افتح قلبك مع د. هبة يس.. فهل من مجيب؟

الأربعاء، 13 مايو 2015 01:10 م
افتح قلبك مع د. هبة يس.. فهل من مجيب؟ د. هبة يس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أرسل ( ى ) إلى افتح قلبك يقول:


أتابع بابك منذ فترة غير قصيرة، وأراكِ تنصحين الناس كثيرا بالدعاء والطلب من الله، كجزء من الحل والعلاج لمشاكلهم، ولكن اسمحى لى أن أخبرك بشىء من المؤكد أنى لست الوحيد الذى يشعر به، فقد جربت الدعاء من قبل، ولكنه لا يستجاب دائما، أو قد يستجاب ولكن متأخرا جدا عن الوقت الذى كنت أتمناه.. لماذا؟، وما فائدته إذا؟..

هذا الموضوع يؤرقنى جدا، وأظن أنه يؤرق كثيرون غيرى، لكننا جميعا نخاف الكلام عنه خشية ( فلسفة ) الآخرين، واتهامهم لمن يفكر بهذه الطريقة بالضلال والفسوق وو و، وأنت تعرفين الباقى، لكنى عندما قرأت لك موضوع (اشمعنى أنا ؟) مؤخرا، شعرت أنك ستفهمين ما أعانيه من كلامى، فتشجعت على مراسلتك، وأرجو أن أجد منك الاهتمام والرد.

وإليك أقول:


رسالة حضرتك أكثر من رائعة، لأنها تلخص فعلا ما يجول بخاطر الكثيرون والكثيرين، ممن يعانون فى حياتهم بأى شكل من الأشكال، فيطلبون العون، وينتظرون الفرج من الله، ولكن يطول انتظارهم، ويمر الوقت ثقيلا صعبا ولا يتغير حالهم، فتقل العزيمة، ويخفت الأمل، ويفقدون الإيمان بجدوى الدعاء أو اللجوء إلى الله عموما، فلسان حالهم يقول تماما كما قلت أنت... وما الجدوى؟ طالما أنه ما من مجيب...
لكن وقبل أن نحاول معا فهم أسباب ذلك، دعنى أخبرك أولا أن الله سمى نفسه (المجيب)، أى أنه هو الذى أقر بنفسه عن نفسه أنه (هو من يقابل دائما السؤال والدعاء بالعطاء والقبول)، وأنه (هو من يجيب كل من ناداه، سواء فى السر أو العلن، أيا كان هذا الداعى وأيا كانت صفاته أو حاله)... فهكذا فسر العلماء معنى اسم الله المجيب، إذن فالله يسمع الدعاء، ويقبله، ويجيبه فى كل وقت وعلى كل حال وبكل يقين، وإلا ما كان قال ذلك عن نفسه عز وجل، لكن مشكلتنا هى تأخر هذه الإجابة، أو بمعنى أدق حدوث الاستجابة فى وقت غير الذى نريده نحن ونحدده لأنفسنا، ودائما ما يفسر الناس هذا الأمر باقتضاب شديد فيقولون إن ذلك (لحكمة) ما قد لا نعرفها، ولكن لأننا لا نفهم معنى هذا الرد المختصر جدا... لا ندرك هذه الحكمة، ولا نقبل بها، ولا نرضى عنها، فترى ماذا ستكون هذه ( الحكمة ) الغامضة؟، وما ضرورتها؟، ولماذا لا يعطى الله لكل سائل سؤاله فورا وينتهى الأمر؟.

_ قد يبتليك الله بمشكلة معينة، فتلجأ سريعا لأبيك أو لأمك، أو لأهلك المقربين، فيعجزوا عن مساعدتك، ثم تلجأ إلى أصدقائك المخلصين، فيفشلوا فى ذلك، ثم تلجأ إلى من تعرف من ذوى السلطة والمناصب فيتخلوا عنك أيضا...حتى تجد نفسك وحيدا تماما، فلا يتعلق قلبك بغيره، فيعلمك أن تعتمد عليه وحده، وأن توجه وجهك له أولا وقبل أن تفكر فى غيره، من الآن فصاعدا، فيكون ذلك أعظم وأكبر درس تعلمته فى حياتك.

_ قد يؤخر عنك حاجتك ليرغمك على أن تتعبد إليه بعبادة الصبر، فيربيك ويستخرج من قلبك مشاعر وأحاسيس لم تكن لتشعرها أبدا لو كان استجاب لك سريعا، وليجبرك على أن تكون من (الصابرين) الذين يوفون أجورهم بغير حساب وأنت لا تدرى، كما فى قوله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) 10 الزمر.

_ قد يؤخر عنك الإجابة ليختبر ( حسن ظنك ) به، فهل ستكون ممن لا يرضون عن الله إلا إذا أعطاهم ؟، وإذا لم يعطهم يسخطون ؟، أم ستكون ممن يثقون فى كرمه وحكمته حتى وإن حرموا ما يحبون؟... قد يفعل بك ذلك ليخرج من قلبك (سوء الظن) به، والذى هو من أخطر أمراض القلوب، والتى تهلك صاحبها فى الدنيا والآخرة.

_ قد يمنع عنك رزقا تطلبه لأنه يعلم أن هذا الرزق فى هذا الوقت بالتحديد سيكون سببا لفساد دينك أو دنياك، فمن منا يستطيع أن ينكر أنه عندما ينعم الانسان ويرفه قد يطغى على غيره، ويغتر بنفسه، ويبتعد عن خالقه لأنه يشعر أنه لا يحتاجه ؟... فيعطيك طلبك فى وقته المناسب فعلا، والذى لا يعرفه إلا هو سبحانه وتعالى، لأنه وحده هو من (أحاط بكل شىء علما).

_ قد ينغص عليك حياتك لبض الوقت لأنه رأى أن قلبك أصبح (مهموما) بالدنيا فقط، وأنها أصبحت شغلك الشاغل، وألهتك عن آخرتك التى أنت ذاهب إليها لا محالة، فيريد أن يريك حقيقتها _الدنيا_ فتزهد منها وتشتاق لما هو خير وأبقى.

_ قد يقسو عليك لفترة ما لأنه يعلم فى قلبك مرضا أنت عاجز عن علاجه بنفسك، فيبتليك بالشدائد والصعوبات، فتتألم فيخرج هذا المرض من قبلك رغما عنك، فتكون كمن خضع لعملية جراحية طارئة، آلمته لبعض الوقت حتى يتعافى ويصح لبقية الوقت، فكلنا بنا ما بنا من (حسد وحقد وكبر ورياء وعجب ونفاق) والسعيد حقا هو من استطاع علاج نفسه من كل هذا، حتى يلقى الله بقلب سليم.

_ قد يؤخر عنك الإجابة حتى تستنفذ كل ما تعرفه من أسباب، وتيأس من صلاح الحال، فيصلحه هو _عز وجل _ لك من حيث لا تحتسب، فتوقن به وبقدرته، وبأنه لا مانع لما أعطى ولا معط لما منع.. وياله من درس عظيم لم تكن لتستوعبه بطريقة أخرى غير ذلك.

_ قد يطيل عليك البلاء عندما يراك تقوم بالعبادة من أجل الدنيا، فيحرمك الدنيا حتى تتعلم الإخلاص، وتفهم أن العبادة يجب أن تكون بلا هدف أو غرض، ثم يعطيك بعد ذلك ما تشاء، بعد أن يكون ردك إليه، فقد يصوم الشخص أو يهتم بالنوافل، أو يصلى صلاة الحاجة طالما كان فى شدة وكرب طلبا للفرج، ويتوقف عن كل هذا فور تحقق مراده، أغلبنا يفعل ذلك، لكن المحظوظ حقا هو من يخرج من شدته أقرب إلى الله، وعلى عبادته أدوم، سواء أجيب طلبه أو لا.

_قد يحرمك الإجابة عندما يراك غافلا عن عطائه، فتعتقد أن أمورك تدبر من تلقاء نفسها، وأن النعم تأتيك بجهدك وتفوقك، أو لأنك تستحق... فيوقفها عنك بالرغم من أنه لا شىء تغير فى حياتك، فتظل تتساءل وتبحث عن السبب، حتى تعى أن كل شىء أت منه وحده، لا بقدراتك ولا بإمكانياتك، ولا بحولك وقوتك.

_ قد يطيل عليك الشدة، ويذيقك خلالها سكينته ورحمته وشعورك بأنه معك، يرعاك ويتولاك ويعينك على مصابك، حتى يطمئن قلبك إلى أنه لطيف، فلا تحمل هم المستقبل بعد الآن، فقد جربت بنفسك أنه حتى فى وقت المحن والشدائد سيلطف بك.

_ قد يكون عدم الاستجابة أو تأخيرها نوع من أنواع تعجيل العقوبة لك على ذنوبك، فتنتبه لها، وتتوب منها، فيكون ذلك تطهيرا لك، حتى لا تتراكم الذنوب والأخطاء والمعاصى على قلبك فتغطيه كما يحدث مع الهالكين.

_ قد يصيبك ببلاء معين، ثم يريك من هو أسوأ منك، ومن هو أشد منك ابتلاء، حتى تتعلم أن تحمده، وأن ترضى بحالك فى الضراء قبل السراء، وأن تعرف أنه رحيم بك حتى فى الابتلاءات.

_ قد يعطيك سؤالك بعد إلحاح طويل، وأنت ناقما متسخطا على أقداره وعلى عدم استجابته، وبعد أن يعطيك إياه تتذوق مرارته، وتعرف حقيقته، فتبغضه، وتعرف أن اختيار الله لك كان هو الاختيار الأفضل، وتتعلم ألا تتهمه فى حكمته ولا فى أقداره بعد الآن.

وأخيرا أريد أن أقول لك إن العلماء قد صنفوا البشر إلى صنفين، أعمى وبصير، فالبصير هو من يرى حكمة الله ورحمته وحسن تدبيره فى كل ما يحدث له، حتى وإن كان على غير هواه، والأعمى هو من لا يرى شيئا من هذا... فمن ستختار أن تكون؟.




الصفحة الرسمية للدكتورة هبة يس على الفيس بوك:
Dr. Heba Yassin








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة