أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد إبراهيم الشريف

محاولة لإنقاذ جيفارا.. محاولة لإنقاذ الإنسان

الإثنين، 01 نوفمبر 2021 09:35 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يستحقُ شعر كريم عبد السلام وقفاتٍ عديدةٍ، وذلك لكونه يملك مشروعًا شعريًا خاصًا، له معجمه ورؤيته وطريقته فى صياغة القصيدة، وها نحن أمام الديوان الـ الخامس عشر من المشروع بعنوان "محاولة لإنقاذ جيفارا" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
 
وفى رأيى أن الديوان أكثر من محاولة، ليست لإنقاذ جيفارا فقط ولكنها لإنقاذ الإنسان نفسهِ، الذى صار واقعًا بين عدد من الثنائيات المتناقضة، التى تحصر الإنسان وتعصره بين دفتيها.
 
وهنا وجب القولُ إن قصيدة النثر فى مجملها - من وجهة نظرى يأتى جمالُها إما من صناعة الدهشة (لغوية - إيقاعية) أو من الرؤية الخاصة، و"ديوان محاولة لإنقاذ جيفارا" مع أنه لم يعدم النوع الأول (الدهشة)، إلا أن هناك غلبة للنوع الثانى (الرؤية)، فالذى يحرك كريم عبد السلام فى الديوان هو رؤيته المختلفة عما استقر فى نفوسنا من دور الشاعر التقليدي.
.................
 
ولقد بدأت الثنائية المحيرة فى الديوان مبكرًا - منذ النص الأول التمهيدى:
 الطريق تنقسم إلى اتجاهين
.. قاتل
 أو 
قتيل
إنها أخطر الثنائيات التى قد يواجهها الإنسان فى حياته ثنائية (الصياد والفريسة).
هذه الثنائية تختصر كل شيء فهى تعنى إما (الضعف أو القوة/ الحياة أو الموت/ الوجود أو الفناء".
...........
ومن ناحية أخرى نجد أن الديوان امتلك مفهومه الخاص لدوالٍ لغوية معروفة مثل:
 الجثث فهم هنا يخافون الموت.
 والصيادون فلديهم أطفال يحتاجونهم
وكذلك الكائنات من (النمل إلى التنانين)، فرغم اختلاف الحجم، إلا أنه يجمعها جميعًا (النهم والرغبةُ فى الافتراس).
.........
وأحب أن أُشير هنا إلى واحدةٍ من المعانى المركزية فى الديوان، وذلك عندما يقول الشاعر:
 (أو أن تكتب لافتةً على ظهرك:
أنا لا أحد
أنا مجردُ شبح
أنا لستُ هنا
أنا بدونِ ذاكرة
أنا فقدتُ أحلامى)
 هذا المعنى الخطير من الممكن أن نقرأ الديوان كلَّه من خلاله، فهو يقدم الحالة التى عليها الإنسان الآن في هذه اللحظة الراهنة.
..........
ويمكن القول إن القصيدةَ الأولى من الديوان "صيادون وجثث" بمثابة تقديم للأزمة الطاحنة التى تحيط بالإنسان، يرصدها الديوان ويبين ما بها من تفاصيل منها (الخوف – الاختيار – الإجبار).
...
أما قصيدة "فى المخبأ" فإن رؤية الشاعر تبدأ فى وضع استراتيجيات جديدة للدفاع عن الإنسان الذى هو مجرد "جثة" فى القصيدة السابقة، وتضم هذه الاستراتيجية الكثير من العناصر منها:
- أن يقتنى الإنسانُ كلبًا شرسًا يظنه المهاجمون وحشًا.
- عدم الوقوع فى الخديعة ومن ذلك (أن تسمع موسيقى – أن تعجب بحديقة – أن تفوز بجائزة - أن يتم تكريمك – أو ترى اللصوص يتجهون لمساعدة الفقراء).
.................
وقد استوقفني أيضًا قول الذات الشاعرة "بيتك هو سفينة نوح" فهو يكشفُ أن النجاةَ ليس لها سوى سبيلٍ واحدٍ وحيدٍ هو الهروب من الحياة "الحقيقية" إلى المخبأ، فربما يحالفك الحظ وتنجو، والنجاة ليس معناها الخروج من المخبأ إلى الحياة الحقيقية، ولكن معناها ألا يتم افتراسك.
.....
إن قصيدة "فى المخبأ" تشعرنا بالخوف الفعلي، وتذكرنا بلحظةٍ معينةٍ مررنا بها من قبل، حيث انفلت كل شيء، وعدونا إلى مخابئنا.
....
يتصاعدُ الرعبُ في هذه القصيدةِ، حتى يصلَ لدرجةِ تحذيرك أن تلقى التحيةَ على أحد:
إياكَ أن تُلقى تحيةَ الصباح على أحد
أو أن تبتسمَ له
 
...
القصيدة تتصاعد فى درجات الخوف، إنها تُدخلنا للرعب من المشاهد الطبيعية، فقدرةُ الوحوشِ على التنكر لم تترك لنا شيئًا نطمئن له، وعلينا أن نحترس من (عجوز تطلب المساعدة، أو طفل يبتسم).
ومن الاستراتيجيات المهمة للنجاة أيضا أن نكتم مشاعرنا حتى أبسطها (الفرح والحزن).
 ............
أما قصيدة "أبنى سفينة للطوفان" 
فهى قصيدة عن ضياع الحلم، كما أنها تقدم وصفًا للأشرار الذين يقتلون الأحلام بدمٍ باردٍ.
...........
وقصيدة "بوتيك جيفارا"
هى واحدةٌ من أجمل القصائد التى كتبت عن جيفارا، وفيها تتحقق تقنيةُ "الدهشةِ" المشهورة فى قصيدة النثر، لقد كشفت القصيدةُ زيفَ وعينا، فإننا نتحدث دائما عن جيفارا ونتشدقُ بمعرفتنا بوقفته وحركته ونظرة عينيه، وفى الحقيقة نحن لا نعرفه، لقد خضعنا لما أراده السوقُ منه، ولما قصده أعداؤه من تشيء البطل، وجعلونا ننسى الصورة الحقيقة للرجل الذى دفع حياته ثمنًا لأحلامنا.
.............
وقصيدة "محاولة للهرب"
تبدأ القصيدة بدايةً دراميةً تليقُ برواية:
 "قبل الجريمةِ بساعات" 
وطبعًا سيتضح لنا أن الجريمةَ هى مقتل جيفارا، وأن الساعاتِ الدالة على الزمن هى "قلب" القصيدة، حيث "الزمن مصنوعٌ من المطاط" كما أنه زمنٌ راكدٌ "لا بد من حجر يحرك أمواج السبخة".
 القصيدة تتحدث بصوت جيفارا، كما أنها تستعرض عددًا من الأعداء (الرموز) مثل (التماسيح والخراتيت)، حيث إنهم "طغاة يدوسون بأحذيتهم على الخيال".
....
وفى قصيدة "مقعدٌ هزازٌ عند نهاية العالم"
من الدوال التى اعتمد عليها الشاعرُ فى ديوانه دال "المطر" ذلك المخادع فى قصيدة "صيادون وجثث"، وهو دليل نهاية العالم فى "مقعد هزاز عند نهاية العالم" حيث "السماء تبكى على البشر قبل أن تغرقهم".
...............
وقصيدة "قيد الحياة"
نجد أن الحياة قد انحصرت حتى وصلت إلى الرضا بالقليل: 
البقاءُ على قيد الحياة 
مهمّتكَ الأساسية
إلى أن تأتىَ الحياة
...........
إن هذه القصيدة لا تشجع على البطولة بالمعنى الذى نفهمه (المعنى الاندفاعى) فالبطولة هنا مجرد لحظة وتنتهى، والذات الشاعرة هنا "عاقلة أكثر من اللازم" تدفعنا لرؤية الحياة بصورةٍ حقيقيةٍ بعيدًا عن خيال الشعراء وأحلامهم غير الواقعية، وهو ما أشرنا إليه فى البداية من كون كريم عبد السلام هنا يغرد بعيدا عن الخيال الطبيعى للشعراء.
..........
أما "يوميات مقهى البستان"
فلدينا عشرون نصًا تحكى عما رآه الشاعرُ الجالسُ فى مقهى البستان، إنها بمثابة يوميات للعالم المحيط ليس فيها شيءٌ سوى الألمِ وضياع الأحلام.
يحتوي النص على تفاصيل كثيرة وأنماطٍ مختلفةٍ من المتألمين، وتقريبا الجميع فى وضع صعب، ما بين رجلٍ يعرض طفلته للبيع ويحتفظ بدميتها، وأمهاتٍ يطحن الحصى، وغرباءٍ يطاردهم الشتاء والليل، وفلاحينَ يزرعون خيالات مآتة بدلا من القمح.
...........
وفى "عندما أردنا أن نغيره.. ضحك العالم"
هذه القصيدة سخريةُ من الذات ومن الأفكار البريئة ومن كلامنا الكثير المفخم الذى يتوعدُ العالم بأنه سيغيره وأنه سيأتى بعالمٍ أجمل وأفضل، لكن الواقع ليس كذلك، الواقع قاس، وعقولنا حالمةٌ مثل صبية:
... 
لقد كنا صبيةً عندما فكرنا فى ذلك:
لكنها اللطمات والمرارات
صبغت شعورنا بالأبيض فى غمضة عين
وملأت عيوننا بالدموع
وأضعفت أنيابنا
وأنستنا حبيباتنا ونجماتنا
بينما العالم الذى ظل على حاله،
 
............
قصيدة "ضد توم كروز"
لقد رأيتُ فى هذه القصيدة روحَ المقاومة التى تنشدها الذات الشاعرة، لكنها مقاومةً سلبيةً تقول "لندع كل شيء يتدمر" وفى ذلك المحاولة الحقيقية لنجاة الإنسان.
ماذا سيحدث؟
ستنطبقُ السماءُ على الأرض
ستتناثرُ الأرضُ أشلاءً
نحن ميتون فعلا
من قال إننا موجودون على الأرض
من قال إن لدينا ما نخاف عليه
 
 
وفي النهاية يواصل كريم عبد السلام مشروعه الشعرى بثقةٍ، فهو يعرف ما يريد قوله، ولا يسمح للتداعى بأن يغلق عليه باب الشعر، وكل التقنيات الفنية التى لجأ إليها من (جمل قصيرة، واستخدام للعطف) كانت مهمة وضرورية كى تكشف حالة الإرهاق التي وصلنا إليها، كما أن استخدام "الدراما" محاولةٌ حقيقية لكشف كم الألم فى حياتنا الواقعية.
 
 








الموضوعات المتعلقة

تلاميذ مصر يزورون متاحفها

الأحد، 31 أكتوبر 2021 10:16 ص

أتوبيس الفن الجميل

السبت، 30 أكتوبر 2021 09:41 ص

المكتبة المتنقلة.. وتلاميذ المدارس

الأربعاء، 27 أكتوبر 2021 09:19 ص

"الكتب خانة" مشروع مهم.. أين ذهب؟

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021 09:18 ص

محمود دياب

الإثنين، 25 أكتوبر 2021 09:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة