د.سمير طلعت رضوان يكتب: ما أحوجنا إلى الشيخ شلتوت وأمثاله

الخميس، 12 مارس 2015 03:16 ص
د.سمير طلعت رضوان يكتب: ما أحوجنا إلى الشيخ شلتوت وأمثاله ورقة وقلم - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن ما يزعجنى كثيرا فى حلقة المذيع المتميز طونى خليفة عن الإلحاد ما يصرح به أحد ضيوفه من قناعته الكاملة بالإلحاد وعدم اكتراثه بما يسوقه الضيف الآخر - وكان رجل دين من النوع التقليدى-، من أدلة وغيره لمواجهة ما يقوله الضيف الملحد . فلقد اعتدت على مثل هذه الحوارات سابقا سواء فى بعض ما قرأت أو حتى ما شاهدت من برامج مشابهة.

إلا أن ما استوقفنى حقا هى عبارة هامة ألقى بها الضيف الملحد ولم يقف عندها لا المذيع ولا رجل الدين، وهى "أن كل ما تقوم به التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها هو موجود بالفعل فى كثير من كتب الدين أو ما يطلق عليه كتب التراث".. إن خلفية الضيف الملحد كانت خلفية سلفية ثم اتجه بعد ذلك إلى الإلحاد لذا فهو يدرك تماما ما يقول.

وهنا ندرك حجم الكارثة الحقيقية نعم إن كل ما يقوم به داعش موجود بالفعل سواء فى كتب التراث وكتب شرح الأحاديث وحتى العديد من التفسيرات لآيات عديدة بالقرآن الكريم.

وهنا يقفز السؤال التقليدى هل لا يدرك علماؤنا الأجلاء ورجالات الأزهر ذلك؟، الإجابة نعم بالتأكيد يدرك الكثير منهم ذلك.

إذا أين المشكلة؟

المشكلة يا سادة هى الخوف
نعم الخوف من أن تمس هذه الصروح التى تم بناؤها وضمنتها آلاف الكتب فيما يزيد عن ألف عام ولا يستطيع أحد أن يقترب منها بأى نوع من أنواع المراجعة أو النقد أو التدقيق، مرددين عبارتهم الشهيرة ثوابت الدين.

ولا تتوقف المشكلة على ذلك فقط بل المشكلة الأكبر هى فى دأب العامة والخاصة ممن يحملون قدرا من العلم أو لا يحملون أى قدر من العلم، فى مهاجمة أى محاولة لإلقاء حجر فى المياه الراكدة وطمس أية محاولات كانت قد تمت فى أى فترة سابقة حتى من علماء أجلاء اجتهدوا واتبعوا منهجا مخالفا فى التفسير أو دراسة ما تحويه العديد من كتب التراث، بل يتعدى ذلك بالتفنن دائما فى إلصاق قائمة طويلة من التهم سابقة التجهيز.

لقد كان الإمام الجليل الشيخ محمود شلتوت واحدا من هؤلاء المجددين حين تصدى هذا الرجل لقضية من أهم القضايا التى تتعلق بما نواجهه اليوم من أفكار تحلل القتل، فكان كتابه الفذ القرآن والقتال، والذى قام من خلاله بهدم الكثير من الأساليب القديمة التى احتوتها كتب التراث فى تناول وتفسير آيات القتال، ويفتح بذلك طاقة جديدة من نور نستطيع من خلالها أن ندرك حقيقة الأمر، ونقف على حقيقة الكارثة التى أتت بها الكثير من هذه الكتب والتفاسير.

فمن خلال هذا الكتاب يصل بنا شيخنا الجليل إلى عدد من الحقائق يجلى بها ما فى صدورنا من أية شائبة تربط بين أية آية من آيات القتال وحمل الناس أو إكراههم على اعتناق الإسلام، وهو القول الذى دائما ما نردده ويردده آخرون منذ نعومة أظافرنا دون ادراك للحقيقة الكارثية المتمثلة فى احتواء العديد من كتب التفاسير والتراث لتفاسير متعددة لهذه الآيات تسوق العديد من الأدلة إلى حمل هذه الآيات لحرب الناس انطلاقا من مبدأ اختلاف العقيدة، مخالفين فى ذلك المبدأ الأعم الذى شرعه الاسلام واضحا متمثلا فى عدم الكراهة فى اعتناق أى معتقد، وكذا يسوق لنا برهانه الساطع على أن هذه الآيات إنما ارتبطت بأحداث محددة أو موجهة لفئة معينة قدمت ما يستحق قتالها لأسباب بعيدة تماما عن الأسباب العقائدية .

إن مخالفة الشيخ لما جاء بالعديد من الكتب التراثية المشار إليها فى التفاسير كان نتيجة طبيعية لما اتبعه من أسلوب منطقى متناغم مع الأسلوب العلمى لبحث موضوع ما، فقد قام الرجل وفقا لما ذكره بجمع الآيات التى وردت فى موضوع القتال ليضعها أمامه كمواد يحللها فيضع بذلك كل شىء فى موضعه ولا يخضع أية آية لمعنى آخر بناء على حكم مسبق .

فعلى سبيل المثال لعلك قد وقفت كثيرا عند آية سورة البقرة وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ " (البقرة – 193).

خاصة عندما تراجع العديد من التفاسير الواردة فى شأن هذه الآية والتى تخضعها لعديد من الأحاديث دون مراجعة هذه الآية مع العديد من غيرها من الآيات التى تقر مبدأ عدم الكراهة .
وهنا يأتى شيخنا الجليل فيوضح رأيه المتناغم مع صحيح الدى حيث يوضح أنها لم تأت للحث على الكراهة بل على حرية الاعتقاد، أى أن الدعوة هى لقتال من يحملون الناس على اعتناق مذهب محدد وليس القتال لحمل الناس على اعتناق الإسلام وترك الشرك كما هو واضح فى الكثير من كتب التفسير التى ترتكز أساسا على إخضاع النص القرآنى للأحاديث وأقوال الفقهاء بصرف النظر عن مراجعة باقى الآيات فى ذات الموضوع، وكذا دون مراجعة ذلك ضمن الإطار الأشمل للمبادئ الأساسية للدين .

أيها السادة إن القضية لم تصبح فقط قضية تجديد الخطاب الدينى لإظهار وسطية الإسلام كما ينادى البعض فقد تعدت ذلك بمراحل نحن أمام تراث يحمل الكثير منه إلى طريقين كلاهما كارثى إما إنكار بالكامل مما يفتح الطريق أمام الأفكار الإلحادية أو قناعة كاملة مبنية على النقل فقط دون إعمال العقل فيكون طريق التطرف والإرهاب .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة