أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

زهرة برية فى بيت من الأفاعى !

الجمعة، 29 سبتمبر 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حيرتنى كثيرا تلك الفتاة المصرية النابض قلبها بحب الوطن الذى يعلو فوق كل زيف، حتى ولو كان هذا الزيف سوف يكلفها فقدان أهلها إلى الأبد فى سبيل الحفاظ على تراب بلدها المقدس، حتى وجدت ضالتى فى قصيدة معبرة للغاية عنها وعن بطولتها النادرة على لسان الشاعر "لويس ياقو" الأكاديمى العراقى المقيم فى ولاية بنسلفانيا فى الولاياة المتحدة، والتى يقول عبر سطورها:

أنا زهرة برية حمراء

من جبال الوطن

التى لا تعلو عليها جبال..

أوراقى تجرى فيها

دماء المخلصين

وساقى تمتص ماءها وغذاءها

من تربة لم ولن

تتغلب عليها

حروب الحاقدين..

**

أنا زهرة برية حمراء

من جبال الوطن..

الرياح ألحانى

والرعد صوتى

كلما أطلقت صرخات

احتجاجى على الذى يحصل..

الأمطار دموعى

كلما خانتنى العبرة..

وخرير مياه الينابيع

غنائى من القلب للقلب..

**

أنا زهرة برية حمراء

من جبال الوطن..

لونى هو نزيف داخلى

من أجلى ومن أجلكم..

وقطرات الندى على أوراقى

هى دموع أبكيها

من أجل حالى وحالكم..

وحين يكسونى الشتاء

بصقيعه وبثلوجه

الناصعة البياض

أذبل وأموت مرتين

مرة من أجلى

ومرة من أجلكم..

يا من لونتم شفاهى الحمراء

برماد حقدكم اللامتناهى..

حين أذبل

سأرحل بابتسامة

وأنا على يقين بأن بذورى

هى مشروع حقل كبير

من الأزهار البرية

لأجيال قادمة

أكثر حكمة

منى ومنكم..

أمر يصعب على المرء تخيله، فأن تعيش وسط المؤامرات والدماء والقتل وأن تكتشف أن أقرب الناس إليك يتورطون فى عمليات إرهابية هو غاية فى الصعوبة، فقد وجدت هذه الفتاة نفسها وسط عصابة من الداعشيين وعلى رأسهم كل أفراد عائلتها، هنا تسمع تفاصيل العمليات الإرهابية وحكايات الدم، وتخطيطات المستقبل، كما روت "مريم عبدالجليل الصاوى"، تلك الزهرة البرية التى عاشت فى بيت من الأفاعى هم أعز الناس وأقربهم إلى نفسها التواقة فى ذات الوقت إلى تراب هذا الوطن.. إنها قدرة فائقة على التكييف وحسن الاختيار.

حين سمعت اعترافاتها إلى إحدى القنوات الفضائية أصابتى الدهشة والحيرة فى أمر فتاة قررت أن تستغنى عن أسرتها كاملة لمجرد الشعور بالخوف على الوطن، ومن ثم أبلغت الأمن عن والدها الإخوانى، ووالدتها وشقيقها الداعشيين، وكشفت عن خلايا إرهابية أخرى تابعة للإخوان، كان يديرها والدها لتنفيذ عمليات إرهابية بتكليف من قادة الإخوان الفارين فى الخارج.

وبحسب روايتها التى تجنح نحو التراجيديا الإنسانية فى أحلك فصولها المأساوية ، كشفت الفتاة المصرية لأجهزة الأمن عن اشتراك والدها الذى كان مسؤولًا عن اعتصام ميدان النهضة عام 2013، فى اغتيال ضباط جيش وشرطة، بعدما قدمت لهم فيديوهات تثبت تورطه، كما كشفت أيضا عن تفاصيل الاجتماعات السرية التى أقامها والدها فى منزلهم مع الخلايا الإخوانية والداعشية، وكذلك شرحت تفصيليا كيفية تخزين والدها للسلاح فى المنزل، وكيفية حصوله على التمويل من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، بالإضافة إلى كيفية توزيع التكليفات وكلمة السر المستخدمة فيما بينهم، وقد تم القبض على والدها قبل 3 سنوات.

لقد ساقت "مريم" بعزم وإرادة حديدية أدلة تثبت اشتراك والدتها أيضا فى دعم الخلايا الإخوانية والخلايا الداعشية فى سيناء، مؤكدة أن نسبة كبيرة من شباب الجماعة المحظورة انضم لتنظيم داعش الإرهابى وشكل خلايا نوعية لتنفيذ العمليات الإرهابية فى محافظات مصر، والتعاون بين الفتاة والأمن لم يقف عند الإبلاغ عن والدها ووالدتها، بل أيضًا عن شقيقها "عبدالرحمن"، الذى كشفت عن أنه وزملاءه من نفذوا عملية البدرشين الإرهابية، والتى استشهد فيها ضباط شرطة، كذلك كشفت تورطه فى عمليات أخرى، فيما أوضحت أنه كان وزملاؤه يتعاطون المخدرات قبل القيام بتلك العمليات؛ وتمت تصفية شقيقها مؤخرًا من قِبَل رجال الشرطة فى إحدى مداهماتهم لأوكار الإرهابيين.

ومالفت نظرى فى أمر تلك الزهرة البرية حديثها ذو الشجون عن علاقتها بوالدتها، قائلة أن أمها قامت بتعذيبها وتهديدها بالقتل إذا ما تحدث عما يدور داخل منزلهم، بينما كانت الأم تدير الاجتماعات وتحدد المهام للمجموعات الإرهابية فى سيناء، خلال فترة سجن زوجها، الذى حصل على حكم بالإعدام فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وحصل على عفو رئاسى فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وأن أعمامها ينتمون للجماعات الإسلامية وتم حبسهم فى عهد مبارك، وجمعيهم كانوا ينتمون لحزب المرشح الرئاسى السابق "حازم صلاح أبو اسماعيل"، ونسبة كبيرة من العناصر التابعة لحركة "حازمون" انضمت لداعش سيناء، ويقيمون هناك وينفذون كل عملياتهم بتكليف وتمويل من تنظيم الإخوان، وكانت والدة "مريم" وأعمامها يرغبون فى تزويجها بأحد عناصر داعش بمطروح، إلا أنها رفضت - حسب روايتها - كما رفضت الانضمام للتنظيمات الإرهابية وحضور الاجتماعات.

وفى شجاعة نادرة ساهمت "مريم" فى كشف تفاصيل الاتصالات الهاتفية بين قيادات التنظيم الإرهابي، كما قالت إنها علمت بطبيعة عملية البدرشين حين صدر شقيقها تكليف بتنفيذها مع زملائه، والمقابل الذى سيحصلون عليه، من خلال مكالمات هاتفية بينه وبين زملائه، موضحة أن بداية المكالمة بمناداة الزميل باسم "هبة" يعنى أن الوضع آمن، أما إذا ناداه باسمه الحقيقي، فيعنى أن الزميل فى خطر وعليه الاختفاء والتوقف عن الاتصال لفترة لحين صدور التعليمات، وأكدت أنها سلمت العديد من الفيديوهات للأمن، وكشفت لهم تفاصيل بعض الاتصالات الهاتفية مع قيادات الإرهاب، ومنها مكالمة له مع الإرهابى "محمد على سعد الهنادي"، الذى يدير معسكراً للإرهابيين فى سيوة بمطروح، وشرح فيها كيفية تجنيد الشباب وتهريبهم إلى سوريا والعراق للانضمام لداعش وكيفية التواصل بينهم ومناطق تدريبهم.

ومن المفارقات المذهلة أن والدتها فرّت هاربة من المنزل عقب علمها بإبلاغ ابنتها عنهم، وهرب معها شقيقها الآخر، فيما كشفت أنها تلقت تهديدات بالقتل عقابًا على ما فعلته، كما أهدرت أسرتها وأعمامها دمها، موضحة أنها تقيم حاليًا عند عائلة صديقة لها، ويقوم الأمن بحمايتها، مضيفة فى أسى وحسرة أن "القتل عند أفراد أسرتها شيء سهل ويمارسونه كأنهم يذبحون دجاجًا دون رحمة أو وازع من دين أو ضمير.

باعترافات "مريم" تكون قد كشفت الستار عن أساليب مساهمة نساء الإخوان فى الجرائم الإرهابية - حسب روايتها - فتقول إنهن يخبئن السلاح والمواد المستخدمة فى تصنيع المتفجرات أسفل ملابسهن، ويوصلنها للعناصر الإرهابية، كما كشفت عن الأخطر وهو وجود تنظيم مسلح من سيدات ونساء الإخوان مدربات على حمل السلاح وإطلاق النار، وكما ورد فى اعترافاتها المذهلة، ذكرت "مريم" فى معرض اعترافاتها المثيرة أن والدتها وخلال فترات سجن والدها كانت تدير الاجتماعات وتحدد المهام للمجموعات الإرهابية فى سيناء، حيث تأثرت والدتها بالفكر الداعشي، وأصبحت فعلياً ضمن قيادات داعش.

كانت الضربات الأمنية التى وجهتها أجهزة الأمن للخلايا الداعشية قبل أيام من اعترافات "مريم" قاصمة ومؤثرة، ومن خلال مداهمة الأمن لأوكار كان يختفى فيها الداعشيون الفارون من سيناء للإعداد لتفجيرات واغتيالات جديدة، توصل الأمن لمعلومات مهمة عن خلايا أخرى سيجرى تفكيكها تباعاً، ومخططات أخرى يستعد لإجهاضها، لكن فى ثنايا تلك الضربات الأمنية الناجحة، جاءت قصة بطولية أخرى لتلك الفتاة التى أثارت إعجاب المصريين، وجعلتهم يطالبون الدولة بحمايتها ورعايتها وتوفير مسكن ومعاش شهرى لها.

تحية تقدير واحترام لتلك الفتاة المصرية المخلصة لبلدها والتى لم تلفت يوما لتعليمات والدتها المستمدة من الكتب أو المناهج الدراسية التى تهاجم العلم الحديث أو العلوم، وتبعد الناس عن الدين والإيمان والشرف, وتدمر البيئة، أو تلك التى تهاجم المنطق والفلسفة، وتسفّه آراء فلاسفة الكبار أمثال "كانت وديكارت"، وتتحدث عن الرؤيا والاستخارة وعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، ويقين اليقين، بحيث تقدم صورة مهزوزة للمرأة المسلمة، من مثل إن من واجبها الطاعة، ومن حق الرجل عليها الطاعة، وحقها النفقة، ولا يجوز أن تخرج من بيتها، دون إذن، إلاّ فى حالات الحريق، ودون عطور وبملابس إسلامية، ويحق لزوجها زجرها وتأنيبها.

تحية لفتاة لم تلفت يوما لكتب اللغة العربية التى تقدم صورة المرأة المحجبة فيه 90% من الصور والرسوم، حتى لو كانت تجلس مع أسرتها داخل المنزل، حيث يبدأ كل كتاب بآيات قرآنية كريمة، وأحاديث نبوية شريفة، على حساب نصوص أدبية أو شعرية، فالنصوص الدينية تملأ كل كتب التربية الإسلامية، تمتلىء تمرينات اللغة العربية، وأنشطتها، وإعرابها، وقواعدها بعبارات دينية واضحة، وتغيب عنها أشعار إنسانية كأشعار "عرار وأشعار عمر بن الفارض، أو ابن عربى أو أبى العلاء المعرى وغيرهم"، نعم تغيب النصوص الأدبية المثيرة، والنوادر والطرائف ذات التأثير فى بناء اتجاهات أخلاقية وإنسانية، تغيب أشعار عاطفية كأشعار "نزار وحتى عنترة وعبلة" وأشعار "قيس بن الملوح"، وحتى روائع "عمر بن أبى ربيعة" وتبقى تلك الكتب على حالها تقدم نصوصًا جامدة، لا صلة لها بحاجات الطالب.

رحم الله الشيخ محمد الغزالى الذى أوضح فى كتبه "تأملات فى الدين والحياة" ذلك الخطر الذى يشوب حياتنا من أصحاب الذكر والاستغفار، حيث يظنون أنهم وصلوا مراتب الكاملين، ولكن إيمانهم لم يصل حناجرهم ونسيوا أن الأعمال بالنوايا، إن الإسلام أوضح الحقائق الأساسية فى علاقة الإنسان بربه وبالناس وبالكون وربطها بهدى الفطرة وضياء العقل فإذا كان ثمة قيود مفروضة، أو صور مرسومة حددها الإسلام فلكى لا تجمح الفطرة ولا يستمحق العقل ولا يخرج الإنسان على نفسه.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة