اليوم السابع فى الذكرى الـ 60 لرحيل بيرم التونسى "المصرى".. شعبان يوسف يكشف عن أول أزجال الشاعر الكبير .. ويؤكد: كتب كل أغانيه الوطنية على مقاهى الأجانب وزوجته لم تعرف شيئا عن إبداعه الشعرى

الثلاثاء، 05 يناير 2021 04:15 م
اليوم السابع فى الذكرى الـ 60 لرحيل بيرم التونسى "المصرى".. شعبان يوسف يكشف عن أول أزجال الشاعر الكبير .. ويؤكد: كتب كل أغانيه الوطنية على مقاهى الأجانب وزوجته لم تعرف شيئا عن إبداعه الشعرى الشاعر الكبير بيرم التونسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ننشر مقالا للشاعر والكاتب شعبان يوسف، عن الشاعر الكبير بيرم التونسى، وذلك بمناسبة ذكرى رحيله في 5يناير من عام 1961، ويكشف فيه عن الحياة البسيطة التي عاشها أشهر زجال في التاريخ المصرى.


ثورة يوليو والمبدعون:

فى أكتوبر عام 1952، وبعد قيام حركة الضباط الأحرار فى 23 يوليو المباركة - كما كانت تسمى وقتها - ذهب الأستاذ لطفى رضوان "محرر مجلة الكواكب الفنية"، ليجرى حوارا مع الشاعر والزجال وكاتب الأغانى محمود بيرم التونسى، وكان قادة ثورة يوليو انتبهوا بحسم إلى قوة مصر الناعمة، فعملوا على استقطاب نجوم الفن والشعر والسرد بحماس بالغ، فاحتفوا بنماذج موهوبة وعظيمة مثل الروائى نجيب محفوظ الذى كان شبه مهمل من السلطات قبل ذلك، كذلك الاهتمام بمواهب صاعدة مثل يوسف إدريس وصلاح جاهين وعبد الحليم حافظ وفتحى غانم ومحمد الموجى وغيرهم، ووفرت لكل هؤلاء مناخات وشروطا فوق الوصف، لكى يبدع كل منهم  - فى مجاله - ما يخدم الثورة، ويفيد الناس فى وقت واحد، والنتيجة كانت مضمونة، إبداع جيد فى الغناء والكتابة المتنوعة، وبالتالى بذل هؤلاء الكتّاب والفنانون أقصى ما فى جهدهم من أجل التبشير بالثورة، والتعريف بجهودها، وطمأنه الشعب بنبل الأهداف التى جاءت من أجلها نلك الثورة أو الحركة.

الشاعر الكبير بيرم التونسى
الشاعر الكبير بيرم التونسى
 

وكان بيرم التونسى أول من استهدفتهم الثورة بالعناية بهم، وتوفير بعض المساحات للكتابة، كما أن الإذاعة المصرية كانت تستقبل إنتاجه فى المسلسلات والفوازير دوما، فهو صاحب التاريخ الطويل فى مقاومة كل قوى الشر، وكان الأهم فى تاريخ الزجل والشعر والأغانى والأوبريتات، ورفقته لفنانين عظماء مثل سيد درويش ونجيب الريحانى قبل نفيه وترحيله عام 1919، وحرمانه من مشاركة أبناء وطنه فى الإبداع والمقاومة، وبالطبع اشتدت ثورة بيرم، ولم يتوقف حتى فى منفاه عن الكتابة ومراسلة الصحف والمجلات.

 

منزله المتهالك فى الحىّ المتواضع:

وكانت البداية عندما ذهب إليه محرر الكواكب لإجراء حوار معه، ولكنه قبل أن يذهب إليه لإجراء ذلك الحوار التاريخى، ويزوره فى منزله، حاول بيرم التملص من الحوار، ليس لأسباب عدم إرادته لذلك، أو كنوع من الاستعلاء، ولكن خجلا من مسكنه المتواضع، ورد على المحرر قائلا له : "ربنا أمر بالستر.. انت عاوز تفضحنى ليه؟!"، وعندما ألح المحرر على أهمية الحوار، وافق بيرم على مضض، وذهب المحرر إلى منزل الفنان العظيم، وعندما اقترب من الوصول، سأل بعض الجيران، فقيل له بـ "أنه ذهب إلى الأستديو ليشاهد إحدى الراقصات التى سترقص على أغنية له"، وكان بيرم يسكن فى شارع يدعى "النواوى"، فى حىّ السلخانة، وعندما وصل الصحفى إلى البيت المتهالك انتظر لكى يتأمل المكان جيدا، وينظر إلى ذلك الحى الذى يقطنه أهم وأكبر شعراء وزجالى مصر، وأكثرهم صلابة وعندا فى المقاومة، وعندما دخل المحرر، بادره بيرم قائلا: "إن ثلاث حجرات لا تكفى لكى أعيش وأتنفس، فالأولاد كثيرون، والدوشة لا تنقطع، لهذا آثرت أن أن أنقل لحافى ومرتبتى ومكتبتى إلى هذه الحجرة الصغيرة لأكون إلى جوار باب الخروج".

الشاعر
الشاعر بيرم التونسى
 
هذا الشاعر والزجال وأكثر شعراء وزجالى جيله مقاومة، والذى حورب من جهات كثيرة، وتضافرت عليه كل قوى الشر، الملكان فؤاد وابنه فاروق، وبالطبع الإنجليز وأعوانهم، وكذلك رجال الدين الذين روجوا تعاونوا مع الاحتلال الانجليزى، حتى زملاء الدرب الشعراء، والذين شككوا فى إبداعه، وحاولوا النيل منه، ومن العجب العجاب أن يصدر الشاعر أبو بثينة كتابا عنوانه "الزجل والزجالون"، ويذكر فيه شعراء مصر بداية من عبد الله النديم ومحمد عبد النبى وإسماعيل صبرى ومحمود رمزى نظيم وحسين شفيق المصرى وغيرهم، ولا يأتى على ذكر بيرم، رغم أن الكتاب صدر عام 1962، أى بعد رحيل بيرم، كذلك الشاعر والزجال حسين شفيق المصرى الذى تطاول على بيرم، وسبه، وهجاه شعرا ونثرا فى الوقت الذى كان بيرم يحتاج فيه لأى دعم أدبى ومادى وفنى، ومن فرط غيظه من حسين شفيق المصرى، كتب فى هجائه مثلما هاجمه، كتب بيرم فى مطلع هجائه، مقلدا المصرى _صاحب المشعلقات_ فى كتابته :
"ياحسين يابن شفيقة
ضجرت منك الخليقة
أبدا تحدث كالناقوس
أصواتا عتيقة
هل ترى الناقوس قد
غير الدنيا زعيقه
أم رأيت الجحش يستبدل
ماعاش نهيقه"
 
ورغم أن كل أهل الفن يعرفون بيرم التونسى الذى شدت أم كلثوم أشهر وأكبر مطربى الشرق، إلا أن أبناء حيّه المتواضع لا يعرفون عنها أى شىء، بل إنهم يخترعون له وظائف خيالية، وعندما سأله المحرر فى الحوار الذى نشرته الكواكب فى 25 نوفمبر 1952، ماذا يعرف عنه أبناء حيّه، ردّ بيرم بأسى: "إن أحدا لا يعرف مهنتى، حتى زوجتى نفسها لا تعرف مهنتى، وعندما سألتها جارتنا: "النبى حارسه بيعمل إيه، ردت زوجتى قائلة: "والله ما انا عارفة.. أهه بيشتغل وخلاص وبيجيب فلوس.. ده المهم!"، ويستطرد بيرم: "وقد حدث أن دق التليفون فى منزلى، وردت زوجتى، فسألها المتحدث عن اسم صاحب التليفون، فسألتنى زوجتى:  أقوله اسمك إيه".
 
 
بيرم التونسى فى شبابه
بيرم التونسى فى شبابه
 
 
بالتأكيد هذا الكلام ليس فيه أى دعابة أو غرابة، ولكن بيرم تحدث عن ذلك أكثر من مرة، والزوجة تسأله عن اسمه المتعارف عليه، حيث أن اسمه الذى تعرفه هو محمود محمد مصطفى بيرم، واسم بيرم التونسى هذا، من الممكن أن يكون غريبا عنها، وليس متداولا فى المنزل.
 
 
وهناك من يتصور أن بيرم كان يعيش حياة رقيقة وناعمة وسلسة، باعتبار أنه فنان ويكتب أغانى رقيقة، وهذا عكس ماكان يعيشه بيرم، فعندما سأله المحرر: "يوجد دائما عند الفنانين مناظر وطيور وحيوانات توحى إليهم بالأفكار الجميلة وتؤنس وحشتهم، فماذا عندك منها؟"، ضحك بيرم طويلا لهذا السؤال وقال فى سخرية: "العصافير عندى تؤكل أولا بأول، والقطط تطرد أولا بأول كذلك، والمناظر تلقى فى المهملات فور ظهورها"، ودائما كان بيرم يكتب عن هذه الحياة المتقشفة، والخالية من أى ديكورات موحية، أو ملهمة.
ومن المعروف أن منزل بيرم كان معوقا كبيرا للكتابة، وعندما سأله لطفى رضوان: أين إذن يكتب؟ كان رد بيرم بوضوح كما أعرب عنه كثيرا فيما بعد: "فى الطريق.. وعلى المقاهى، فإننى أهرب من المنزل عند الفجر، وأستلقى على أول مقعد يقابلنى فى ركن المقهى، وأبدأ عملى، وياويلى إذا تقدم منى أحد معارفى وحيّانى، فإن سلسلة أفكارى تنقطع على الفور، وأضطر إلى لمّ أوراقى وأنتقل إلى مقهى آخر، وياويلى إذا مافتح صاحب المقهى الراديو، أهرب بدون أوراقى إلى الطريق، وأظل أسير على غير هدى، حتى أجد مقهى يديره أجنبى لا يملك مذياعا .. وعندئذ أحط رخالى وأتم ما بدأته وأكمل أغنيتى، ولذلك فإن أغلب الأغانى ولادتها بين أحضان المقاهى الأجنبية".
 
 

الشاعر والكاتب شعبان يوسف

 

أول أزجال بيرم التونسى :

من المعروف أن بيرم كان متأثرا بوالده فى بداياته، إذ كان الوالد صاحب مزاج فنى، ولديه نزوع لاستدعاء فنانين ومنشدين، وكان بيرم يتأمل ذلك الطقس المتكرر، وناله قدر من لمسة الفن والثقافة، وعندما اضطر للعمل فى دكان والده، كان يقرأ الكتب التى يستعملها فى لف القراطيس، وبدأ بعد ذلك يدندن ويكتب بعضا من الزجل، وكانت كل أزجال بيرم تنبثق من خلال حدث واقعى، ويهرع فورا لتسجيل أو تدريم أى حدث يراه، وكان أول زجل كتبه،  عام 1914 قبيل الحرب العالمية الأولى، وهذه الزجلية لم ينشرها بيرم إلا ضمن أحد مقالاته التىكان يكتبها فيما بعد فى جريدة الجمهورية، وهى كانت عن "زفّة المطاهر":

يا اهل البلد دى فلقتونى
يامسلمين غلبتونى
إن عبت فيكم تلومونى
وتجعلونى مع المجانين
من جمعة شفت بعيونى
فى السكة ساعة العصرية
موكب وفيه ميت عربية
راكبين عليها عيال حافيين"
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة