أكرم القصاص - علا الشافعي

دينا شرف الدين

مكارم الأخلاق.. "الحياء" 12

الأحد، 02 أكتوبر 2022 05:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"إذا لم تستح فافعل ما شئت"..، أما عن الأخلاق فبها من الفضائل والقيم ما يجعلنا لا نتوقف ولا ننتهي من الكتابه عنها،  ليس فقط في عشرات المقالات بل المئات منها.

 

فالأخلاق كما نعلم هي المنظم الأساسي للمجتمع، وهي التي تحكم العلاقات بين الناس وتضعها في أُطُر وأشكال معينة، ربما تكون متسقة مع بعضها البعض في مجتمع هادئ مستقر متناغم، يسوده الأمن والأمان والثقة والاطمئنان.

أو غير متسقة في مجتمع غير متآلف به ما به من أسباب التفكك و الإنحدار وهذا هو المأذق الحقيقي.

 

والفضيلة الأخلاقية التي نتناولها في مقال اليوم "الحياء" نفتقدها كثيراً في تلك السنوات، ونود البحث عن أسباب اختفائها ومحاولة استعادتها وإحيائها من جديد، نظراً  لشدة أهميتها  وتأثيرها المباشر على العلاقات الإجتماعية بين الناس داخل المجتمع.

 

فإذا تذكرنا سنوات الخير والصلاح عندما كان المجتمع بخير والعلاقات الإجتماعية سليمة مستندة تلقائياً علي قيم  خلقية وعادات وتقاليد لا يتخطاها إلا كل من يكون بنظر الآخرين خارج عن النسق الاجتماعي أو بمعني آخر  ذو سلوكٍ شاذ و مستغرب!

       •     و قد كان (الحياء) علي رأس هذه القيم الأخلاقية بل ودرة تاجها المرصع بالكثير من الجواهر  الثمينة.

 

       •     فكما قال عليه الصلاة والسلام:

       •     {إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء}.

 

 فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، يقول عنه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:

 {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه}.

 

*قال الراغب:

 (الحياء انقباض النفس من القبيح).

 

وقيل: هو خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح.

 

       •     و قد حث المولى عز وجل في كتابه الكريم  على فضيلة الحياء:

 

فقال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].

 

*(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ).       [ (البقرة: 26]

 

(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ). [القصص: 25]

 

       •     و كذلك وردت في الكتاب المقدس (الإنجيل)  آيات تحث على الحياء:

 

*"لا تستحي حياء به هلاكك".                                 

  سفر يشوع بن سيراخ 4: 27

 

*"اَلصِّدِّيقُ يُبْغِضُ كَلاَمَ كَذِبٍ، وَالشِّرِّيرُ يُخْزِي وَيُخْجِلُ"     

سفر الأمثال 13: 5

 

فكما كنا نسمع دوماً عن آبائنا و أجدادنا  المقولة الشهيرة

إذا لم تستح فافعل ما شئت.

 

وقد صدق القول بحق فمن يتخلى عن حيائه لا يبالي بأفعاله أياً كانت و لا يبالي أن يتأذي بها من حوله و لا يهتم  بعواقب تصرفاته ولا نظرة المجتمع له على الإطلاق!

 

فقد كنا منذ زمنٍ ليس ببعيد نري الحياء  في أوجه الناس وسلوكياتهم  وخاصة النساء اللاتي كان الحياء من أهم وأبرز صفاتهن، فقد كان بحق خجلهن له حُمرةٌ  جميلة تعلو خدودهن  حينما يستلزم الأمر .

أما الآن فقد طغت تطورات العصر الحديث علي كل القيم والعادات والتقاليد العتيقة التي تربينا عليها، ولم تترك لها أثرا في نفوس الغالبية العظمي اللهم إلا قليلا!

 

فلم تعد هناك اعتبارات تضعها البنت بحسبانها لتحتفظ بصفاتها المفترضة كأنثي وعلي رأسها الحياء الذي كان!

حيث باتت تصرفاتها في كثير من الأحيان أشد عنفاً من الرجال وأكثر تبجحاً وجرأة!

و هذا ما لا يليق شكلاً وموضوعاً بطبيعتها التي خلقها عليها الله والتي من المفترض أن تكون أكثر رقة وأشد حياء.

 

وكما ذكرت أن الحياء قيمة أخلاقية شديدة الأهمية فهي من أهم أسباب السلام الإجتماعي، فعندما يكون المرء حيّي غير متطاول أو مكشوف الوجه يكون غير مثير للمشاكل و استفزاز الآخرين من حوله.

مما ينعكس إيجابياً علي شكل المجتمع فتختفي منه  الصدامات و يتحسب كل واحد للآخر  احتراماً و تقديراً  وخجلاً.

 

فعندما كان الزمن طيباً، كان الجميع يمشي علي استحياء ويضع باعتباره دائماً وأبداً مشاعر الناس و يراعيها و يستحي أن يجرحها بشكل أو بآخر مما يخلق حالة من الوئام وتبادل المحبة والاحترام بين الجميع ، ومن يشذ عن هذا النسق المتين يعد خارجاً عن المألوف و مغرداً خارج  السرب!

 

أما الآن وفي ظل موجة التبجح و انكشاف الوجه واختفاء الخجل وانعدام الحياء، لم يعد هناك من يراعي مشاعر حتي أقرب الأقربين له ولم يعد هناك احترام واستحياء من الكبير  ولا عطف ورحمة بالصغير، فحقاً بات كل شخص يفعل ما يشاء و ما يحلو له دون مراعاة الآخرين و دون وضعهم بأي اعتبار،  مما يزيد ويضاعف من حالة التحفز  التي يشحن بها كل شخص نفسه ضد الآخر دون أي أسباب منطقية، ولكن تحسباً لأي فعل حتي وإن كان لا يستدعي هذا التحفز!

 

فهل لنا من عودة أعزائي لإحياء  مكارم الأخلاق  و علي رأسها (الحياء) لنستعيد هدوئنا وسماحتنا واستقرارنا وننفض  غبار  السنوات الذي تراكم طبقات فوقها طبقات ليخفي ويمحي آثار الزمن الطيب بكل قيمه وسلوكياته وأخلاقياته،

تلك التي كانت الضامن الوحيد لتماسك و ترابط و استقرار  هذا الشعب الطيب و هذه الأرض الطيبة؟

 

       •     وخير ختام لمقال اليوم عن فضيلة الحياء، كلمات الحييّ الأمين محمداً صلي الله عليه وسلم:

 

عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» أخرجه الترمذي والبيهقي.

 

وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

« إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». أخرجه البخاري.

 

وإلى لقاء قريب مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم  الأخلاق.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة