الشيخ على عبدالرازق بقوة وكتب عدة مقالات فى جريدة «السياسة» دفاعًا عن المطربة الناشئة بعد أن فتح أبواب قصره لأم كلثوم وأسرتها وشملهم برعايته وحنانه كما جاء فى كتاب «أم كلثوم/السيرة» للناقد والمؤرخ اللبنانى إلياس سحاب.

أرأيت ماذا فعل الفن الرفيع والعلم الواسع بشيخ الأزهر؟

































مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة