أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

الدراما المصرية فى خدمة القضايا الاجتماعية الشائكة !

الجمعة، 01 أكتوبر 2021 09:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

معروف أن الفنون الدرامية من أكثر الأنشطة الإنسانية التى تلفت انتباه متلقيها وتبهره، مما يجعل القائمين عليها من مخرجين ومنتجين وممثلين وغيرهم يتحملون مسئولية تنوير المجتمع وتوعيته بالقضايا والمشكلات التى تواجهه، خاصة فى ظل أن هناك من المشاهد الاجتماعية غير المقبولة والتى تعكس صورة مشوهة عن المجتمعات، مثل مشاهد ضرب المرأة واستخدام وسائل العنف ضدها فى أكثر من عمل، يسهم فى إقناع المجتمع بأنه مضطهد لها باستمرار، وهذا يخالف الواقع الحقيقى، ويبدو ملحوظا أن الأحزان والنكد مصابة بهما غالبية أعمالنا بالرغم من أن السعادة وجه جميل فى حياتنا ومجتمعنا، وتلك هى القيم الجميلة التى نحن أحوج إليها فى هذه الظروف التى تحيط أمتنا ومجتمعاتنا.

ولم يكذب سقراط يوما حين قال إن (الدرما محاكاة لفعل إنسان) وأيضا لم يكذب من قال إن (الفن هو انعكاس للمجتمع)، لأنه يخدم قضايا المجتمع بالأساس، وهو ما حدث مع نوعية الدراما التى تقدمها (سينرجي) من خلال مسلسلات قصيرة لا تقل عن خمس حلقات ولاتتجاوز الـ 15 حلقة فى حكايات (إلا أنا، ورا كل باب، زى القمر)، والتى تشكل فى مجملها تعبيرا صادقا عن حالات إنسانية واقعية تعيش بيننا، وفى القلب منها قضايا الأسرة التى تتغير بتغير الظروف والأزمان، ولفت نظرى مؤخرا حكايات (كدبة كبيرة، رق الحبيب، عائلة جيجي، قلب مفتوح)، وغيرها من حكايات تغوص فى أعماق النفس الإنسانية على جناج النقد لظواهر سلبية تضرب عضد الأسرة فى مقتل، حيث تقدم الحلول العملية لكيفية التصدى لظاهرة (الترند)، كما جاء فى (كدبة كبيرة، وعائلة جيجي) اللتين عالجتا الظاهرة بطريقة غير مباشرة.

ولأن الأسرة تعد هى النواة الأساسية فى بناء المجتمع؛ فعليها يعول تقدم هذه المجتمعات وتخلفها، فالأسرة السوية التى قوامها الحب والتفاهم والاحترام؛ مصدر خصب لنشء صالح يسهم فى تنمية المجتمع وتطوره، وقيادة مستقبله نحو الأمن الشامل والاستقرار والطمأنينة والرخاء، وعلى الرغم من أهمية هذا الدور؛ إلا أنه فى بعض الأحيان قد يحدث خللا بين أفرادها يعوق مسيرته ويعمل على تفكك منظومتهـا وانهيارها، وهو ما ينعكس سلب على الصحة النفسية والجسدية لأفرادها ويكون سببا للعزلة والانطواء عن المجتمع، وجدير بالذكر أن مواقع التواصل الاجتماعى تعد أحد أهم الأسباب التى أحدثت خللا فى العلاقات الأسرية؛ من منطلق دورها الرائد فى حياة الفرد اليومية.

صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعى فى جانبها الإيجابى تؤدى دورا بارزا فى تعزيز التواصل العالمى بين أفراد الأسرة البعيدين عـن بعضهم البعض، لكن من ناحية أخرى فعلى الجانب السلبى لتلك الوسائل تتضح الانعكاسات الخطير لتطبيقات التواصل الاجتماعى على الأسرة، بالاغتراب وإدمان الإنترنت، خاصة مع الفراغ الكبير الذى يعانى منه الأفراد كبارا أم صغارا منها، ومن ثم تغيرت معادلتهم ورؤيتهم لأنماط التواصل، بحيث أصبحوا جزء من العالم الواقعي، واعتمادهم على العالم الافتراضى الذى تقدمه لهم تلك المواقع، والذى يوفر لهـم الحرية المطلقة لعرض أفكارهم ومشاعرهم دون قيود للمكان أو الزمان، أو حتى لتقاليد المجتمع الذى ينتمون إليه أو حتى صعوبة فى الاستخدام؛ وهو ما يؤدى بالضرورة إلى عزل الأفراد عن بعضهم البعض وتفكيك العلاقات بينهم، وعزلهم وتوحدهم مع هذا العالم  الافتراضى ليصل إلى الوحدة الأساسية للمجتمع ألا وهى الأسرة والتى بتأثرها سلبا يتأثر المجتمع كله وينهار.

وبدون شك فإن حكايات (ورا كل باب) قد صنعت حالة خاصة جدا بالجمع بين تحقيق نسب مشاهدة عالية وتقديم محتوى هادف يناقش قضايا اجتماعية معاصرة، وذلك فى حكايات الموسم الأول، لكنها فى الموسم الجديد بدأت بشكل أقوى حيث يضيف صناع العمل لرصيد حكاياتهم حكاية جديدة باسم (كدبة كبيرة)، من بطولة (أحمد زاهر، وهنادى مهنا، فتوح أحمد، محمد ناصر)، وتأليف إسلام حافظ، وإخراج سميح النقاش، وإنتاج شركة (سينرجى) والأحداث جاءت فى 5 حلقات، تتحدث بشكل واضح وصريح عن خبايا مواقع التواصل الاجتماعى، وكيف يسىء بعض الشباب من العاطلين عن العمل استغلالها لتحقيق شهرة فى وقت قصير لجنى مكاسب مادية خيالية من خلال الخروج على الأعراف والتقاليد.

ومما لاشك فيه أنه قد باتت كثير من الانتقادات موجهة إلى جمهور السوشيال ميديا بأنه تحول إلى ناقد شرس، أو جلاد على الأعمال الدرامية نفسها، حيث تحول ذلك العالم الموازى إلى حلبة مصارعة ما بين صناع الدراما والمشاهدين كل منهم يحاول فرض قوته، ولكن فى النهاية تظل سطوة المشاهد - متلقى السلعة - أكبر من مقدمها - صناع الدراما - كونه أهم عامل من عوامل استمرارها، فلا صناعة بدون المستفيد منها، ولكن بالفعل تحول جمهور السوشيال ميديا إلى جلاد على الأعمال الدرامية والنجوم، من خلال سيل من (البوستات) التى تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، فور عرض المسلسل، ما بين مدح وذم وتسليط الضوء على أخطاء إخراجية، وعدم منطقية بعض الأحداث، وأداء الفنانين وغيرها من الأمور التى تحدث ضجيجا عاليا على السوشيال ميديا خاصة فى السباق الرمضانى الأكثر شدة فى التنافس بين الأعمال الدرامية المختلفة، ومع ذلك فقد أشادت مواقع التواصل الاجتماعى نفسها بحكاية (كدبة كبيرة) الذى صب جل غضبه على من يسعون للترند كوسيلة للتشهير أو كسب العيش.

ومن هنا قدم الفنان المبدع أحمد زاهر بطل (كدبة كبيرة) خلال الأحداث شخصية (يحيى أبو المجد) وهى صعبة ومعقدة لأنه يقدم دور ممثل، ويصر على لعب الدور بشكل مختلف بعيد عن شخصيته الحقيقة كممثل، وقد نجح فى ذلك عبر أداء سلسل وتقمص شخصية الممثل ببراعة تؤكد نضج موهبته، وبدا لى ولغيرى من المشاهدين بأنه تلبس روح الشخصية حتى نسينا أنه بالأساس ممثل، وتلك هى الاحترافية التى تحدث عنها (ستانسلافسكي) فى كتابه (إعداد الممثل) فيما يتعلق بالواقع التخيلى للشخصية، فقد بدا على (زاهر) أنه لا يتخيل الأشياء دون أن يكون لك هدف وراء هذا التخيل كما أنه لم يجبر خياله أبدا فى أى مشهد، بل كان يروضه طوال الوقت بحيث كانت كل حركة يقوم بها وكل كلمة ينطق بها هى للواقع المتخيل الذى تعيشه الشخصية.

إن صدق الأداء لشخصية (ممثل) قام بها الممثل (أحمد زاهر) هو كل ما يمكن أن نؤمن به إيمانا حقيقيا من أفعال أو أقوال صدرت من جانبه فى لعب شخصية (يحيى أبو المجد)، والذى أكد لنا أن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وإن كل ما يحدث على الشاشة يجب أن يكون مقنعا لك قبل أن تقنع به زملائك والجمهور، حيث يولد الإيمان بأن كل ما تعانيه من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره فى الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة، فالصدق عدوى تنتقل إلى الجمهور .

ويتهيأ يحيى لتقديم رسالته الهادفة من المسلسل قائلا: السوشيال ميديا زى ما فيها الحقيقة فيها الكدب.. وللأسف الكدب أكبر بكتير جدا.. السوشيال ميديا زى ما ممكن تنفع قوى ممكن تضر قوى قوى .. الناس اللى بتشير وتجرح وتوجع : ما تحطوا نفسكم مكانا .. لو انتوا فى المكان ده حتحسوا بإيه؟ .. لو واحد جاله تعليق سخيف أو إشاعة سخيفة ممكن يعمل إيه .. على فكرة مش شرط إن عشان فنان أو إعلامى أو حد مشهور إنها تبقى قضية رأى عام .. لأ .. ممكن أى حد : مهندس، دكتور، محامي، مدرس تاجر .. ممكن إشاعة صغير قد كده - يشير بإصبعه - تطلع عليه تكبر وتبقى قضية رأى عام ويتهزم وهوه معملش أى حاجة.

واستطرد يحيى أبو المجد فى رسائله القوية قائلا: مش شرط يكون فنان .. البنى آدم اللى بيخش على صفحة فنان ويكتبله تعليق سخيف حط نفسك مكانه .. حتحس بإيه .. حط نفسك مكان أهلك لما يقروا الكلام ده عنك .. حيتوجعوا قد إيه .. ياعم لو مش حابب الفنان ده اعمل بصباعك كده .. كده بس .. عديه متشفهوش إعمله (unfolw) .. متبعوش أساسا .. لكن ليه تفكر توجعه وتجرحه .. ليه؟ .. مش عاجبك سيبه منه.. هكذا أنهى المشهد الرائع الذى جاء بأسلوب المونوداما فى صورة صادقة تعكس جوهر الفنان الحقيقى عند زاهر، خاصة إذا كان ممثل فى الحقيقة يعبر عن معاناة ممثل فى الخيال الذى يعكس الواقع الذى نعيشه حاليا جراء أفعال السوشيال ميديا الشيطانية.

أما حكاية (عائلة جيجي) فهى ترصد هوس ركوب (الترند) الذى يعد من أخطر وسائل إدمان الإنترنت وأكثر ها سلبية على الأسرة والمجتمع، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى التى يسعى من خلالها بعض الأفراد إلى التربح بطرق غير قانونية، كما جاء فى ثنايا تلك الحكاية أو المسلسل الذى يناقش قضايا عديدة منها العلاقات القائمة على الاستغلال، حيث نجد (ملك/ هدى الإتربي) خطيبة (يونس/ إسلام جمال) كل ما يهمها تصوير إعلانات لنشرها عبر حساباتهم فى مواقع التواصل الاجتماعي، دون النظر لأى شىء آخر من علاقات إنسانية، ارتبطت بأكثر من شخص واشترك جميعهم فى كونهم مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن القضايا المهمة التى طرحها المسلسل عن الشخصية المادية، ممثلة فى الطفلة (شهد) التى  أصبح كل اهتمامها كيف ستكسب أموالا أو تحصل على هدية ثمينة، فقدوتها شقيقها وشقيقتها الذين أصبحا مشاهير سوشيال ميديا ويحصلان على أموال كثيرة، وتبحث هى أيضا عن الشهرة والكسب السريع.

وكل ذلك أدى بالضرورة إلى ما يسمى بالانحراف الاجتماعى بشكل عام وبمفهومه الشامل والذى يشير إلى إلى أنماط الفعل التى تمتثل للمعايير والقيم الجديدة التى يعتنقها أغلبية أعضاء (عائلة جيجى)، ويدل لفظ (انحراف) هنا على مخالفة أى من الأنماط السلوكية السوية والمرغوبة اجتماعيا سواء كانت تلك الرغبة بنص القانون أو العرف أو القيم الثقافية السائدة وهكذا فإن الانحراف من المنظور الاجتماعى هو السلوك المخالف لما ترتضيه الجماعة، والانحراف هو إتيان أى فعل لا تقبله النسبة الغالبة من أفراد الجماعة كما مثلتهم الجدة (أصيلة) التى لعبت دورها (ليلى عز العرب)، فقد كانت بمثابة الضمير الحى فى تلقينهم جميعا دراسا قاسيا حول مخاطر ما يفعلونه من الانحرافات القانونية وغير القانونية.

وربما يأتى السبب فى الأخذ بالانحرافات غير القانونية جاء فى تلك الحكاية نتيجة غياب العادات والأعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية التى لو زاد الاهتمام ببعض منها فإنها ترقى إلى مستوى القانون الذى يواجه أفعالا خطيرة على أمن المجتمع وعلى حياة وأعراض أفراده أو مقدساتهم ومكتسباتهم ومستقبلهم أو تطلعهم العام، لذا فقد شجب المسلسلين هذه الأفعال وطالبا بمكافحتها لأن الأمر هنا يتعلق بأفراد الجماعة ومعتقداتهم ووجهة نظرهم للأنماط السلوكية غير السوية وما يجب أن يجرم منها، وهذا بالتأكيد الدور المنوط بالدراما الاجتماعية المصرية وأهمية دور الفن فى معالجة تلك القضايا بشكل تقنى مهارى ومهني، وعلينا أن نستمر فى دورنا الذى نقدمه من خلال الدراما المحلية والإنتاج الهادف، حيث تعد منتجا وطنيا يتناول أهم قضايانا المجتمعية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة