حسن زايد يكتب: متى نفيق من غفلتنا؟

الخميس، 05 مارس 2015 01:57 م
حسن زايد يكتب: متى نفيق من غفلتنا؟ داعش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقصد بالداعشى ذلك الشخص المنتمى إلى الجماعة التى ظهرت فى الأفق الاجتماعى العربى، فى عصر ما بعد الحداثة، يمارس العنف والإرهاب استنادًا إلى نصوص دينية مقدسة، فهمها أو تأولها- أو أفهمت وأولت له- على نحو يدفعه إلى التصرف على نحو مغاير لتصرف الشخص المعتاد ممن يدين بهذه النصوص ذاتها فى الظروف الطبيعية. وصناعة الداعشى تستند إلى العلوم والمفاهيم السلوكية فى الأساس، وهى تلك الخطوات والإجراءات التى تتبع مع الشخص العادى لتحويله من إنسان عادى، إلى إنسان لديه قابلية غير عادية للاستهواء، والميل الحاد للانضواء تحت سطوة فكرة أو جماعة تستلب عقله، وتهيمن على مشاعره وأحاسيسه وإدراكه، وخلق حالة متخيلة من التحقق وإثبات الذات، وتحيله من إنسان يعى ويدرك يحس ويريد، إلى آلة يجرى شحنها زنبركياً، فتتحرك فى الاتجاه المراد لها.

وما يجرى فى معتقل جوانتانامو الأمريكى خير مثال على ما يتبع من خطوات وإجراءات محسوبة لتحويل الإنسان من إنسان عادى إلى إنسان آلى، ينفذ ما يصدر إليه من توجيهات أو أوامر فور صدورها، دون تمريرها على عقله أو تفكيره، أو الإحساس أو الشعور بها. حيث يجرى الاستغراق فى تنفيذ تفاصيل الأمر دون ما عداه. وقد ذكرنى ذلك بنظرية الارتباط الشرطى لجشطلط، وهى إحدى نظريات التعلم، وتقوم فكرتها على تجربة الكلب، حيث قام هذا العالم بوضع كلب فى قفص مغلق، منع عنه الطعام لعدة أيام، وعندما قدم له الطعام قدمه مصحوبًا بصوت جرس، وبعد فترة تبين أن لعاب الكلب يسيل بمجرد سماعه صوت الجرس دون أن يكون هناك طعام.

وقد وعينا وأدركنا مؤخرًا أن آلية تصنيع الداعشى تكمن فى مبدأ السمع والطاعة التى تحيل الإنسان من كائن حى إلى ميت بين يدى مرشده، يقلبه كيف يشاء. وهو حين يقدم له الطعام وهو حبيس قفص السمع والطاعة، يرن فى أذنه صوت الجرس، وهو الصوت الذى يصور له أن ما يفعله لوجه الله، فإن هلك فهو فى سبيل الله، ومن ثم فهو شهيد، والشهادة فى سبيل الله- فى المعتقد الإسلامى- لا تعادلها فى المكانة سوى مكانة النبيين والصديقين. ولذا فإنك ترى الداعشى يهدم ويدمر ويحرق ويذبح ويقتل دون أن يرمش له جفن، أو تهتز له خلجة.

وأنا لا أريد بذلك أن أبرئ ساحته باعتباره مجنيًا عليه وفقًا لهذا التصور، وإنما فقط لعرض الخلفية الدافعية التى تحركه، ويتأتى من خلالها تلك المسالك الإجرامية المنحرفة، التى يعد مسئولاً عنها بالقطع واليقين.

والداعشى بالقطع ليس صناعة ذاتية، وإنما هو من صناعة الغير، هذا الغير قد يكون فكرًا، وقد تكون جماعة، وقد تكون أجهزة يقف وراءها طابور طويل من العلماء. ولا يخلو الأمر من مفارقة المطابقة بين داعش وفرانكشتاين- لمن قرأ هذه الرواية للكاتبة البريطانية مارى شيلى 1818 م- بما يعنى أن هناك معمل تفريخ للدواعش. ونظرا لما ينطوى عليه السلوك الداعشى من مخاطر وجودية على الوجود الإنسانى ذاته، فإنه يجب محاربته، والقضاء عليه، قضاءً مبرمًا. فهل تكفى الصواريخ والقنابل والدبابات لمحاربة هذا المسخ والقضاء عليه؟. الحقيقة رغم أن هناك إجماعًا دوليًا على خطورة داعش ووجوب محاربته، إلا أن هناك اختلافًا بين القوى الدولية على جبهات القتال، هل الحرب على الجبهة الفكرية؟ أم على الجبهة السلوكية؟ أم على داعش المشرق العربى، دون داعش المغرب العربى، أم العكس، أم كلاهما؟ أم كل ذلك؟

وبالاستقراء تشعر أن هذا الاختلاف مقصود وموجه من تلك الأيدى الخفية التى تعبث داخل معمل التفريخ. بالقطع فإن إحداث هذا الاختلاف ليس مقصودًا لذاته، وإنما مقصود لغيره، وهو لفت الانتباه عما يجرى داخل هذا المعمل، حيث يجرى العمل على عناصر أخرى، منها استخدام وسائل الميديا فى الترويج لهذا المسخ الإنسانى بقصد جذب عناصر جديدة إلى أعضائه، فإلى جانب فيديوهات القتل والذبح والتخريب والهدم التى امتلأت بها وسائل الميديا، ظهرت فيديوهات أخرى لسيدات داعشيات يبايعن التنظيم، وأخريات يستنجدن بأمير المؤمنين المزعوم كى ينتشلهن من أفاعيل السلطة المستبدة، ووجود المرأة الداعشية ضمن عناصر هذه البيئة سيضمن استمرار عمل معامل التفريخ ذاتياً دون حاجة إلى ما يبذل من جهد حالى فى سبيل ذلك، وضمان الاستمرار فى المستقبل. وقد فزعت ـ أشد ما يكون الفزع ـ عندما أخبرنى نجلى بأن داعش قد دخل عالم الألعاب الإلكترونية، وأن هناك لعبة لهم منتشرة على الشبكة العنكبوتية تسمى: " صليل الصوارم" ـ أى أصوات السيوف ـ وهى لعبة قتالية تقوم على القتل والتدمير والتخريب والحرق، وفى عقب كل عملية تصدر اللعبة صوت التكبير: "الله أكبر". بخلاف تعليقات أخرى، من تلك التى يستخدمها التنظيم أثناء عملياته، وهنا يتحول الطفل أو الشاب إلى فاعل أصلى فى العملية، فبدلاً من الفيديوهات التى ظهر فيها الأطفال يتدربون على استخدام السلاح، ظهرت هذه الألعاب التى يتحول فيها من متلقى سلبى، إلى فاعل إيجابى. ولا يخفى ما تنطوى عليه هذه اللعبة من مخاطر جمة على التركيبة النفسية والسلوكية للأطفال المسلمين، الذين ستفضى بهم هذه الألعاب فى النهاية إلى خلق جيل من دواعش المستقبل. ذلك طبعاً بخلاف التصورات الشائهة التى تترسب فى نفسية الآخر غير المسلم عن الإسلام والمسلمين. وأنا أتصور أن هذه اللعبة تصميم وإخراج ونشر هى جريمة ضد الإنسانية، ويتعين تعقبها وتعقب صانعيها ومن يقف وراءهم قضائياً إذا أردنا حقاً القضاء على داعش. كما أتصور أنها جرس إنذار صارخ لنا، لندرك ما يحاك لنا فى المعامل الغربية، وفقاً لما تقتضيه أجيال الحروب المتعاقبة.

فهل نفيق من غفوتنا، وننتبه إلى أبعاد اللعبة؟؟!!









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة