محمد أحمد طنطاوى

عندما تكون المقاطعة من أيفون 15 بروماكس!!

الثلاثاء، 07 نوفمبر 2023 03:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"إن العمل السنوي لكل أمة هو رأس المال، الذي يمدها بما تستهلكه من ضروريات الحياة وكمالياتها، والتي تتكون دائماً إما من الناتج المباشر لهذا العمل أو مما يُشترى به من أمم أخرى"، آدم سميث، عالم الاقتصاد الاسكتلندي الشهير، ومؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي "1723 - 1790"، في مقدمة كتابه المعروف "ثروة الأمم"، الذي يتحدث عن ربط الثروة بالقدرة على الإنتاج، وحرية التجارة، والتأكيد على أن الاستهلاك هو الهدف الأساسى لكل إنتاج.
 
استدعائي لكلمات آدم سميث، ليس أكثر من محاولة جادة لفهم ما يدور عبر الفضاء الإلكتروني من أحاديث صاخبة عن مقاطعة السلع والبضائع، وطرق المواجهة للدول التي تدعم إسرائيل في حربها ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، لدرجة صارت معها بعض المطاعم الشهيرة والعلامات التجارية خالية تماماً من الزبائن، ولا تجد من يدخلها، بعدما كان روادها لا ينقطعون، لذلك يبدو لي أن  السؤال الأهم في قضية المقاطعة يكمن في هل السلع الغذائية والمنتجات الاستهلاكية الصغيرة وحدها ذات جدوى وفاعلية ويمكنها أن تخفف الضغط على اقتصادنا، وتجعل الأعداء يتوقفون عن حربهم ضد الأبرياء؟ ! الحقيقة السؤال أصعب مما قد يتصور البعض، فأحاديث السوشيال ميديا غالباً ما تكون أسهل كثيراً من الاقتصاد ودوائره المعقدة، التي تتصل بمختلف مناحي الحياة، لكن سنحاول الإجابة على السؤال في السطور المقبلة متى استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
 
من وجهة نظرى أتصور أن الخلل الأكبر في دعوات المقاطعة التي انطلقت مؤخراً للسلع الأجنبية أنها "منقوصة"، ولا تتم بصورة تخدم الهدف الذي نقصده جميعاً، فارتباط المقاطعة بالسلع الغذائية الاستهلاكية فقط لا يجعلها تحقق الهدف منها، ما دامت السلع المعمرة والقطاعات الصناعية الكبرى، وأدوات الإنتاج خارج هذه المقاطعة، فلم يحدثنا أحد عن السيارات المستوردة  أو السلع كثيفة الاستخدام، التي يأتي أغلبها من الخارج وفاتورتها الضخمة تكلفنا مليارات الدولارات سنوياً، دون أن يكون لها بدائل مصرية أو عربية أو حتى شرقية مناسبة.
 
لماذا لا يتحدث أنصار المقاطعة عن العملات الأجنبية الصعبة، وسوقها السوداء التي تأكل الأخضر واليابس وتضرب الاقتصاد في مقتل، وتضغط على العملة المحلية، وتضعنا دائماً تحت الضغوط والظروف التي لا تخفى على أحد، فلماذا لم تمتد المقاطعة للدولار واليورو، تلك العملات التي يجمعها البعض من الأسواق بغرض المضاربة والمراهنة على العملة المحلية، وهذا يعتبر أجدى وأنفع بكثير من مقاطعة سلع ومنتجات وخدمات مصرية يتقدم تقديمها من خلال شركات متعددة الجنسيات بنظام "الفرانشايز"، فالحقيقة نحن نشعر بالحرج من استخدام المنتجات الأجنبية، لكن لا حرج من استخدام العملات الأجنبية والمضاربة فيها واكتنازها ورفع أسعارها، ما دام الموضوع يحقق مكاسب ويرضي أطماعنا.
 
بالطبع قرار المقاطعة من عدمه أمر شخصي، ويخضع لتقديرات تخص أصحابها، وقد يكون فرصة حقيقية لتعظيم الإنتاج المحلي وإعطاء فرصة لتشغيل آلاف الشباب وتحريك الاقتصاد المحلي بصورة أفضل، لكن في الوقت نفسه قد تكون له عواقب كارثية حال توسع الشركات المحلية في خطوط الإنتاج وتشغيل عمالة كثيفة، ثم بعد ذلك يتراجع استهلاكها مرة أخرى، نتيجة التخلي عن المقاطعة، أو ظهور مشكلات تتعلق بالجودة وعدم القدرة على المنافسة، حينها ستغلق أبوابها إلى غير رجعة، وتلجأ إلى تسريح العمالة، لذلك لا يجب أن تحركنا العواطف، وتتملكنا أكاذيب السوشيال ميديا.
 
قضية الفرانشايز أو حق الاستخدام التجاري لبعض العلامات أو "البراندات" الأجنبية  لها أبعاد عديدة ولا يمكن أن نحكم عليها من خلال منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو ورقة منتشرة تحمل أسماء وعلامات تجارية مطلوب مقاطعتها، فهذه الشركات وإن كانت المؤسسة الأم تحصل على جزء من أرباحها سنوياً، لكنها تبقى خاضعة للقوانين المحلية، ومن يعملون بها يتقاضون رواتبهم بالعملات المحلية، وتدفع الضرائب المستحقة وفق القانون المحلي، وتشغل مئات الآلاف من العمال والإداريين والفنيين سنوياً، كما أنها تقدم منتجات وخدمات بجودة يتفق عليها أغلب الناس، وإن كانت أسعارها لم تعد تتناسب مع الطبقة المتوسطة وأبناء الموظفين.
 
لماذا لا يتحدث أحد عن مقاطعة الأدوية المستوردة واستخدام البدائل أو المثائل المصرية عوضاً عنها، لماذا لا تمتد المقاطعة لأجهزة التليفون المحمول وهواتف " أبل" الشهيرة، التي تحظي بمتابعة غير مسبوقة من المصريين ويصطفون بالطوابير لشراء إصداراتها الحديثة حال الإعلان عنها، رغم أسعارها الخيالية، مع العلم أن هذه الهواتف أمريكية الصنع، ولا يوجد في مصر خطوط إنتاج لها أو مصانع، فقط مراكز  بيع  وصيانة محدودة العمالة.
 
البعض يحاول استدعاء تجربة روسيا في التخلي عن المنتجات الغربية، بعد الحرب مع أوكرانيا ويراها نموذجا يمكن تطبيقه في الوقت الراهن، لكن الأمر يختلف بصورة كبيرة، خاصة أن موسكو كانت تعد نفسها لهذا الإجراء منذ فترات طويلة، وكان لديها بدائل عملية جيدة لكل السلع والمنتجات والخدمات التي تعتمد عليها من الخارج، بالإضافة إلى قدرتها الاقتصادية الكبيرة، والموارد الطبيعية التي تمتلكها، فقد استبدلت شركات الأغذية والمشروبات العالمية بأسماء روسية، واحتفظت بالعمالة المدربة، لكن هذا الأمر استغرق سنوات من الإعداد والتجهيز، ولم يرتبط بالسلع الغذائية فقط، بل شمل كل المجالات الاقتصادية، بما في ذلك الأنظمة المصرفية والتحويلات البنكية، حتى صارت روسيا تعتمد نظامها الخاص في التحويلات المالية بين البنوك  بعد خروجها من نظام سويفت العالمي، ويعرف باسم "اس بي اف اس"، لذلك لم يتأثر اقتصادها ولم ينهار كما ادعت أمريكا والغرب، نظرا للاستعداد الجيد للتخلي عن أوروبا وأمريكا منذ أكثر  من 10 سنوات سبقت الحرب.
 
نحتاج في الوقت الراهن إلى تشجيع كل منتج مصري بمكونات محلية كاملة، في المقابل  لا نحتاج أي منتج أجنبي مستورد يكلف الدولة عملة صعبة ويضغط على الاحتياطي من العملات الأجنبية، سواء كان للأمر علاقة بقضية الحرب الإسرائيلية على غزة أم لا، خاصة أن مصر ليست بعيدة عن هذا الصراع الاستعماري الدولي، الذي يحاول منذ سنوات عديدة إحباط خطط التنمية والتأثير على قيمة العملة الوطنية وإضعاف قدرتها الشرائية، فالقضية واضحة وأبعادها يمكن تمييزها بسهولة، ولا يمكن  بأي حال أن تقتصر المقاطعة على بضعة سلعة غذائية من خلال حملات لا تنقطع عبر الفضاء الأزرق، وفي الوقت ذاته نجد من يراهن على العملة المحلية، ويخفضها لأكثر من 30% من قيمتها بين عشية وضحاها، طمعاً في المكسب، حتى لو كان على جثة الاقتصاد، ومستقبل الأجيال المقبلة، والطبقات الفقيرة التي ستدفع الثمن، لذلك أتصور أن المقاطعة قضية ينقصها الوعي، وتحركها الأهواء، ويجب أن تنتقل من مجرد منشورات وصور على السوشيال ميديا إلى منهج واضح وأسلوب علمي يضمن التنفيذ ويحفز على الاستمرار.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة