الضمير: هو ذلك الصوت الخفى الحاكم والرادع للنفس والرقيب عليها، ليردها عن جموحها وشطط أهوائها.
غياب الضمير مشكلة يعانى منها الكثير ويجهل مداها الكثير أيضا، مشكلة تعانى منها الحكومات والشعوب وطوائف عديدة من البشر؛ جلست مع نفسى أفكر كثيراً، ورأيت أن من أهم مشاكلنا العصرية، وانتشار الأمراض الأخلاقية، وكثرة المصائب التى تتوالى علينا أننا لا نعطى الضمير حقه.
لدينا مبرر لكل خطأ وكأن الله لا يرانا، أصبح الهواء مسموماً بأفكار مختلفة تتخذ من قلة الضمير قبلةً لها، وبات الضمير عملة نادرة يصعُب علينا استخدامها وتداولها بيننا، فالمصلحة الشخصية باتت لها الهيمنة والكلمة العُليا، أصبح الجميع ينظر لمكاسبه الشخصية جراء أى عمل أو احتكاك مع شخص أخر، ومات الضمير الإنسانى فى كل شىء فى العمل، الشارع، والبيوت، وحتى الصداقة.. إلخ، وظهر الفساد فى البر والبحر ومن هُنا ودع الضمير حياتنا وأخشى أن يكون ذهب بلا عودة، فغفوة الضمير واردة ويمكن تداركها، غير أن الخطير فى الأمر ليس غفوته بل تكون الطامة الكبرى حين يموت فينا الضمير، حينئذ تعيث النفس فساداً وتصبح دُميةً فى يد أهوائها.
أصبحت الازدواجية جزء لا يتجزأ من شخصيتنا، وأصبحنا على حسب أهوائنا نشكل ضمائرنا، واستحوذت المظهرية فى السلوك على عقولنا، وادعينا صفات الكمال التى ليست فينا، فقط لنحمى حقيقة أنفسنا من الظهور، وتظهر حقيقتنا فقط عندما نختلى بأنفسنا، ولكن أمام المجتمع نرتدى الأقنعة ونتقن ونتفنن فى إقناعه بها، وعلى العكس تماماً فى الدول الغربية رغم مساوئها الأخلاقية، والعنف المسيطر على البعض منها، إلا أن الضمير لديهم أقوى وأمتن من حيث الإخلاص فى العمل، وتأديته ومن حيث عدم الكذب أو الغش فى المنتج وحتى السلوك.
أن ما يحدث لنا الآن هو نتاج طبيعى لغياب ضمائرنا، حينما يموت فينا الضمير فلابد من سقوطنا، وزعزعة قوتنا كما يحدث لنا الآن كمجتمع عربى أو شرق أوسطى، عندما يموت الضمير يصبح كل شىء مُباح: قول الزور، والخيانة، والقتل، وتظهر الإنسانية كلمة لا معنى لها، وتهون الأوطان، ويُزيّف التاريخ حينما يموت فينا الضمير. هنا سيكون كل شىء مباح، وتهون علينا أنفسنا؛ فلماذا نقتل ضمائرنا ونسكنها القبور؟!
