"افتح قلبك مع الدكتورة هبة يس".. أروح فين وآجى منين؟

الأربعاء، 25 فبراير 2015 01:01 م
"افتح قلبك مع الدكتورة هبة يس".. أروح فين وآجى منين؟ الدكتورة هبة يس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرسل (س) إلى افتح قلبك يقول:

أنا شاب عمرى 27 سنة, كنت متفوق طوال فترة الدراسة,وحصلت على مجموع كبير فى الثانوية العامة (بالنظام الدولى) يؤهلنى لدخول كلية أحلامى الهندسة, لكنها لم تكن هى الكلية التى يحلم بها والداى للأسف, فقد كانا يتمنيان دائما أن أصبح طبيبا, إلا أننى لم أحصل على المجموع المطلوب لكلية الطب, مما جعلنى أحمد الله على أنى لن أدخلها ضد رغبتى.

إلا أن أبى لا يعرف الاستسلام فقد أخبرنى أنه لن يتراجع عن حلمه فى أن يكون ابنه (دكتور), وخيرنى بين أن أعيد الثانوية العامة مرة أخرى, وبين أن أدرس الطب فى إحدى الجامعات الخاصة, شعرت بإحباط شديد وقهر غير عادي, فأنا ناجح ومتفوق, وبإمكانى دخول الكلية التى أريد, ومع هذا كله أجد نفسى مرغما على إحدى طريقين كلاهما مر بالنسبة لى.

وبعد نقاش وجدال طويلان استقر الحال على أنى سأدرس الطب, وبالفعل قضيت من عمرى قرابة الـ8 سنوات أدرس فى كلية لا أحبها, ولا أجد نفسى فيها, وأنجح فيها بالكاد, حتى تخرجت أخيرا لأجد نفسى لا أريد أن أمارسها, ولا أجد فى نفسى الكفاءة لأن أكون مسئولا عن حياة وأرواح بشر لا يعرفون حقيقة الطبيب الذى يتعامل معهم.

جربت نفسى فى أكثر من مجال من مجالات الطب, استسلمت لضغط أهلى مرة أخرى وأضعت من عمرى 3 سنوات أخرى أبحث لنفسى عن مكان بين أروقة المستشفيات.. لكن هيهات, فلم أخرج من هذه السنوات الثلاث سوى بنتيجة واحدة مؤكدة, وهى أنى غير قادر على ممارسة الطب.. لا أريد, و لا أصلح لذلك.

واجهت أهلى بهذه الحقيقة الصادمة,فما كان إلا أنى واجهت ثورة عارمة على وعلى سوء تفكيرى, فأبى يقول لى أبعد كل هذه المصروفات و النفقات؟, أتعرف كم ألفا دفعتها لك من أجل أن تكون طبيبا؟, و أمى تقول أبعد كل هذه السنوات من الحلم والأمل؟, أبعد كل هذا التعب والمعاناة تريد أن تحرمنى من أن يكون لى ابن (دكتور) أفرح به؟.

أما أنا فاقول لنفسى ها أنا و بعد أن أصبح عمرى 27 عاما, وبعدأن أهدرت منهم أكثر من 10 سنوات, أجد نفسى ضائعا, تائها بلا أى هدف فى هذه الحياة, فلا أنا قادر على أن أكون طبيبا, و لا أنا أجد الشجاعة فى نفسى لأبدأ فى دراسة ما أحب من جديد...فماذا أفعل؟..أروح فين وأجى منين يا دكتوره؟.

وإليك أقول:
لن تصدقنى لو قلت لك إن مشكلتك هى مشكلة جيل بل أجيال بأكملها, تلك الأجيال التى نشأت على أن (كليات القمة) هى صكوك لدخول الجنة _ جنة الدنيا طبعا_ و أن الإنسان لا يكون متميزا إلا إذا كان يحمل لقب (دكتور), وأن النجاح والتوفيق والسعادة فى الدنيا لا تأتى إلا بـ(المجموع العالى) ... أفكار عاش بها من عاش , ومات عليها من مات, ولكنها وبكل أسف أفكار بالية لا يجوز لها أن تعيش بعد الآن, بعد أن ثبت فشلها الذريع فى آلاف الحالات.

وحتى لا يعتقد البعض أنى أتحدث من مبدأ ( إللى حب ولا طالش) , وأقول هذا فقط لأنى لم انول هذا الشرف (شرف الدكتره يعني), فأنا لمن لا يعرف خريجة كلية الصيدلة فى الأساس من قبل ان أدرس فى مجال الاستشارات الأسرية.

ما تعانى منه الآن يا صديقى هو نوع معروف جدا من أنواع (أزمات الهوية) التى يتعرض إليها الإنسان على مدار حياته, فى هذه الأزمة يشعر الإنسان بالضياع والحيرة تماما كما تشعر أنت إذا لم يجد لنفسه أهمية ومكان ودور فى الحياة, الذين يجب أن يكون لهم علاقة بما يحب هو وما يريد فعله, لا بالذى درسه أو فرض عليه أو ( شربه بالمعلقة غصب عنه زى الدوا).

فى هذه المرحلة الإنسان يصبح غير راض عن نفسه, وعن حياته, وعن المجتمع كله , و يظل هكذا حتى يتمكن من أن يكون كما يريد هو, ويستطيع أن يشعر بأنه يسير على الطريق الذى رسمه هو لنفسه, لا الذى تم رسمه له مسبقا من قبل آخرين, حتى لو كانوا هؤلاء الآخرين هم الأب و الأم.

آلاف غيرك مروا بهذه الأزمة من قبل كما قلت لك, لكنهم من حيث رد فعلهم تجاهها ينقسمون إلى قسمين, القسم الأول يظل كما أراده الآخرون حتى نهاية العمر, بدافع آن آوان التغيير قد فات, أو أنه (خسارة) ترك الدكترة إلى غيرها, أو كى لا تضيع كل سنوات الدراسة الماضية هباء... لكنى أؤكد لك أن هؤلاء لا يعيشون راضين عن أنفسهم وعن حياتهم أبدا, لأنها ببساطة ليست حياتهم هم ,بل حياة من اختاروها و أرادوها لهم...فضلا عن أنه قلما ينجح أحدهم فى حياته المهنية, فمن أين سيأتى النجاح إذا كان كل منهم يؤدى عملة تأدية واجب ,ويبدأ يومه وهو يعد الدقائق والساعات حتى ينتهى ؟.

أما القسم الثانى, فهو القسم المغامر, الذى يضرب بكل القواعد عرض الحائط, فلا يلتفت إلى لوم الآخرين و لا لغيره, و يهتم فقط بصوته الداخلى الذى يصرخ و يقول له أنا أريد أن أكون كذا, حتى لو كان هذا الكذا صعب أو بعيد المنال, و حتى لو كان سيبدأ من الصفر لتحقيقه,لكنه لا يأبه و لا يتراجع,فالمهم عنده هو إشباع رغبته المشروعة فى أن يكون ما يريد, و أن يصبح له مكانه الذى يشاءه فى هذه الحياة... و هؤلاء أيضا يعانون كى أكون صادقة معك ,لكن المعاناة مختلفة هذه المرة, فالبداية من جديد صعبة بكل تأكيد, خاصة عندما تكون متأخرة,

ناهيك عن تقريع وسخرية من حولك, بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية غير المستقرة التى زادت من أزمة البطالة, والتى زادت من صعوبة كل شىء...كل هذه عوامل تقف فى طريق كل من قرر أن يمشى خلف قلبه , ويسمع حدسه, و يتبع شغفه... ويفعل ما يريد, ستتعب وتعانى بكل تأكيد, لكنك ستكون راضيا عن حالك, فى حالة سلام مع نفسك لا يشعر بها أبدا من سلم ورضى أن يكون مثلما رسم له الآخرون.

هناك مقولة معروفة جدا توجد دائما فى كتب تطوير الذات وهى (اتبع شغفك), أى امشى فى الطريق الذى تحب , بصرف النظر عن نوع دراستك, أو سنك, أو ظروفك الاجتماعية, الصواب هو أن تفعل ما تحب, و تكون من تريد...لكن لهذا ثمن بكل تأكيد, فأنا أحدثك عن تجربتى الشخصية كواحدة ممن ساروا فى هذا الدرب من قبل, لن يكون الطريق مفروشا بالورود أبدا, و ستقابل احباطات و مثبطات كثيرة,و بين كل خطوة و الأخرى ستجد من يقول لك ( مش كنت فضلت دكتور أحسنلك؟...حد يسيب الطب؟...عليك من ده بإيه؟), سيأتى عليك أوقات كثيرة ستشعر فيها و كأن الكل اجتمعوا ضدك, لكن الضمان الوحيد لنجاحك هو ألا تستسلم أبدا,أن يكون ايمانك بنفسك و بموهبتك أقوى من كل هؤلاء, أن تتحلى بالتحمل و الصبر و طول النفس.

أنا لن أقول لك أى الطريقين تختار, فأنت وحدك من يستطيع أن يقرر أيهما ستتحمل أن تكون مستقرا خارجيا أم داخليا؟, أن ترضى الغير أم ترى ضنفسك؟, أنت وحدك من سيقرر هل تستطيع مواجهة أى تحديات أم أنك ستؤثر السلامة و تبقى كما أنت.

بقى أن أخبرك أن كثيرون من المشاهير و العظماء و الناجحون فب العالم غيروا مسار حياتهم المهنية فى مراحل متأخرة من عمرهم, فكثيرون هم من بدأوا يمارسون ما يحبون فى آواخر العشرينات, وأوائل الثلاثينات, وربما بعد ذلك أيضا, فالعمر سيمر سيمر, والسنوات آتية لا محالة, فلماذا لا تأتى و تمر واإينسان يتطور ويتغير و يعيش كما يريد؟, البداية ستكون صعبة حتما , لكن من سار على الدرب وصل, ولو بدأ متأخرا, ووصل متأخرا, لكنه سيصل يوما ما, فأنت الآن تائه فى السابعة والعشرين من عمرك, وإن لم تحسم أمرك ستمر السنوات وتظل كما أنت تائها أيضا فى السابعة والثلاثون, والسابعة و الأربعون...وإلى أن يشاء الله.

الصفحة الرسمية للدكتورة هبه يس: Dr. Heba Yassin








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة