سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 11 أكتوبر 1516 .. «طومان باى» سلطانا على مصر بعد امتناعه خمسين يوما خشية غدر أمراء المماليك ويقبلها تحت ضغط مشايخ الصوفية

الأربعاء، 11 أكتوبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 11 أكتوبر 1516 .. «طومان باى» سلطانا على مصر بعد امتناعه خمسين يوما خشية غدر أمراء المماليك ويقبلها تحت ضغط مشايخ الصوفية طومان باى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دخل الأمراء المماليك العائدون من معركة مرج دابق إلى القاهرة، واجتمعوا بمن كان بها من أمراء، واستقر رأيهم على اختيار الأمير طومان باى سلطانا للبلاد، إلا أنه تمنع ورفض اختيار الأمراء له للسلطنة، لإدراكه فداحة ما تعانيه البلاد من مشاكل ومدى تدهور الأحوال الاقتصادية والعسكرية، حسبما يذكر الدكتور عماد الدين أبوغازى فى كتابه «طومان باى الشهيد ».
 
جاء هذا الاختيار بعد هزيمة جيش المماليك، بقيادة السلطان قنصوة الغورى، أمام العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول يوم 24 أغسطس 1516، وسقوط الغورى صريعا فى ساحة المعركة، ويذكر «أبوغازى» أن أخبار الهزيمة وتفاصيلها لم تصل إلى القاهرة فور وقوعها، وظلت الأخبار غائمة لأسابيع مارس فيها طومان باى سلطاته كنائب للغيبة، وهو المنصب الذى عينه فيه «الغورى» حين خرج إلى الشام لملاقاة العثمانيين فى مرج دابق.
 
كانت إنجازات طومان باى، خلال فترة «نيابة الغيبة » كثيرة، و «كان محببا للرعية قليل الأذى فى حق الناس »، وفقا لما ينقله «أبوغازى» عن «ابن إياس » فى الجزء الخامس من كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور »، مضيفا، أنه اهتم بضبط الأمن فى البلاد، فعقب عودته من وداع السلطان الغورى فى الريدانية، نادى بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن أحدا لا يمشى من بعد العشاء بسلاح، وأن لا مملوكا ولا غلاما يشوش على متسيب، وأن من كان له ظلامة أو حق شرعى على أحد ولم يدفعه له، فعليه بباب الأمير الدوادار، وأمر والى القاهرة بالطواف كل ليلة بعد العشاء وحتى مطلع الفجر فى المدينة، وبصحبته نحو مائة من المماليك للحفاظ على الأمن، كما كان يخرج بنفسه كل يوم فى موكب يضم الأمراء والعسكر المتخلفين بالقاهرة، فيسير إلى المطرية وبركة الحاج ثم يعود من باب النصر حتى يشعر الناس بهيبة الدولة.
 
يذكر «أبوغازى» أنه بعد أن وصلت إلى القاهرة أخبار ما جرى فى مرج دابق، وثبتت وفاة السلطان الغورى فيها، كان طومان باى مؤهلا لتولى السلطنة، لكن لم يسارع إلى توليها، وانتظر عودة الجنود المصريين من الشام واستقبلهم، وظل منصب السلطنة خاليا، واستمر طومان باى يمارس مهامه كنائب للغيبة من منزله ولم يصعد إلى القلعة، وحاول خلال فترة الاضطراب التى سادت البلاد فى شهرى شعبان ورمضان سنة 922 هجرية أن يضبط أمور البلاد، ويواجه الفوضى والارتباك والتمردات المتوالية للماليك.
 
رفض «طومان باى» تولى السلطنة بعد هزيمة مرج دابق ومصر، قنصوة الغورى، لأسباب يذكرها الدكتور عبدالمنعم ماجد فى كتابه «طومان باى آخر سلاطين المماليك فى مصر »، قائلا: «امتنع طومان باى فى أول الأمر غاية الامتناع، وذلك خوفا من غدر المماليك وتعودهم على العصيان، إذ إن خيانتهم للسلاطين وانقلابهم عليهم كانت من سمات حكم المماليك فى مصر، وظل ممتنعا خمسين يوما، إلا أنه قبلها بعد ذلك تحت ضغط رجال الدين فى مصر، وخاصة ضغط عالم وشيخ كبير منهم اسمه «أبوالسعود الجراحى»، وكان من مشايخ الصوفية الذين كانت لهم مكانة خاصة لدى سلاطين المماليك، حيث إن زمنهم هو زمن كبار المتصوفة فى مصر، مثل أحمد البدوى والشاطبى والشاذلى وأبوالعباس وغيرهم، فكان رجال الدين المصريون يأتون بالأمراء المماليك ويجبرونهم على وضع أيديهم على مصحف شريف، يحلفون عليه أنهم إذا سلطنوه لن يتآمروا ولا يغدروا ولا يثيروا شغبا، وأنهم ينهون مظالم المسلمين قاطبة ».
 
تمت مبايعة «طومان باى» يوم الجمعة سنة 922 هجرية، 11 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1516، بنفس طريقة مبايعة السلاطين قبله، ولكن بشكل مختصر لظروف الحرب ضد العثمانيين، وفقا لتأكيد عبدالمنعم ماجد، مضيفا: «ذهب طومان باى فى فجر ذلك اليوم، ومعه الأمراء الذين أقسموا أنهم لن يغدروا به، وقدامهم الفوانيس والمشاعل لإنارة الطريق، وركب طومان باى من بيته إلى مكان الاحتفال بالقلعة، ولبس على رأسه عمامة صغيرة مدورة سوداء بعذبة ترسل بين كتفيه، وعلى جسده رداء بسيط أبيض، وكذا لبس الأمراء الذين صحبوه، فعقدت بيعته فى مكان اسمه «إيوان »، يقع عند باب السلسلة، وهى القاعة الفخمة ذات الأعمدة، وقد غطيت حوائطها وأرضها بالرخام والفصوص المذهبة، كما ذهب سقفها، فجلس فى أعلى مكان على كرسى المملكة، وهو على هيئة منبر مرتفع من رخام وعاج وأبنوس ».
 
يذكر «أبوغازى»: «بدت مظاهر التقشف واضحة على موكبه، فقد كانت الزردخاناه «خزانة السلاح الخاصة بالسلطان » خاوية، ولم يجدوا فيها سرحا ذهبيا لفرسه ولا قبة ولا طير، ولا غواشى ذهبية كما هى العادة، ورغم أن طومان باى لم يبق فى السلطنة سوى ثلاثة أشهر ونصف الشهر، فإنه ضرب السكة باسمه خلال هذه الفترة القصيرة ».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة