قرأت لك .. "الفكر العربى فى عصر النهضة".. هل سعى العرب للتقدم فعلا؟

الثلاثاء، 21 يوليو 2020 07:00 ص
قرأت لك .. "الفكر العربى فى عصر النهضة".. هل سعى العرب للتقدم فعلا؟ الفكر العربى فى عصر النهضه
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
نقرأ معا كتاب "الفكر العربى فى عصر النهضة" لـ ألبرت حورانى، وفيه يحلّل أجوبة مؤلّفين معروفين ويستقصى آراءهم مبيّناً كيف أنّ تيّارَين فكريَّين، أحدهما يحاول إعادة توضيح المبادئ الاجتماعيّة فى الإسلام، والثانى يبرّر فصل الدين عن السياسة، قد امتزجا، الأمر الذى أدّى، فى عصرنا، إلى نشوء القوميّات العربيّة.
 

 يقول الكتاب :

إنّ غايتى من تأليف هذا الكتاب ليست تدوين تاريخ عام، بأفكار متعددة، عبَّر عنها العرب أو كتبت بلغة عربية خلال القرن التاسع عشر أو فى مطلع القرن العشرين، كنت أُعنى بالفكر السياسى والاجتماعى فى سياقٍ معيّن: ذاك الذى أوجده التطوّر الأوروبي، تأثيراً وسلطةً، فى الشرق الأوسط وفى أفريقيا الشمالية. خلال المرحلة التى يتكلّم عنها هذا الكتاب، كانت الشعوب العربية مشدودةً، بطرق مختلفة، نحو النظام العالمى الجديد المنبثق من الثورة الصناعية والتقنيّة. هذا النظام الجديد كان يتّسم بنوع جديد من زيادة التبادل التجارى الأوروبّي، بالتحولات الناجمة عن الإنتاج والاستهلاك، بمراقبة أوروبا المفروضة على بعض المناطق، بإنشاء مدارس من نوع جديد، وبانتشار أفكار جديدة تتناول كيفية حياة الناس فى المجتمع. 

الفكر العربي
إنّنى أعود، فى كتابى، إلى هذه الأفكار مستعملاً، مع شىء من التساهل، كلمة liberal «لبرالى»، «تحرّرى»، فأذكرها فى المعنى الإنجليزي. وليس ذلك هو العنوان الأوّل لهذا الكتاب، ولستُ راضياً عن ذلك تماماً، لأنّ الأفكار التى لها تأثير لا تتعلق بالمؤسسات الديموقراطية، أو حقوق الإنسان فقط وإنّما بالوحدة الوطنية وبقوّتها وبسلطة الحكومات.
 
مع تعاقب القرون، غدا من الصعوبة تجاهل تطورات التغيير وعدم التحرّك بطريقة أو أخرى. من الممكن أن تكون هناك ردود فعل متعددة وكتابى يعالج واحدة منها: تلك التى تحدو بقومٍ إلى زيادة السلطة الأوروبية وانتشار أفكارها الجديدة، كتحدٍ يُجابَهون به، بتكييف مجتمعاتهم أنفسها وطرق معتقداتهم وقيمهم التى كانت أساس مشروعيتهم، وذلك بقبول بعض الأفكار ومؤسسات أوروبا العصرية. ومن المؤكد أنّ هذا الأمر يثير مشاكل من أنواع متعددة. ماذا عليهم أن يقبلوا؟ وإذا قبلوا هذه التحوّلات هل يبقون أمناء على ما ورثوه من قيم وعقائد؟ وبأى معنى، إذا كان ممكناً، يسعهم أن يبقوا مسلمين أو عرباً؟ حدوث مناقشات على مستوى المؤسسات والقوانين السياسية يمكن أن ينتهى إلى إثارة مسألة انتماء الناس، مما يؤدى إلى قضية اعتقادهم بالحياة الإنسانية.
 
هذه المسائل أثيرت فى بادئ الأمر، والمناقشات تلتها بصورة متواصلة وعلى مستوى عالٍ من معرفة العالم الأوروبى الجديد: فى القاهرة وبيروت. إنّ همّى الأساسى كان معرفة ما فكّروا به وما قيل وما كتب. وبدا لى من المناسب أن اهتمَّ أساساً بهذين المكانين المرتبطين بعلاقات وثيقة على مستويات متعدّدة، خصوصاً بهجرة الكُتّاب اللبنانيين والسوريين إلى مصر. بالإضافة إلى أنّه لم نكن نلتقى بكاتب أو اثنين منفردين بل بجماعات تتفاعل فى ما بينها، أو بينها وبين الجماعات التى سبقتها أو جاءَت بعدها. إذن كان من الممكن أن يحكى عن تواصل فكري. كما كان هناك أيضاً سبب آخر لأهمية الصلات بين القاهرة وبيروت. إنّ أكثرية الكتّاب اللامعين فى بيروت كانت تنتسب إلى الطوائف المسيحية فى لبنان وسوريا وكانت تلعب دوراً متفاوتاً بالنسبة إلى عددها، فى استيعاب الفكر الأوروبي. المسيحيون كانوا يتفاعلون مع الثقافة الغربية أكثر من المفكّرين المسلمين. إنّ التفاعل بين هذين الفريقين كان يساهم فى توضيح بعض المشاكل، التى كان يواجهها الذين يحاولون تفهّم السلطة والفكر الغربيين والتعامل معهما.
 
كتابة تاريخ الفكر تستوجب بعض الخيارات. يمكننا الحديث عن «مدارس» للفكر بشكل عام، ولكن هذا الأمر يلقى ظلالاً على الفروق الفردية عند المفكرين ويفرض وحدة فى أعمالهم غير صحيحة. المعالجة الثانية للموضوع، تقضى بأن نتوقف عند بعض الأفراد المختارين لسبب تمثيلهم الواسع للاتجاهات أو الأجيال. وهذا ما يسمح بتقديم شرح وافٍ للتأثيرات والظروف والطابع الشخصي، الأمور التى جعلتهم يتبنّون بعض المواقف فى بعض الحالات. هذه الطريقة محفوفة أيضاً بالمخاطر. أكثرية الكتّاب الذين تكلّمت عنهم فى هذا الكتاب وزّعوا إنتاجهم فى مقالات فى الصحف وفى مجلّاتٍ كُتبت لأهداف معيّنة، منهم مَن كَتَبَ مدةً طويلة ثم تَغَيّر بتغيّر الظروف. وهكذا يمكن أن نقع فى فرض وحدانيّة مصطنعة على فكرهم وجعله أكثر منهجية وتوافقية مما هو حقاً عليه، ومن ثمة إعطاء هؤلاء الكتاب أهمية ليسوا فيها؛ هذا بالنسبة إلى أكثريتهم (وليس كلهم) فإنّ فكرهم يُستمدّ من فكر الآخرين فيأتون فى المرتبة الثانية أو الثالثة من حيث الأهمية.
 
على الرغم من هذه المخاطر، فقد اخترت الطريقة الثانية لأنّها تتيح لى أن أقوم بعمل يهمّني. فى البدء أردت أن أعلم، مطّلعاً بانتباه على ما يقولون، أصداء المفكّرين الأوروبيين الذين قرأوا لهم أو سمعوا عنهم، وذلك كى أكتشف، إذا كان ممكناً، الزمن الذى دَخَلَت فيه هذه الأفكار الخطاب الثقافى باللغة العربية. من جهة ثانية جرّبت أن أعرف الصلات بين هؤلاء المفكرين وأن أكتب تسلسلاً تاريخياً أضعهم فى إطاره. كتابات متفرقة، بعضها ممتاز، تناولت أشخاصاً أو حركاتٍ، خصوصاً عن "الحداثة الإسلامية" والقومية العربية. غير أنّ كتابى يمثّل واحدة من المحاولات الأولى لتقدير بعضهم بالنسبة إلى الآخرين.
 
وإذن، فإنّ المقصود هنا أن أخطّ مسيرة أربعة أجيال من الكتّاب. فى المرحلة الأولى التى تمتدّ من 1830 إلى 1870 حيث يعى فريق صغير من رسميين وكتّاب أوروبا الحديثة: الصناعة، الاتصالات السريعة، المؤسسات السياسية، وذلك ليس كنوعٍ من التهديد بل كطريقة حياة ينبغى اتباعها. إن ما كانوا يكتبون هو متصل بمحاولات قامت بها حكومات إسطنبول والقاهرة وتونس من أجل تبنّى بعض القوانين والمؤسسات فى أوروبا العصرية، وذلك بغاية المزيد من القوّة. يتوجّهون، قبل كل شيء، إلى قرّاء يعيشون فى عالم من الفكر قديم، لإقناعهم أنّ بإمكانهم تبنّى مؤسسات وقوانين من الخارج وأن يبقوا صادقين مع أنفسهم.
 
 
الجيل الثاني، بين 1870 و1900 تقريباً، جُوبِهَ بحالةٍ هى نفسُها تغيّرت كثيراً. أوروبا أصبحت الخصم وهى فى الوقت نفسه النموذج: لها جيوش فى مصر، والجزائر، وتونس؛ سلطتها السياسية تَشمل الإمبراطورية العثمانية كلّها؛ مدارسها تخرّج طلاباً تلقّنوا طريقة فى التفكير ونظرة إلى العالم تختلفان كثيراً عما يعرفه ذووهم؛ المدن أخذت أشكالاً ذات طابع أوروبى والسمات العائلية فى حياة المدينة استبدلت بغيرها.
 
فى مثل هذا الوضع، لا يمكن اجتناب التغيير، وكتّاب هذا الجيل لم يحاولوا إقناع الذين يتشبثون بتقاليدهم الخاصة بأن يقبلوا بالتغيير، ولكن إقناع هؤلاء الذين تلقّوا تكويناً جديداً بأنّه لا يزال بإمكانهم التعلّق ببعض المظاهر من ماضيهم الأَصيل. إنّ المهمة الأساسية لمؤلفى هذا الجيل كانت إعادة تفسير الإسلام حتّى يكون متوافقاً مع الحياة فى العالم الحديث، وليُستمّدَ منه القوّة. محمد عبده كان الشخصية التى تمثّل هذه المرحلة. أفكاره كانت تُنشر فى جريدة «المنار» فى وقتٍ اكتسبت فيه الصحف والمجلات كثيراً من الأهمية.
خلال المرحلة الثالثة، من 1900 إلى 1939 تقريباً، التياران الفكريان اللذان حاول عبده وغيره مصالحتهما، ابتعدا عن بعضهما أكثر فأكثر.
 
من جهة، كان هؤلاء الذين يعتقدون بقوّة بركائز الإسلام فى المجتمع، وبهذا يقتربون نوعاً ما من الأصولية الإسلامية. ومن جهة ثانية، كان الذين قبلوا الإسلام كمجموعة مبادئ، أو على الأقل، مشاعر، ولكنّهم يعتبرون أنّ الحياة فى المجتمع ينبغى أن تكون منظمة على نُظُم علمانية تختصّ بالسعادة الفردية أو القوّة الجماعية. وكان جيلٌ سابق من المسيحيين اللبنانيين قد استصلح هذه الطريق ومشى فيها بعدهم شوطاً أبعَد مصريون مسلمون حتّى وصلت إلى نهايتها المنطقية فى أعمال طه حسين، وهو يعى ضرورة الحفاظ على الماضى الإسلامى فى البال وفى القلب، ولكن عليه أن ينضمّ إلى الثقافة العصرية التى ظهرت، أوّلاً، فى أوروبا الغربية. بالنسبة إلى أكثرية مؤلفى هذا الجيل، فإنّ مبدأ العلمانية الذى يعيد صنع المجتمع، هو مبدأ القومية سواء حدّد بتعابير عثمانية أو مصرية أو عربية. مع تطوّر طبقات جديدة من الموظفين والضباط المتعلمين، وظهور الطلاب كقوة سياسية، والهيمنة الأجنبية المفروضة على بلدان عربية أخرى، كل ذلك جعل القومية سبباً للتحرّك وفى الوقت نفسه مبدأ فكرياً.
 
أمّا المرحلة الرابعة، فتبتدئ مع الحرب العالمية الثانية، وحاولتُ فى الخاتمة أن أحدّد بعض وجوهها. أنهت الحرب مرحلة الصعود الأوروبى وفتحت الطريق أمام الولايات المتحدة وروسيا، ولم يكن ذلك فى المجال السياسى المباشر وحسب، بل بالنتيجة من حيث القوة العسكرية والاقتصادية. الاضطرابات التى ولّدتها الحرب، انتشار التعليم، نموّ تطور المدن والصناعة، واستعمال طرق إعلامية جديدة، كل ذلك أدّى إلى تغيير فى طريقة الحياة السياسية: أضحى الحقل السياسى أكثر اتساعاً، والشعب أكثر تقبلاً للأفكار والخطاب السياسي. حاولتُ أن أدلّ على بعض وسائل التفكير والعمل، مع أنّه فى الوقت الذى كتبتُ فيه الخاتمة، لم يكن بالإمكان تمييزها بوضوح كما الآن: الحركة لانبعاث الإسلام كأساس وحيد صالح للمجتمع، ممثل بالإخوان المسلمين؛ حركة القومية التى بدأت تعنى الإصلاح الاجتماعى كمضمون معبّر عنه أحياناً بالخطاب الاشتراكي؛ وتوسيع مفهوم القومية العربية لاحتواء البلدان التى تنطق بالعربية كلّها. ولمعالجة هذا الموضوع الأخير أدرجتُ دراسة موجزة عن الحركة الفكرية فى أفريقيا الشمالية؛ غير أنّ الشرق كان هو مركز الثقل حيث كان يُعتبر عبد الناصر الرجل الذى يمثل هذه المرحلة.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة