أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد سيد ريان

بعد موجات الذكاء الاصطناعى.. هل يستطيع الإنسان الإنجاز مثل الروبوت؟

الأحد، 19 مارس 2023 04:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع طوفان تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى زادت مع نهاية العام الماضى وبدايات الربع الأول من 2023، أصبح الجميع على موعد دائم مع تجربة جديدة لتطبيقات مستحدثة تقوم بإنجاز الكثير من الأعمال التى ينجزها البشر فى دقائق وثوان معدودة، والحقيقة أن الحدث الأكثر شهرة فى هذا المجال كان إعلان شركة  openai عن روبوت المحادثة ChatGPT الذى أبهر الكثيرين بردوده واستجابته للأسئلة، والحقيقة أنه ليس وليد اللحظة بل تم تدريبه على نماذج لغوية ومعارف ضخمة بحيث يكون قادراً على الرد بمنطقية ومهارة وسرعة.

وقد كان إعلان نسخته الأولى فى نوفمبر2022، ثم كان الحدث الأكثر تسويقاً وهو إطلاق النسخة المعدلة منه وهى GPT4  منذ أيام قليلة بصورة مدفوعة وتثير اهتمام الكثيرين .

ولعل أبرز المهام التى يقوم بها تتلخص فى الإجابة عن الأسئلة، وإنتاج نصوص جديدة (مقالات، تقارير، خطابات، رسائل.. إلخ)، وتحليل النصوص بصورة كبيرة وهى مهارة مهمة تتوفر به، بالإضافة لمهام مثل الترجمة والتنسيق وتقديم الاستشارات وكتابة الإعلانات والأكواد البرمجية وغيرها من الأمور.

وبمجرد استخدامه والتهليل له من بعض الفئات ثارت موجة من الانتقادات لمدى تأثيره على بعض المهن والوظائف، وخصوصاً فى المجالات المكتبية والبحثية.

والذكاء الاصطناعى عموماً بالنسبة للمتخصصين فى المجالات الرقمية ليس مفاجأة، ولكن الفكرة التى تمت كان خروجه من داخل الشركات العملاقة ومراكز الأبحاث لعامة الناس وإتاحته لهم بمثل تلك السهولة.

الفكرة أننا على موعد مع سؤال آخر بعد أن نجحت الآلة فى إنجاز العديد من المهام الإنسانية وهو: هل تنجح العملية العكسية بجعل الإنسان كالحاسب الآلى تحكمه قوانين صارمة وأنظمة وبرمجيات توجه تفكيره وسلوكه وتحكم تصرفاته؟!

وهو سؤال ليس جديداً بل طرح من قبل كثيراً قبل الموجات الأخيرة من الذكاء الاصطناعى الحاد،  ويعد كتاب "الذرة الاجتماعية ..  لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً للعالم والمفكر الكبير مارك بوكانان، من الكتب الرائدة فى مجال العلم الاجتماعى، وبالمناسبة الكتاب متاح بالعربية منذ سنوات بترجمة رائعة لأحمد على بدوى، وتقديم متميز للخبير الاجتماعى والتربوى الراحل الأستاذ الدكتور حامد عمار، والفكرة العامة التى ينادى بها الكتاب هى أن الناس عبارة عن ذرات فى مادة اجتماعية، يمكن أن تتيح تفسير كثير من الأنماط، التى تنبعث مرة تلو أخرى فى جميع المجتمعات الإنسانية.

وهو ما أنتج فرعا من العلوم يسمى "الفيزياء الاجتماعية"، فعلم الفيزياء يبذل جهداً كبيراً لفهم الكيفية التى تتجمع بها الذرات مع بعضها البعض، وتكون جميع المواد التى نعرفها: بعضها لزج والبعض الآخر منفلت (كالزئبق)؛ بعضها موصل للكهرباء وغيره ليس كذلك، فالماسات لا تضىئ ببريقها، لأن الذرات تجعلها تومض، بل بسبب الكيفية التى بها تكون الذرات معاً نمطاً معيناً، وفى كثير من الأحوال تقل أهمية الأجزاء عن تلك التى للنمط . هذا بشأن المادة، وهو كذلك بشأن الناس.

ويشير المؤلف أيضاً إلى أن الأزمة تكمن فى صعوبة التوصل إلى قوانين علمية ثابتة تحكم السلوك البشرى، والمقصود بالقانون العلمى هنا يعنى إيجاد نمط يصدق وجوده وتطبيقه على حالة تلو أخرى، وبذلك نستطيع فهم طبيعة الأحداث والأفكار الإنسانية كما هو الحال مع طبيعة عمل الأشياء.

ويوضح بوكانان أنه على الرغم من الناس أكثر تعقيداً من الذرات أو الأحجار، إلا أن الأمل موجود فى تحقيق العلم الاجتماعى لنتائج مشابهة للفيزياء. فعليك أولاً أن تفهم طابع الذرات الاجتماعية، ثم تعرف ما يحدث عندما تتفاعل أى من هذه الذرات مع بعضها البعض؛ منشئة عالماً حافلاً بالأنماط والنواتج الاجتماعية.

ويضع المؤلف بالكتاب يديه على أخطر ما يواجهنا عند محاولة التنبؤ بالعالم الإنسانى وهو العناد البشرى، وكما قال الفيلسوف البريطانى كارل بوبر، بأن "ما يتاح للإنسان بفضل حرية إرادته من قدرة من الإتيان بأفعال غير مسبوقة (إبداعاً وابتكاراً وعلماً) يكفى وحده للحيلولة دون أى تكهنات بمستقبل التاريخ الإنسانى".

قد يعتقد الكثيرون أن الكتاب ما هو إلا تنظير اجتماعى لا علاقة له بالواقع المعاش، لأن فكرته تبدو وكأنها تبحث عن يوتوبيا أو مدينة فاضلة إنسانية من خلال التوصل لقوانين صارمة تحكم البشر. لكن المؤلف يؤكد أن كتابه منغمس فى المشكلات الحياتية لأغلب الناس، فهو يناقش الثروة والسلطة السياسية وأحقاد الطبقات والتمييز العنصرى، والأزياء وأعمال الشغب والأسواق المالية، وهو يتناول المفاجآت الاجتماعية: تلك الأحداث والتغيرات التى تطرأ دون أن ينشئها شيء، وتبدل فى حياتنا، وعن تفسير تقصيرنا هذا عن إدراك أسبابها، والواضح من ردود أفعالنا تجاهها.

والحقيقة أن الحل من وجهة نظر بوكنان يكمن فى دعوة الناس للتعاون فى العمل والإنتاج، وهو ليس يسيراً بسبب التهديد الدائم الذى مصدره احتمال الغش والفساد الإدارى، ووجود أفراد أنانيين يضنون بمجهودهم، بينما ينالون نصيبهم كاملاً من عائد الأرباح من إنتاج الجماعة ككل. فأحيانا يعتقد الكثيرون أن الدخول فى شركة ليس ضماناً لدخل مرتفع، فقد يتحمل نتيجة لذلك عبء مكان عمله كاملاً مكان المتهربين من العمل، ويبذل جهدا كبيرا من الذى كان سيبذله لو انفرد بعمل مستقل، ولذلك نجد فى كثير من المجتمعات الفقيرة النزوع للعمل الفردى وقلة الرغبة للتوحد والعمل الجماعى والسعى للابتكار، ضمن مجموعات تختلف نوعياً لأنه فى رأيهم يصب فى مصلحة غيرهم الذين يزدادون ثراءاً بينما يزداد الفقراء فقراً .

أعود مرة أخرى إلى ما يجرى الآن وربطه بما جاء بهذا الكتاب القيم، فالحقيقة أن أسوأ ما يعطل البشر الآن ويجعلهم تحت رحمة الذكاء الاصطناعى بقسوة هما الاستهلاك والأنانية، ومتى استطاع البشر أن يتغلب عليهما بالسمات الأفضل، وهما الإنتاجية العالية القائمة على الإبداع والعمل الجماعى القائم على الوحدة والاتفاق سيحقق أقصى استفادة من كل الابتكارات بصورة تجعل البشر أكثر نجاحاً وإنجازاً .

النقطة الختامية من الموضوع وهى هل الذكاء الاصطناعى سيكون خيراً أم شراً خالصاً على بعض الوظائف والمهن، والحق يقال فهو حتى الآن يبدو مساعداً لطيفاً وينجز الكثير من المهام فى وقت قياسى ولا يمكن أن يتم تجاهله عملاً بالقاعدة الشهيرة " ما لا يدرك كله لا يترك جله"، ومن سيتخلف عن استخدامه سيتأخر كثيراً كغيره من المستحدثات الرقمية.

أما عن المستقبل وفى إطار السياقات، أو الأفكار التى عرضناها؛ أجد نفسى مشدودًا لأن أضع نفسى والجميع فى مفترق طرق تحتمل احتمالات عديدة مرهونة بمدى الوعى الإنسانى.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة