خالد دومة يكتب: النزوح الأخير

الأربعاء، 05 يوليو 2023 02:00 م
خالد دومة يكتب: النزوح الأخير خالد دومه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعد سنوات من الرحيل، تبدو صورة الوطن الغائمة، الوطن الذي تمزق، وتشتت أبنائه في بقاع الأرض؛ بحثا عن الهوية الضائعة والملاذ، إنه الخراب الذي يطال النفوس، قبل البلاد، الهروب من أرض الحقيقة إلى السراب والتخبط، جيل عاش بين بين، ولد هناك، وعاش في بلاد غريبة، عاش على أمل، وضاع الأمل، فلا أمل دون أن يكون هناك أب وابن، أما الأباء فقد تركناهم، والأبناء استوطنوا الغربة، ولم يرتبطوا بأرض أبائهم، ولم يستطيعوا العودة، جيل مزقته الحرب، ولون الدم، والخوف، فالعودة أصبحت مستحيلة، والبقاء غربة، والذكريات تنغص علينا أعمارنا الباقية، الأرض وزوايا الشمس، ولون السحاب والهواء، كل شيء له مذاق هناك يختلف، ما صنعته الحروب، التشريد والسياحة في الأرض، نلتمس القوت والأمان في عالم مازال يبحث عن المجد، باغتيال الأنسان، سرقوا كل شيء، الأرض والأحلام، لم يتركوا لنا سوى الحزن والأسف والضياع.

لابد للإنسان من ذاكرة، من ماضي يبني عليه أيامه ومستقبله، من جذور تجعله يقف على قدمين ثابتتين، من دونها يظل عاجز، لا يقدر على فعل شيء، أو الحركة، إنها الوقود، الذي يعطي للحياة معنى، ويجعلها تسير وتمضي، أن يكون للإنسان جذر متأصل، حتى ولو كان بعيدا، وغارق في متاهات الماضي، فهو أيضا له معنى ووجود، أما أن يكون بلا هوية، ولا ماضي، بلا جذور، فذلك مهين للإنسان، وكرامة الإنسان، وهو شيء لا يتحمله، ولا يريد أن يتخيله، فما معناه، إذا تحقق إلا أن يكون، كماً مهملاً وأن جذوره هشه، لا قيمة لها ولا لوجودها، فالجذور إن كانت قائمة، فلحياة الإنسان معنى، ولو لم تكن، لصنعها الإنسان في أعماق ضميره، ولبنى عليها مستقبله وحياته، وأعطته الدافع للبقاء، والإستمرار، ففي بداية الحياة، يكون الإنسان مغرورا، متطلعاً إلى أبعد الحدود، وما إن يدرك الحقائق، وينظر إلى الحياة بشيء من عمق، حتى يجد موازينة أختلت، أو أصبحت أكثر نضجاً وفهماً وضوحاً، هنا يتعمق في الجواهر، تاركاً الظواهر، التي كانت تخلبه ببريقها الخادع، كأن الضوء الشديد يحجب عنه الرؤية الصحيحة، وعندما اعتاد بمرور السنوات، إدرك وعرف ما يجب وما لا يجب، وأدرك بعين بصيرته، ما لم يكن يستطيع أن يدركه من قبل، فأختلفت الموازين أو أصبحت أكثر دقة، كأنها كانت رحلة البحث عن الذات، أو عن الجذور، الذاكرة التي طمست، والنور الذي يبدو خافتا من هناك، وإشارات وعلامات، تقول وتنطق بالشواهد، وتمضي ويمضي قطار الحياة، ليقول إن من ها هنا، مر قلب، أو عقل، ومشاعر إنسان، تركت أثراً يكمل مسيرته نحو الحياة، أدرك رسالته، بأنه وجد الجذور، التي تركت فرعاً يطأ الأرض من بعده، وتظل تمضي الحياة إلى نهايتها المقدر لها.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة