القارئ حسام جاد يكتب: بيت الدُمية

الأحد، 12 أبريل 2020 10:00 ص
القارئ حسام جاد يكتب: بيت الدُمية ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يقول المفكر سلامة موسى أحد مُصلحي طلائع النهضة المصرية الذي عاش ما بين عامين "1887 - 1958" : "كنا نقعد إلى المرأة فنجد الجهل مع السذاجة، جهل وسذاجة، يبعثان الاشمئزاز الذهني في الرجل الناضج" .

ولا تزال هذه الحالة باقية في معظم أوساطنا إلى الآن، ودائما ما ينظر العقل الشرقي للمرأة باعتبارها تابعة للرجل، خلقت للبيت فقط، وكذلك كان الوضع نفسه في أوروبا خلال العصور الوسطى، ولو كان مظهر الحرية الأوروبية خلابًا؛ فلأن أوروبا لم تعرف الحجب بين الجنسين مثلما حال الشرق بينهما لقرون طويلة، إلا أننا نجد أن كثير من الأمم الأوروبية كانت قد حرمت المرأة من الميراث، كما كانت تحرمها أيضًا التعلم في الجامعات.

وجاء "هنريك إبسن" الذي عاش فيما بين "1828 - 1909" مبلورًا لهذه الافكار الجديدة بدرامة مُوجعة اهتزت منها المجتمعات الأوروبية، وأصبحت بطلة درامته "بيت الدُمية" أو "لعُبة البيت" قدوة المرأة الأوروبية الناهضة، ويرمي إبسن من هذه التسمية إلى أن المرأة الأوروبية في عصره هي لعبة الرجل، يُقومها بقدر ما تتسم به من سذاجة. فبعد أن تنشأ محدودة الفهم، قليلة المعارف، قد سُدت فى وجهها أبواب العمل الذي يكسب منه الرجال أموالهم ويكونون به شخصياتهم؛ فتُعامل منهم كما لو كانت لعبة .

وقد تشمل لعبة البيت بمفهومها الواسع الرجال أيضًا إلا القليل من الناضجين، ذلك أن الرجل العادي في كثير من تصرفاته يعيش بلا استقلال يخضع للتقاليد وينساق في تيار العرف؛ إن لم تربيه الدنيا وتُخصب شخصيته بالاختبارات والاصطدامات حتى يقف على كثير من الأكاذيب الاجتماعية التي تُفتح ذهنه وتُنير رؤياه، وكل هذا تُحرم منه المرأة لأنها محبوسة بسياج وحجاب من التقاليد، وهذه هي المشكلة التي عالجها إبسن في درامته .

وقد تخرج المرأة إلى العمل وتحتك بالمجتمع لكنها تظل رغم كل شىء تخضع لمفهوم لعبة البيت، وعلى ذلك فإن عمل المرأة وتعليمها لم يعد بالأمر الكافي في عصرنا هذا؛ لأن ذلك عوضًا عن أن يمحي السخافة والسذاجة التي تتحلى بها، قد يزيدها غرورًا، بل أصبح فرضًا على المرأة أن تُثقل ذاتها بالثقافة إلى جانب العمل والتعلم، وفي ذلك يؤكد "هنريك إبسن" أن المرأة لن تكون إنسانًا إلا عندما تأخذ نفسها مأخذ الجد وتستقل بشخصيتها وتختبر ذاتها وتعول عليها.

والمرأة كما قال طه حُسين : "لا تُقهر إلا إذا أرادت، ولا تذعن إلا إذا رغبت في الاذعان"، غير أن المرأة التي نشأت على الحَجب لا تحس هوانه، كما لا تعرف جهلها، وهي لا تقاوم ولا تكافح، وتعيش في أسر التقاليد وكأنها من طبيعة الأشياء التي لا تتغير، بل لا تحتاج إلى تغير.    

وعلى المرأة فى عصرنا أن تسأل نفسها فى كل يوم هل لها أهداف حقيقية تعيش من أجلها، وهل لها أسلوب فلسفى تتخذه فى عيشها أم لا ؟، وعلى الرجل الناضج فى كل وقت أن يطرح سؤال سلامة موسى .. هل عصره ومجتمعه يهيئان للمرأة أن تكون إنسانًا راقيًا؟، وعلينا جميعا أن نتعلم من إبسن شرفًا جديدًا هو شرف الإنسانية، وأن نُلبي دعوته إلى الاستقلال النفسي، وأن نكون أحرارًا مُكافحين مُستقلين نستبدل التقاليد بالقيم البشرية التى تُوزن بميزان العقل.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة