سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 يوليو 1958.. خروشوف يرفض شرب الفودكا احتراماً لعبدالناصر.. ويشير إليه قائلاً: «المعركة الدائرة أصبح محورها هذا الشاب»

الثلاثاء، 17 يوليو 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 يوليو 1958.. خروشوف يرفض شرب الفودكا احتراماً لعبدالناصر.. ويشير إليه قائلاً: «المعركة الدائرة أصبح محورها هذا الشاب» جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هبطت الطائرة التى تقل «جمال عبدالناصر» من يوغسلافيا إلى الاتحاد السوفيتى فى مطار «فينوكوفو»، فجر 17 يوليو «مثل هذا اليوم 1958»، وذلك فى رحلته السرية المثيرة المفاجئة لعقد اجتماع بين عبدالناصر والرئيس السوفيتى خروشوف، بسبب الأزمة العالمية الناتجة من الثورة العراقية فى 14 يوليو 1958 «راجع- ذات يوم 15 و16 يوليو 2018».
 
يروى محمد حسنين هيكل، تفاصيل هذه الرحلة المثيرة فى كتابه «سنوات الغليان»، وكان مرافقًا لعبدالناصر مع الدكتور محمود فوزى وزير الخارجية، قائلًا: «نزل عبدالناصر من الطائرة، ليجد ثلاثة مستقبلين وهم «ميكويان» نائب رئيس الوزراء السوفيتى، والجنرال «سيروف» رئيس هيئة المخابرات، ومعهما «سوبوليف» المترجم، واتجهت السيارة بهم إلى ضاحية «كاليتشوها» ودخلت إلى ساحة قصر صغير تحيط به الأشجار العالية، ونظر «ميكويان» إلى ساعته، وقال لعبدالناصر: «الساعة السادسة صباحا الآن، وأنتم بالتأكيد تحتاجون إلى بعض الراحة، وسيجىء الرفيق نيكيتا خروشوف الساعة العاشرة تماما»، يؤكد هيكل: «لم يكن هناك متسع لأى راحة، وطلب الرئيس من الدكتور محمود فوزى، وزير الخارجية وأنا أن نجلس معا لوضع تصور لما يمكن أن يثار مع خروشوف».. وفى العاشرة صباحا بدأ لقاء الزعيمين.
 
برواية هيكل فإن خروشوف، قال لعبدالناصر: «الحقيقة كنت فى غاية الدهشة عندما سمعت أنكم على ظهر باخرة صغيرة تتقدمون ببساطة نحو البحر الأبيض، إن هذا البحر ملىء الآن بكثيرين لا يتمنون الخير لكم، وبالتأكيد فقد كان يسعدهم أن يجعلوا منكم وجبة شهية لبعض أسماكه»، يضيف هيكل: «أقبل أحد الخدم بكأس ملأه بالفودكا ووضعه أمام خروشوف»، فدق على المائدة قائلا: «ارفع هذا من أمامى»، ثم التفت إلى عبدالناصر يقول له: «حينما تكون معى فأنا لا أشرب أبدا، أنا أعلم أنك مسلم متدين، وأنا أحترم عقيدتك»، ثم التفت إلى الناحية التى كان يجلس فيها الدكتور محمود فوزى وأنا، وقال لنا: «لقد كان يسعدهم أن يواجهوه وحده فى البحر الأبيض، فهم يعرفون أنه أصبح رمزًا لكفاح العرب، ولهذا فإن المعركة الدائرة اليوم أصبح محورها هذا الشاب ودوره»، قالها خروشوف، وأشار إلى جمال عبدالناصر ثم ملأ كوبا أمامه بالمياه المعدنية، وقال: «إننى أشرب نخب كفاح الشعوب العربية، ونخب انتصار العرب، ونخب قائد العرب.. أنا لا أتكلم عن الغيب، ولكنى أؤمن بمنطق التاريخ، لقد انتهى عهد الإمبراطوريات، وأنا أرى أمامى هزيمتهم كاملة، إنهم لا يرون أنفسهم على حقيقتهم ويتمسحون بعبارات عن الديمقراطية، ويتعلقون بأذيال ادعاء الدين».
 
يضيف هيكل: «وصل خروشوف إلى صلب الحوادث حين قال:«ثورة العراق كانت مفاجأة لهم، لقد سقط حلف بغداد، فهل يتصور أحد الآن حلف بغداد بغير بغداد؟. لقد حذرتهم طويلًا، عندما كنا فى لندن أنا وبلجانين قال لى إيدن «رئيس وزراء بريطانيا»: «إذا تأكد لنا أن بترولنا فى الشرق الأوسط معرض للخطر، فسندخل الحرب»، وقلت لإيدن يومها: استعمل عقلك، ماذا سيفعل العرب ببترولهم غير أن يبيعوه لكم؟-إن الاتحاد السوفيتى ينتج من البترول أكثر من حاجته، فهو إذن ليس طامعا، وليس مشتريا لبترول الشرق الأوسط، وإنما أنتم فى الغرب المشترى الوحيد»..وضحك خروشوف ثم استدرك قائلا: ولكن المشترى غير اللص، وهم لايريدون شراء البترول، وإنما يريدون سرقته، والمشكلة الآن هى أنهم يعتقدون أن ثورة العراق تهدد البترول».
 
طال اللقاء إلى موعد الغداء، ثم اتصل بعده إلى المساء بحسب تأكيد هيكل، مضيفا أن عبدالناصر كان ملخص وجهة نظره: «أن الموقف خطير، والجمهورية العربية المتحدة لا تريد أن تضاعف من خطورته، وستبذل كل جهدها للسيطرة على ردود أفعالها لأنها لاتقبل أن تعرض السلام العالمى للخطر، وأنه عندما يعود إلى المنطقة- اليوم- سيبذل كل جهده لتهدئة أعصاب كل الأطراف، لكنه يشعر أن بعضهم يدفع الأمور إلى مناطق خطرة»، يضيف هيكل: «بدا تشوق خروشوف شديدا لمعرفة أية تفاصيل قد تكون لدى عبدالناصر عن القيادة العراقية الجديدة، وكانت قد برزت بالفعل ثلاثة أسماء هى، عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، وبعدهما كان هناك اسم اللواء نجيب الربيعى الذى عين رئيسا لمجلس السيادة، وقال خروشوف لعبدالناصر صراحة: «الواضح أنهم رجالك؟».
 
رد عبدالناصر على خروشوف، بأنه بهذا السؤال يقع فى نفس الخطأ الذى يقع فيه الغرب حين يتصور أنه وراء كل حدث يجرى فى أى بلد عربى، ثم أكد أنه لا يعرف أحدًا من هؤلاء القادة، وقال لخروشوف: «إذا كنت أنت بتجربتك الكبيرة فى الثورة تسألنى هذا السؤال، فإن إيزنهاور ودالاس معهما العذر عندما يوجهان إلىَّ الاتهام بأننى «مدبر الثورات فى العالم العربى».
وامتد الحدث إلى اليوم التالى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة