يوسف أيوب يكتب.. معركة مدير عام اليونسكو تكشف تناقض الشعارات ورغبة السيطرة.. دول تطالب بالإصلاح وفى الوقت نفسه تقف أمام تداول المنصب بين المجموعات الإقليمية.. ولمصلحة من ترويج أكاذيب ضد مرشحة أفريقيا؟

الثلاثاء، 03 أكتوبر 2017 12:31 م
يوسف أيوب يكتب.. معركة مدير عام اليونسكو تكشف تناقض الشعارات ورغبة السيطرة.. دول تطالب بالإصلاح وفى الوقت نفسه تقف أمام تداول المنصب بين المجموعات الإقليمية.. ولمصلحة من ترويج أكاذيب ضد مرشحة أفريقيا؟ مشيرة خطاب وأودرى أزولاى واليونسكو

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أيام قليلة وتتجه الأنظار إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، المعروفة اختصارا باسم "اليونسكو"، حيث سيجتمع ممثلو 58 دولة عضو بالمكتب التنفيذى للمنظمة الدولية لانتخاب مدير عام جديد خلفا للبلغارية إيرينا باكوفا، التى ستسلم الراية للمدير الجديد فى 15 نوفمبر المقبل، بعدما شغلت باكوفا هذا المنصب لفترتين كل منهما مدتها أربع سنوات‪.‬
 
 
ويتنافس على منصب مدير عام المنظمة حتى الآن ثمانية مرشحين، بعد انسحاب مرشح جواتيمالا جوان ألفونسو فونتسوريا، والمرشحون الثمانية هم، السفيرة مشيرة خطاب مرشحة مصر والقارة الإفريقية، وفولاد بلبل أوجلو من أذربيجان، وفام سان شاو من فيتنام، وحمد بن عبدالعزيز الكوارى من قطر، وكيان تانج من الصين، وصالح الحسناوى من العراق، وفيرا خورى لاكويه من لبنان، وأودريه أزولاى من فرنسا‪.‬
 
 
 لاشك أن انتخابات اليونسكو هذه المرة، والتى ستبدأ الاثنين المقبل، تأتى فى توقيت غاية فى الصعوبة والحساسية دوليا، نظرا لما تمر به دول العالم من موجة إرهاب أراقت دماء الكثير من الضحايا، وطالت حتى دول أوروبا التى كانت تعتقد فى الماضى أنها بمنأى عن غدر الإرهاب، وهو ما جعل الحديث عن دور اليونسكو فى محاربة الإرهاب ببناء السلام فى عقول البشر من خلال التربية والتعليم والثقافة، هو المسيطر حاليا على الفكر الدولى، خاصة أن التعامل الأمنى مع ظاهرة مثل الإرهاب لم يعد كافيا إذا لم يقترن بآليات فكرية تتعامل مع أسباب الإرهاب وجذوره، وهنا يدور التفكير حول الشخصية القادرة على أن تقود اليونسكو مستقبلا وتكون قادرة على تلبية طموحات الشعوب الباحثة عن السلام والأمن المجتمعى، أخذاً فى الاعتبار أن اليونسكو فى وضعية يمكن اعتبارها صعبة لعدة أسباب أهمها، كم المشاكل التى تواجهها وهى تقوم بدورها، ومنها على سبيل المثال محاولة البعض تسييس عمل المنظمة، وهو ما أفقدها جانبا مهما من مواردها المالية، وخير دليل على ذلك ردة الفعل التى صاحبت موافقة اليونسكو على منح دولة فلسطين عضوية بالمنظمة.
 
 
والمتابع لمسار عمل اليونسكو تحديدا خلال السنوات القليلة الماضية، سيجد نفسه أمام منظمة تعانى من أمراض وبحاجة لقيادة جديدة لديها القدرة على الإصلاح وأيضاً إعادة اليونسكو إلى دورها المجتمعى والإنسانى البعيد عن عملية التسييس، وفرض وصاية أحد على قراراتها وتوجهاتها.. قيادة لديها من الكفاءة ما يمكنها من العمل الجاد لضمان تنفيذ استراتيجيات وأهداف اليونسكو، هذا فعلا إذا كانت الدول صادقة فى دعوتها لإصلاح اليونسكو!.
 
أقول، إذا كانت الدول صادقة فى الإصلاح، لأن ما أراه من ممارسات مرتبطة بالعملية الانتخابية لا يبشر بخير، لأن السياسة مازلت تتحكم فيمن يدعون الرغبة فى الإصلاح، بشكل يوحى أننا أمام شعارات براقة تخفى وجوها بالية.. نعم فقد بدأت لعبة المصالح تفرض نفسها على مسار انتخابات اليونسكو، فبدلاً من البحث عن المرشح الأكفأ والأجدر بقيادة المنظمة الدولية لأربع سنوات مقبلة، نجد من يحاول اختطاف المعركة الانتخابية إلى جوانب أخرى لا علاقة لها بالدور الأساسى لليونسكو، سواء من خلال ترويج شائعات أو أكاذيب ضد مرشحين بعينهم، أو باللجوء إلى حيل سياسية، قد تفسد الهدف الأساسى الذى تسعى له منظمة ذات قيمة مثل اليونسكو.
 
 
 
على سبيل المثال، منذ إعلان مصر الدفع بالسفيرة مشيرة خطاب، كمرشحة للمنصب الدولى، وهو القرار الذى حظى بدعم إفريقى، حول مشيرة خطاب من مرشحة مصر إلى مرشحة القارة السمراء، منذ هذه اللحظة ونحن نتوقع تحركاً معارضاً لفكرة أن يكون المدير العام للمنظمة "عربى"، رغم أن العرب أثبتوا جدارة فى الكثير من المناصب الدولية التى تولوها، لكن هناك من يقف ضد حلم العرب بأن يثبتوا للعالم من خلال قياداتهم لليونسكو قدرتهم على العمل والنجاح وأنهم أصحاب حضارة، فجرى البحث عن مرشحين يفتتون الأصوات، ونجحوا فى ذلك حينما وجدوا ضالتهم فى مرشحين لا يبحثون إلا عن الظهور الإعلامى فقط، وبعدها أكمل آخرون خطتهم بالضغط على إدارة الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند للدفع بوزيرة الثقافة الفرنسية، أودرى أزولاى، كمرشحة لفرنسا، وهو الترشيح الذى كان بمثابة الصدمة لكثيرين، ليس لقوة المرشحة، وإنما لأن فرنسا خالفت كل الأعراف والتقاليد، بألا تقدم دولة المقر مرشحاً، وهو ما أدى إلى حالة من الغضب داخل عدد من العواصم الأوروبية التى أبدت تعجبها من التناقض الفرنسى.
 
 
 
 
نعم، إنه قمة التناقض الذى نراه حالياً، فكل يوم نسمع من يتحدثون عن الإصلاح والحوكمة، وفى نفس الوقت حينما تنظر لأفعالهم تراها على النقيض تماماً مما يقولون.. نعم، إنهم يسيرون فى الاتجاه الخاطئ، وإلا لماذا لا يقولون لنا ما معنى الدعوة لتطبيق قواعد الحكومة فى منظمة كبرى مثل اليونسكو، وفى نفس الوقت تحكمهم الرغبة فى السيطرة على المنظمة، وكأن الإصلاح والحوكمة هى مصطلحات أوروبية خالصة، ولا علاقة للآخرين بها، وإلا لماذا يرفضون مبدأ التداول الجغرافى للمنصب، أليس من حق كل دول العالم أن تحظى بفرصة تثبت من خلالها قدرتها على تطبيق المبادئ التى تدعو لها منظمة مهمة مثل اليونسكو؟.. ألا تتناقض قواعد الحوكمة مع سعى البعض لحرمان العرب من هذا المنصب؟.. ألم تكتفى أوروبا بحصولها على منصب مدير عام اليونسكو لـ 6 مرات، وتسعى للحصول عليه للمرة السابعة، بينما العرب بكتلتهم الكبيرة وحضارتهم التى ساهمت فى البناء الفكرى، محرومون من هذا المنصب؟.. أسئلة كثيرة مطروحة للنقاش، وعلى الأصدقاء فى أوروبا وتحديداً بفرنسا أن يجيبوا عليها بكل أمانة وصدق مع النفس.
 
المؤكد أن فرنسا دولة صديقة للعرب، ولها علاقات قوية مع كل الدول العربية، ومن واقع هذه الصداقة أعتقد أن عليها إعادة تقييم موقفها حتى تثبت لنا أنها بالفعل صديقة، ولا تريد أن تستأثر باليونسكو وتحتكر العمل بها.
 
منطقياً هناك أطراف لن تكون سعيدة بوجود عربية على رأس المنظمة، لكن المؤكد أيضا أنهم فشلة حتى فى ترويج الأكاذيب، والمثال على ذلك المقال المنشور فى صحيفة يديعوت أحرنوت، تحت عنوان "يجب على إسرائيل عدم السماح للدول العربية باختطاف اليونسكو"، والذى حرض فيه كاتبه "السفير. رون بروسور، ممثل إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة"، الدول أعضاء المكتب التنفيذى لليونسكو على مشيرة خطاب، وقال إنها تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، مستغلاً حالة "الإسلاموفوبيا" التى تسيطر على الغرب بسبب الأعمال الإرهابية التى تنفذها تنظيمات متشددة.
 
الغريب فى هذا المقال أنه هاجم المرشحين لليونسكو، لكنه لم يتناول المرشحة الفرنسية، وهو أمر مثير للانتباه والتساؤل أيضاً، وكأنه يحاول بطريقة غير مباشرة الرد على الرأى السائد حالياً داخل المجلس التنفيذى لليونسكو، بعدم أحقية فرنسا فى طرح مرشح، خاصة أن المتعارف عليه داخل المنظمة أن فرنسا باعتبارها دولة مقر للمنظمة لا ترشح مديرا عاما، وهو العرف الذى كسره أولاند، حينما دفع بأودرى أزولاى فى اللحظات الأخيرة، قبل غلق باب الترشيح.
 
أمر أخر، وهو أن هذه الحملة تناقض الشعارات والمعايير التى يتحدثون عنها، فهم يتشدقون بحقوق الإنسان، وفى نفس الوقت ينكرون حق العرب فى تولى منصب مدير عام اليونسكو، بل يحاولون سرقة هذا الحق من خلال الترويج لشائعات وأكاذيب، تصب فى صالح مرشحة بعينها التى لا تحظى بأى دعم إلا من لوبى من أشخاص وشركات علاقات عامة يقفون خلفها بكل قوة، مستخدمين فى نفس الوقت كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة.
 
بكل تأكيد المعركة شرسة، والمنافسة فيها ستأخذ أبعاداً غير شريفة بسبب تصرفات لوبيهات معينة أو ذلك المرشح الذى يستخدم لغة المال، لكن المؤكد أن أعضاء اليونسكو، وتحديداً أعضاء المكتب التنفيذى الـ58، لن يقبلوا بهذه التصرفات، ويدركون جيداً أن مصر حينما دفعت بالسفيرة مشيرة خطاب، كمرشحة لمنصب مدير عام اليونسكو لم تستهدف السيطرة على منصب دولى، وإنما تريد أن يستفيد الجميع من خبراتها وتجاربها وتنوعها الثقافى، وحضارتها الممتدة لآلاف السنين، خاصة تجربتها فى محاربة قوى الإرهاب والتطرف، بالتأكيد على أنه ليس هناك سلاح أقوى من التلاقى الثقافى والتواصل الفكرى والإبداعى فى مواجهة التحديات القائمة وفى مقدمتها الإرهاب والتطرف من جانب جماعات الجهل والظلام، والتى تستحل قتل الأبرياء وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات والعبث بالتراث الإنسانى بالتدمير والهدم والتشويه.
 
إن مصر لا تملك خططاً غير أخلاقية لتمرير مرشحتها، ولا تستخدم سلاح المال ولا نفوذ السياسة، لكنها تستخدم ما هو أقوى، إنه السلام، متسلحة بالوسطية والاعتدال والتنوع والانفتاح المصرى على حضارات العالم.. إنها رسالة مصر التى تقف صامدة أمام كل محاولات الاستهداف والتشوية، والممتدة لمرشحيها أيضاً.

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة