عمرو خالد

«المادة الفعالة» للدين

الثلاثاء، 11 أغسطس 2015 12:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أولى الإسلام، الإنسان اهتمامًا كبيرًا، فهو ليس قانونًا جامدًا ينطوى على العقوبات فقط، بل هو رسالة كاملة متكاملة، جعل الله فيها لكل شىء قدرًا، فهو حين يدعو إلى العمل للآخرة لم يدع إلى الانصراف عن الدنيا، ولا يقف على النقيض منها، كما يفهم البعض، بعد أن عمد إلى نزع الفاعلية «المادة الفعالة» لدور الدين فى الحياة المعاصرة، وجعل التدين مرادفًا للانغلاق، وهو يتوسع فى تحريم الكثير من الأمور. وهذه الخطوة الأولى على طريق التشدد التى تفقد الإسلام فاعليته، وتجعل الناس تنفر منه، وهى تقوم على خمس أسس خاطئة: «الأصل أن كل شىء حرام، الإيمان للمتعمقين فقط، العرف ضد الدين، البدعة، سيطرة البعض على عقول الناس باسم الدين»، فلابد من تصويب هذا المفاهيم الخاطئة، حتى نؤكد أنه لا تعارض أبدًا بين الدين والحياة.

ما هو الدليل على أن الإسلام ليس ضد الحياة؟

الإسلام دين شعبى



بمعنى أنه دين لكل الناس وليس مجموعة أو تيار دينى معين، فالمرأة البسيطة التى تحب الله هى متدينة وليس فقط المتعمق، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول «إذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم ومن شذ شذ فى النار»، إذن هناك حلول فيها اتفاق جماهيرى وهناك حلول فيها اختلاف شديد، وإذا تبنيت الحلول الخلافية فأنت الذى ستفشل، لأن فيها عوامل القضاء عليها، لأن الإسلام دين شعبى للناس كل الناس: «لا تتفق أمتى على ضلالة».

وعندما يأتى تيار متشدد مثل «داعش» ويقول: أنا الإسلام، فإنه يحاول تجاوز المفهوم السابق وهو يقوم بعمل كيان مواز للإسلام، أو يريد أن يختزل الإسلام فى فكرة واحدة، عندما ينظر إلى نفسه باعتباره فقط من يمثل الإسلام، فى محاولة لاحتكار الدين واختطافه، وتشويه مفهوم أن الإسلام دين شعبى، ليس ملكًا لأحد، بل هو لعموم البشر من مختلف الجنسيات، وكل من يفعل ذلك يصطدم بالإسلام ويزول عبر التاريخ.

الإسلام يحترم العرف

فالقرآن أمر بالأخذ بالعرف «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ»، وهى عادات الناس التى اعتادوا عليها فى الحياة عمومًا، كما فى الأفراح والمآتم، ما دامت لا تصطدم بأمر قد حرمه الإسلام، وهذا له علاقة بمقصد كبير من مقاصد الشريعة وهو مقصد التيسير، فكلما اقترب الحكم من العرف كان ذلك أريح لنفوس الناس، بل إن الإسلام بنى كثيرًا من الأحكام على مقتضى العرف.

والعرف نوعان، عرف صحيح، وعرف فاسد وهو ما خالف أدلة الشرع، وكل مكرمة عرفها المجتمع عبر التاريخ حتى وإن لم ينص عليها الشرع فهى معتبرة فى الإسلام. وهناك من الأدلة ما يؤكد أن الإسلام يحترم أعراف الناس، يقول تعالى: «وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ»، فحقوق المرأة وواجباتها واحدة حسب كل عرف فى كل زمان ومكان، الغرب جعل المرأة عند الطلاق لها نصف التركة.. فماذا أعطاها الإسلام؟ قد يكون أكثر حسب العرف.

ومنها ما رواه ابن مسعود: «ما رآه المسلمون حسن فهو عندالله حسن وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سىء». ويقول ابن القيم: تتغير الفتوى بحسب الأمكنة والأزمنة والأحوال، وذلك يحكمه العرف.. كشف رأس الرجل فى الصلاة وغيره، يقبل أو ينكر شرعاً وفق العرف.

عدم اتساع مفهوم البدعة


فالبدعة هى ما خالَف أُصول الشريعة، أو أمرًا قطعيًا فى الدين مثل أن تصلى الظهر خمسًا من باب الزيادة للثواب مثلاً، فهذا مخالف لأصول الشريعة أو أن تصلى صلاة الجمعة يوم الثلاثاء فهذا مخالف لأمر قطعى فى الدين، وهكذا يصغر مفهوم البدعة جدًا فلا تصادم الحياة.

أما القول بأن البدعة هى كل ما لم يفعله النبى، فهذا كلام غير صحيح وغير علمى وغير دقيق، ويجعل الدين فى صدام مع الحياة، والإسلام لا يريد ذلك. وفى مواقف النبى الأكرم ما يؤكد عدم اعتراضه على كثير من «البدع» بمفهومنا، بل واستحسانه لها، وقد ترك رجلا فى الصلاة بعد رفع الرأس من الركوع، قال الرجل: «قال رفاعة بن رافع: «كنا يومًا نصلى وراء النبى صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعـة قال: «سمع الله لمن حمده»، قال رجل وراءه: «ربنا ولك الحمـد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه»، فلما انصرف قال: «من المتكلم». قال: «أنا»، قال «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها، أيهم يكتبها أولاً».

إلغاء تسلط أحد على الناس باسم الدين

فالإسلام لا يقبل أن يحتكره أحد، أو يفرض وصايته على الآخرين باسمه ولا يتحكم فيه أحد تحت أى مسمى، ولا يصح أن تحتكره فئة أو أى جماعة. وحين نزل القرآن مخاطبا النبى صلى الله عليه وسلم، بيّن له دوره فى أنه مذكر ومنذر لقومه وليس مجبرا أحداً على شىء، « فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ»، «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»، «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَىءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ»








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة