بيشوى رمزى

روسيا والصين.. ونظرية "فك الارتباط"

الثلاثاء، 28 مارس 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو مفهوم "التقسيم" مرتبطا إلى حد بعيد بالصراعات الدولية، التي يشهدها النظام العالمي، في مختلف المراحل، بينما تتجلى في أبهى صورها في مراحل المخاض، التي تفتح الباب أمام حقبة جديدة بالمشهد الدولي، على غرار اللحظة الراهنة، حيث يبقى تفكيك معسكرات الخصوم بمثابة أولوية قصوى، لدى القوى الدولية المتنافسة، وهو ما يبدو على سبيل المثال في المحاولات المستميتة التي بذلها الغرب خلال الأشهر الماضية لفك الارتباط بين روسيا والصين، في إطار حالة من الاستقطاب شهدتها بكين، ربما كان لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره شي جين بينج، في نوفمبر الماضي، أبرز مشاهدها، وما تلا ذلك من حالة من الانفتاح الجزئي، من قبل حلفاء واشنطن، على الحكومة الصينية، بعد سنوات من المقاطعة إثر الحرب التجارية التي اندلعت منذ سنوات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
 
مخطط الغرب في فك الارتباط بين موسكو وبكين، لم يحقق أيا من أهدافه، وهو ما تجلى في زيارة الرئيس الصيني لموسكو، في الأيام الماضية، والتي تبرز أهميتها القصوى في توقيت إجراءها، حيث أنها أول زيارة خارجية يقوم بها "شي"، منذ إعادة انتخابه، وهو ما يعكس الأولوية التي تحظى بها روسيا في أجندة الصين، بينما تأتي في أعقاب نجاح تاريخي لـ"التنين" الصيني، في إبرام اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، من شأنه إنهاء سنوات من الصراع، في منطقة الشرق الأوسط، فيما يمثل اختراقا فشلت واشنطن في تحقيقه، رغم هيمنتها المطلقة على المنطقة لأكثر من ثلاثة عقود كاملة، وهو ما يعكس قدرتها على القيام بدور ملموس في الأزمة الأوكرانية، والتي تبقى الأهم والأكبر على الساحة الدولية، وهو الأمر الذي يلقى ترحيبا روسيا.
 
ولكن بعيدا عن الوساطة الصينية في الأزمة الأوكرانية، يبقى التساؤل الذي يثور حول نطاق "التوافق" الصيني الروسي، حول أهداف كلا منهما تجاه الغرب، خلال المرحلة المقبلة، سواء بصورته الجمعية (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية)، أو على المستوى القارى، والمتمثل في المشهد الأوروبى، والذي يعد المتضرر الأكبر، جراء انتقال دائرة الصراع المباشر إلى مناطقة الجغرافية، في ضوء العديد من المعطيات الدولية والإقليمية، سواء المرتبطة بتطورات الأزمة الحالية، أو المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا، خاصة مع محاولات الغرب المتواترة لحصار موسكو، جغرافيا، تارة عبد أوروبا في صورة الاتحاد الأوروبي، أو تارة أخرى، عبر المعسكر الغربي من خلال توغل الناتو إلى مناطقها الجغرافية.
 
وهنا تبدو حالة من الخلاف، حول مفهوم "فك الارتباط" بين موسكو وبكين، فالأولى ترى أن تقويض حالة "الاتحاد" القاري بمثابة "أولوية"، مرحلية تمهيدا لإنهاء "المعسكر" الجمعي، خاصة وأن أوروبا الموحدة، تمثل مصدر الشرعية للقيادة الأمريكية للغرب بصورته الجمعية، بينما تبقى أولوية بكين مختلفة، فهي تسعى لـ"فك الارتباط" بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة، بينما لا تمثل بقاء حالة الاتحاد من عدمها أي مشكلة، بل أنه من الممكن استخدامها لخدمة أهداف بكين، في حشد القارة العجوز، لخدمة دورها، سواء عبر إضفاء المزيد من الشرعية لدورها المنشود كوسيط في الأزمة الأوكرانية، أو فيما يتعلق بالأبعاد الاقتصادية والتجارية، عبر تقديم بديل يمكنه ملء الفراغ الناجم عن حالة التخلي الأمريكي عن الحلفاء في أوروبا، خلال السنوات الماضية، خاصة فيما يتعلق بمبادئ حرية التجارة.
 
ولعل رؤية بكين حول موقع أوروبا، لا تقتصر على نطاق الدور الذي تسعى للقيام به فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وإنما تبدو ممتدة إلى المرحلة الدولية المقبلة، في ظل محاولاتها استقطاب أوروبا، في إطار مساعيها للحصول على أكبر قدر من الشرعية الدولية، للوصول إلى قمة النظام العالمي، حيث تتحرك نحو تضييق نطاق خصوماتها على المستوى الدولي، من جانب، ناهيك عن تجريد واشنطن من حلفائها، أو على الأقل تحييدهم، خاصة وأنهم لعبوا الدور الرئيسي في إضفاء الشرعية الدولية للهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم خلال العقود الماضية، من جانب آخر، بينما يبقى الموقف الروسي مرتبطا بالأمن، الذي طالما سعت أوروبا الغربية إلى تهديده، بالإضافة إلى التاريخ العدائي، منذ حقبة الحرب الباردة.
 
وهنا يمكننا القول بأن ثمة خلاف حول الأولويات، بين روسيا والصين، فيما يتعلق بالتعامل مع الغرب، سواء على المستوى القارى (الأوروبى)، أو الجمعي (المعسكر الغربي)، وهو ما يعكس التحول الكبير في العلاقة بين الحلفاء، من صورة "التحالفات التقليدية"، والتي تعتمد قيادة واحدة، يدور جميع أعضاء التحالف في فلكها، فيما يتعلق بمختلف الرؤى والقضايا الدولية، إلى حالة "التوافق"، التي ربما تعتمد منهج الشراكة، القائم على قبول فكرة الاختلاف، والعمل على الوصول إلى أرضية مشتركة، من شأنها تحقيق المصلحة للجميع، والتي تتجسد في رؤية موسكو وبكين، في خلق حالة من التعددية في ظل الحقبة الدولية الجديدة، بعيدا عن الهيمنة المطلقة لقوى واحدة.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة