تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "مثلهم كمثل الذى استوقد نارا"

السبت، 29 يونيو 2019 12:00 م
تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "مثلهم كمثل الذى استوقد نارا" قرآن كريم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل اليوم الوقوف أمام كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية السابعة عشرة "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
 
مثلهم
 
قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ ناراً) فمثلهم رفع بالابتداء والخبر فى الكاف، فهى اسم، كما هى فى قول الأعشى:
أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط ** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
 
وقول امرئ القيس:
ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ** تصوب فيه العين طورا وترتقى
أراد مثل الطعن، وبمثل ابن الماء. ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، تقديره مثلهم مستقر كمثل، فالكاف على هذا حرف. والمثل والمثل والمثيل واحد ومعناه الشبيه. والمتماثلان: المتشابهان، هكذا قال أهل اللغة. قوله: (الَّذِي) يقع للواحد والجمع. قال ابن الشجرى هبة الله بن علي: ومن العرب من يأتى بالجمع بلفظ الواحد، كما قال:
وإن الذى حانت بفلج دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقيل فى قول الله تعالى: (وَالَّذِى جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر: 33]: إنه بهذه اللغة، وكذلك قوله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي) قيل: المعنى كمثل الذين استوقدوا، ولذلك قال: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ، فحمل أول الكلام على الواحد، وآخره على الجمع. فأما قوله تعالى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خاضُوا) [التوبة: 69] فإن الذى هاهنا وصف لمصدر محذوف تقديره وخضتم كالخوض الذى خاضوا.
وقيل: إنما وحد (الَّذِى) و{اسْتَوْقَدَ) لان المستوقد كان واحدا من جماعة تولى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعا فقال: (بِنُورِهِمْ) . واستوقد بمعنى أوقد، مثل استجاب بمعنى أجاب، فالسين والتاء زائدتان، قاله الأخفش، ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أى يجبه. واختلف النحاة فى جواب لما، وفى عود الضمير من (نورهم) ، فقيل: جواب لما محذوف وهو طفئت، والضمير في: (نورهم) على هذا للمنافقين، والاخبار بهذا عن حال تكون فى الآخرة، كما قال تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) [الحديد: 13].
وقيل: جوابه (ذهب) ، والضمير في: (نورهم) عائد على (الذي) ، وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد، لأن بقاء المستوقد فى ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق فى حيرته وتردده. والمعنى المراد بالآية ضرب مثل للمنافقين، وذلك أن ما يظهرونه من الايمان الذى تثبت لهم به أحكام المسلمين من المناكح والتوارث والغنائم والأمن على أنفسهم وأولادهم وأموالهم بمثابة من أوقد نارا فى ليلة مظلمة فاستضاء بها وراى ما ينبغى أن يتقيه وأمن منه، فإذا طفئت عنه أو ذهبت وصل إليه الأذى وبقى متحيرا، فكذلك المنافقون لما آمنوا اغتروا بكلمة الإسلام، ثم يصيرون بعد الموت إلى العذاب الأليم كما أخبر التنزيل: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء: 145] ويذهب نورهم، ولهذا يقولون: (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد: 13].
وقيل: إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار، وانصرافهم عن مودتهم وارتكاسهم عندهم كذهابها. وقيل غير هذا. قوله: (نارا) النار مؤنثة وهى من النور وهو أيضا الإشراق. وهى من الواو، لأنك تقول فى التصغير: نويرة، وفى الجمع نور وأنوار ونيران، انقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها. وضاءت وأضاءت لغتان، يقال: ضاء القمر يضوء ضوءا وأضاء يضئ، يكون لازما ومتعديا. وقرأ محمد بن السميقع: ضاءت بغير ألف، والعامة بالألف، قال الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
 
{ما حَوْلَهُ) (ما) زائدة مؤكدة.
وقيل: مفعولة بأضاءت. و{حوله) ظرف مكان، والهاء فى موضع خفض بإضافته إليها. و{ذَهَبَ) وأذهب لغتان من الذهاب، وهو زوال الشيء. (وَتَرَكَهُمْ) أى أبقاهم. (فِى ظُلُماتٍ) جمع ظلمة. وقرأ الأعمش: (ظلمات) بإسكان اللام على الأصل. ومن قرأها بالضم فللفرق بين الاسم والنعت. وقرأ أشهب العقيلي: (ظلمات) بفتح اللام. قال البصريون: أبدل من الضمة فتحة لأنها أخف.
وقال الكسائي: (ظلمات) جمع الجمع، جمع ظلم. (لا يبصرون) فعل مستقبل فى موضع الحال، كأنه قال: غير مبصرين، فلا يجوز الوقف على هذا على (ظلمات).









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة