أكرم القصاص - علا الشافعي

حازم حسين

ترامب وإيران.. الصراع على طريقة هوليوود (4)

الخميس، 30 مايو 2019 07:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كلّ عمليّاتها العسكرية خلال السنوات الماضية، راهنت الولايات المتحدة على المُباغتة والضربات الخاطفة. حدث ذلك فى غزوها لأفغانستان 2001، والعراق 2003، وكانا بلدين ضعيفين عسكريًّا واقتصاديًّا وقتها، بعد سنوات من التعقيدات الداخلية والحصار وسيطرة الميليشيات. وبالمنطق نفسه فإن من الأدعى أن تتوخَّى واشنطن السرية، وتتجنَّب المُكاشفة، لو كانت بصدد الإعداد حقًّا لعملية عسكرية جادّة وشاملة ضدّ إيران!
 
حالة الحشد العلنى، والتصعيد المُتدرِّج، بقدر ما تدقّ طبول الحرب، وترفع حِدَّة المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية، فإنها فى جوهرها لا تنسجم مع الاستراتيجية الأمريكية فى إدارة صراعاتها الخَشِنة، خاصة إذا كان الأمر مُرتبطًا تلك المرَّة بدولة كبيرة جغرافيًّا وبشريًّا، وتملك من أسباب القوّة والاستعداد ما يجعلها غريمًا مُختلفًا وغير سهلٍ بالمرّة. لهذا فإنَّ تدافُع الحشود العسكرية الأمريكية إلى المنطقة رُبّما يكون عملاً استعراضيًّا بالدرجة الأولى، أكثر من كَونه تحرّكًا جادًّا أو تأهيلاً تكتيكيًّا واستراتيجيًّا لمواجهة مُرتقبة!
 
لو افترضنا إمكانية تطوُّر الصراع المُحتدم حاليًا، وصولاً إلى نقطة الصِّدام العسكرى، فإنّ أقوى الترجيحات تشير إلى تنفيذ الولايات المُتّحدة ضربات جوّية وبحريَّة مُكثَّفة، من مسافاتٍ آمنةٍ تُغطِّيها درعٌ صاروخية، أو بطاريات «باتريوت» المنصوبة فى نقاط ارتكاز مُتعدِّدة جغرافيًّا، أو على متن قطع بحريّة مُنتشرة فى الخليج وقبالة مضيق هرمز. ومن غير المُحتمَل بأيّة صورة أن تشمل الخطّة معركة مُباشرة بالآليات العسكرية وقوّات المشاة، إذ إن تلك العملية تفترض بالأساس إقدام واشنطن على غزو إيران واقتحام حدودها البرية، وهى مُغامرة محفوفة بالجنون، لا المخاطر فقط، بالنظر إلى اتّساع مسرح العمليات البالغ مليونًا و650 ألف كيلو متر مربّع، يسكنه قرابة 90 مليون شخص، ولا تغيب عنه التضاريس الوعرة، وتلك جولة قاسية على الجيش الأمريكى، رغم قوّته. ففضلاً عن كُلفتها الباهظة، وخسائرها البشرية والمادية المُتوقَّعة، فإنها تحتاج قرابة مليون جُندى، تساندهم تشكيلات ضخمة من المُدرَّعات والدبّابات، وعمليًّا لا تتحمَّل واشنطن تبعات الانزلاق إلى تلك المُعادلة المُفخَّخة.
 
إلى جانب صعوبة الغزو المباشر، أو استحالته عمليًّا، فإن الولايات المُتّحدة تعى تمامًا أن الطبيعة العقائدية والميليشيَّاتية للدولة الشيعيّة، مكّنتها من امتلاك أيادٍ عديدة ومُتطاولة، ولا يُمكن الآن اعتبار أن قوّة إيران الفعليَّة محصورة فى حدودها الجغرافية، فالحقيقة أنها تتوزَّع على مراكز إقليميّة عدَّة، تملؤها تجمّعات من الوكلاء والموالين، يملكون تجهيزات عسكرية مُتطوّرة، ومُقاتلين مؤهّلين جيّدًا، ويُسيطرون على مسرح عمليات يتجاوز قدرات الولايات المتّحدة وجيشها الضخم. وفضلاً عن الحشد الشعبى العراقى، وحزب الله والحوثيِّين فى لبنان واليمن، فإن «فيلق القدس» الذى يُمثّل القوة الضاربة للحرس الثورى الإيرانى، يتمدَّد فى المنطقة عبر تمركزات وتشكيلات ثابتة ومُتحرّكة، تُغطِّى فى مجموعها قرابة ثلاثة ملايين كيلومتر مُربّع، وتُجاور القوات الأمريكية نفسها فى العراق وقطر، وضمن الفرق الدولية بالجنوب اللبنانى، وتطالها فى اليمن والمياه الدولية. والمؤكَّد أن اقتحام إيران لن يُعطِّل تلك الأجنحة، بل على العكس سيزيد نشاطها وتأثيرها، ويضع القوات الأمريكية وحلفاءها فى مرمى التهديد المُباشر.
 
إذا مدَدنا النظر بالتوازى مع تحرُّكات «ترامب» المتواصلة، وفق سياسة المصلحة وتحصيل أكبر قدرٍ من المكاسب الداخلية والخارجية، قد نرى فى نهاية الأُفق أن آخر ما تتطلَّع إليه الآلة الأمريكية، التى تُزمجر الآن على ناصية الخليج، أن تستفزّ حيَّز الجنون فى الذهنية الإيرانية، بما قد يتسبَّب فى استهداف مصالح واشنطن أو أراضى إسرائيل عبر وحدات فيلق القدس وحزب الله فى لبنان وسوريا، أو تتَّجه صواريخ الحوثيّين إلى الساحل الجنوبى لليمن وبوابة البحر الأحمر، أو يُقرّر الشيطان الفارسى نفخ النار فى ماء الخليج العربى وتعطيل قرابة 30 % من تدفُّقات النفط العالمية.
 
فى النظرة الجيوسياسية، تمتدّ خريطة الانتشار العسكرى الأمريكية على نطاقٍ واسع إقليميًّا، صانعةً طوقًا مُحكمًا حول الجغرافيا الإيرانية، عبر قرابة 30 قاعدة عسكرية وجوّية وبحريّة تتوزَّع بين دول الخليج والعراق والطوق الشرقى لإيران، وصولاً إلى قاعدة «إنجرليك» المدعومة بمقاتلات إف 16 وإف 35 على أراضى الحليف التركى، وقاعدة «العديد» الضخمة لدى قطر «الحظيرة الخليجية لطهران» ما يعنى توفُّر الإمكانات المطلوبة لتنفيذ استراتيجية الضربات الخاطفة أو المُكثّفة، المُستنِدة إلى الغارات الجوّية والقصف المدفعى والصواريخ مُتوسّطة وطويلة المدى، ومن ثمَّ فإن تحريك حاملة الطائرات العملاقة إبراهام لينكولن، والسفينة إرلينجتون بإمكاناتها المُرعبة، إضافة إلى سربٍ من قاذفات B52 ذات القدرات النووية، يقع فى نطاق العمل الاستعراضى الذى لا يُضفى جديدًا على ميزان القوّة، المائل أصلاً لصالح الولايات المتحدة!
 
بافتراض أن الاصطدام بإيران ليس نُزهةً على شاطئ، وأنه من المُتوقَّع أن تطال اليدُ الفارسيَّة مُتعدِّدة الأصابع جانبًا من المصالح الأمريكية، والمؤكد أن البيت الأبيض يعى ذلك جيّدًا، فمن غير المنطقى أن تضع واشنطن كلّ البيض فى سلَّة واحدة، وتوفِّر لطهران ووكلائها مَعروضًا من التمركزات القابلة للاستهداف، أكثر ممّا يتوفَّر فى الأصل. تلك نقطة أخرى تنسف احتماليّة الحرب، وتُوجّه فائض القوة الآخذ فى التراكم إلى مسارٍ ناعمٍ، يستقرّ تحت لافتة عنوانها الاستعراض والتهديد، وغايتها صناعة حَبكة درامية مُشوِّقة لفيلمٍ تجارى، ينتظر مُنتجه عوائد مُضاعَفة لقاءَ كلّ دولار يُنفقه فى إخراج مشاهده!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة