نوف عربى الديب تكتب: ضد الحكمة

الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 06:00 م
نوف عربى الديب  تكتب: ضد الحكمة تربية الأبناء - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقتضى الحكمة والفطرة الإنسانية أن يربى الآباء أبناءهم وأن يوجهوا جل اهتمامهم إليهم منذ نعومة أظافرهم وحتى قبل ولوجهم إلى الحياة الدنيا، نرى كل منهم يظهر محبته لطفله الجديد بطريقته الخاصة والتى تختلف عن الآخرين مهما بلغت أوجه التشابه فيما بينهم، يمضى بين الناس فرحا بخبر قدومه وقلبه مشتعلا بالحنين لرؤيته، فتارة يختار اسمه المناسب وتارة أخرى يضع الخطط المحكمة لتربيته تربية صالحة، ومع صرخة الحياة الأولى وصوت البكاء الأول تبدأ سلسلة المسئوليات فى التزايد، نوع الحليب المناسب لسنه، وحجم الحفاضات التى تأخذ شكل جسمه وحتى طريقة نومه وأوقات استيقاظه وابتساماته الخفيفة من حين إلى آخر تصبح جميعها أهم أولويات الوالدين، ويشغلهم أيضا ويمزق قلوبهم ألما وعكاته الصحية التى قد تعكر من صفو مزاجه فيصبح البكاء وسيلته الوحيدة للتعبير عن كل ما يلم به من ألم جسدى، حتى أن سعادتهم تكاد تتمحور بأكملها حول طفلهم فيصبح تأمل حركاته الجديدة ونموه السريع وضحكاته المتتالية وعباراته المتلعثمة وأسئلته الفضولية هو المنبع الأساسى الذى يخلق بداخلهم كون آخر من السعادة.
 
اليوم الأول فى المرحلة الابتدائية، من ذا الذى يجزم بعدم تذكرهم لأدق تفاصيل ذلك اليوم منذ بدايته، لون الحذاء، حجم الحقيبة ومحتوياتها، حتى أنهم يستطيعون وصف تسريحة الشعر ومظهر الزى المدرسى الذى كان يليق بابنهم ولا يضاهيه أى طفل آخر بحسب نظرتهم، فى الحقيقة إنهم يفعلون أكثر من ذلك ولا يمثل تذكرهم لكل تلك الأمور سوى جانب بسيط جدا من اهتمامهم بأطفالهم، وهذه هى الحقيقة التى لا يجهلها أى انسان، ولكن السؤال الأهم هنا ينطوى على استطاعة الآباء وقدرتهم على منح أطفالهم الحياة البسيطة التى تجعلهم يتمتعون فعلا بكونهم أطفال ولا يحملون على عاتقهم ما يجعلهم يتخلون عن حياة الطفولة الخالية من المسؤوليات الصعبة والالتزامات التى تحيدهم عن عيش فترة طفولة هادئة مفعمة بالحياة والنشاط واللعب، كيف تكون الحكمة مصدر أساسى فى إثناء الأطفال عن طفولتهم؟ أن سعى الآباء فى بعض الأحيان لنيل أطفالهم الكثير من شهادات التعلم فى سن صغيرة إثباتا على تميزهم ونضوج فكرهم وصحوة عقولهم ومدى روعة مهاراتهم فى تعلم المحتوى الدراسى المقرر لهم قد يجعلهم أحيانا ينسون حقيقة أن أطفالهم لا يكترثون حقا لكل ما قد تم ذكره بقدر اكتراثهم باللعب والمشاركة فى تعلم مهارات جديدة مختلفة وطرح الأسئلة وتكوين الملاحظات حول البيئات المختلفة وأشكال النباتات وشروق الشمس وغروبها، قد ينسوا أحيانا أن أطفالهم ما زالوا بحاجة لتكوين معلوماتهم المختلفة حول الكون وتكوين الصداقات والتحدث مع الغرباء والتميز فى تشكيل لوحة فنية بألوان متناثرة هنا وهناك، إنهم قد لا يدركون مدى حاجة أبنائهم للانطلاق دون التقيد بمقعد واحد لست ساعات او ربما ثمانية فى اليوم لا يمارسون خلالها سوى مهارة الترديد خلف معلميهم فينشأون كآلاف النسخ التى سبقتهم لا يحملون فكرا مختلفا ولا عقلا مليئا بالمواهب والاستكشافات التى تفتح لهم آفاق جديدة، سيكبرون فقط وهم يجيدون فن التقليد والتكرار المستمر دون طرح الأسئلة والاستنتاج الناتج عن عقل متقد بالأفكار الخلابة التى لا تجعل لهم حدودا ولا تنهى لهم آمالهم، قد ينسى الآباء أحيانا ضرورة إخبار أبناءهم عن الأمطار كيف تتكون؟ وعن السحب أين تمضي؟ وعن الشمس كيف تغيب؟ يختصرون كل الابداع الإلهى الكامن خلف تلك الظواهر ويكتفون بإخبارهم أن الشمس ذهبت للنوم! 
 
ما إن يبلغ الطفل الرابعة من عمره حتى يصبح بكاؤه فى تمام السابعة صباحا روتين يومى اعتاد عليه، إما رغبة فى العودة للنوم أو خوفا من الذهاب إلى الحضانة، ولا يشغل بال والديه حينها سوى الحصص التى سيفوتها والمعلومات الهائلة التى لن يستوعبها إذا لم يداوم اليوم فى الحضانة وكأنه شاب فى العشرين من عمره يخشى تفويت محاضرة علم الاجتماع فى كلية التربية ..، يتسابق أصحاب البيوت المتجاورة وأصدقاء العمل وحتى الأقارب فى ارسال أبنائهم إلى ما يسمونه بالصرح التعليمى وتبدو فرحتهم جلية على وجوههم ما أن يحصل طفلهم على العلامة الكاملة فى الاختبار الذى انتهى منه فى الأمس دون أن يفهم هو حقا ما ضرورة هذا الاختبار؛ متناسيين أحقية طفلهم فى فهم جميع الخطوات المقبل عليها وتفهم رغبته فى عدم الذهاب إلى الحضانة مرة أخرى أو الاستيقاظ المبكر فى اليوم التالى، كل ذلك له جوانب عدة ويحتمل الحكم من وجهات نظر متعددة ولكن الضرورة التى تحتم على الآباء اختيار منهج التعليم الذاتى والمنزلى للأطفال بجانب التعليم الدراسى الممنهج هى ضرورة قصوى تجعل من الآباء موسوعة متحركة فى نظر أبنائهم حول كل ما يثير فضولهم، أن التحدث مع الأطفال والاستماع لهم ورواية الحكايات القصيرة ذات الأثر الأدبى والأخلاقى الكبير عليهم، والخروج فى نزهات الطبيعة وتجربة المواقف الحياتية التى تثير لديهم حس المسؤولية وتجعل منهم أطفال قدارين على التمييز بين الخطأ والصواب هو ما يسمى بالتعليم والتربية السليمة وهذا حقا ما نحتاج إليه لخلق جيل كامل صاحب أخلاق متميزة وفكر واعى وجوانب اجتماعية مفيدة.
 
الحكمة الحقيقية تتمثل فى تفهم الطفل والتعامل معه على أساس علمى واضح يناسب تكوين شخصيته وطريقة تعامله مع البيئة المحيطة، كيف يمكن للطفل أن يتميز فى أى من المجالات أن كانت بيئته الأساسية لا تهيأ له الظروف المناسبة لذلك وتكتفى فقط بإرساله إلى المصادر التعليمية المختلفة والتى قد تتميز بأسلوب ركيك قديم فى تعليم الطفل تعليم سطحى تقليدى للحروف وعملية التهجية وغيرها، الحكمة الحقيقية ينطوى خلفها نيل الطفل لجميع متطلباته الحياتية دون أى مساس بها، من لعب ورسم وتعلم للهوايات المختلفة وقضاء الأوقات الممتعة أيضا فى التعرف على أسس القراءة الصحيحة والحروف بأسلوب شيق وممتع ومحبب للأطفال دون اللجوء إلى وسيلة حشو عقل الطفل بكم هائل من المعلومات التى لا يدرك فائدتها، الحكمة أيضا ينطوى خلفها طفل مميز بأفكاره عن الظواهر الطبيعية وعن أسلوب التعامل الصحيح وعن إظهار المشاعر وعدم الخجل منها وعن الاهتمام بمساعدة الآخرين ومحاولة كسب الصداقات وتكوين العلاقات الاجتماعية الوطيدة والاندماج فى البيئات الجديدة التى قد يتعامل معها فيما بعد وكل ذلك بما يثرى به والديه عقله، الحكمة تقتضى أن يميز الآباء بين حاجة أبنائهم دون الاهتمام بما يمارسه أبناء غيرهم ودون الالتفات لما قد يطريه الآخرين على مسامعهم من ضرورة إرسال أبنائهم إلى الحضانة أو الكتاب أو نحوها، كل طفل مميز بقدراته وشخصيته وقدرته على صياغة الأسئلة والتفكير وتكوين الملاحظات وحتى قدرته على افتعال المشاكل فإن كانت الحكمة تقتضى فقط إرسالهم إلى الحضانة فى سن مبكرة لتعلم القراءة فكونوا ضد الحكمة...
 
- أخيرا هذه الكلمات ليست لإلقاء اللوم على طرف بعينه ولكنها قد تكون وسيلة لتفتيح مدارك العقل نحو طريقة أفضل فى التربية.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة