بيشوى رمزى

"ثنائية" مصر والأردن.. وصياغة جديدة لـ"الجغرافيا الإقليمية"

الأحد، 13 أغسطس 2023 12:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شراكات متعددة، حرصت الدولة المصرية على عقدها في السنوات الماضية، كانت مدخلا لعلاقات أوسع، حيث اتسمت بطابعها "الثلاثي"، بينما اتسعت إلى نطاق أكبر سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، من حيث عدد الدول المشاركة، وكذلك امتدت في أفقها لتتجاوز مجالات التعاون التي دشنت من أجله في الأساس، وهو ما بدا أولا في الشراكة مع اليونان وقبرص، في مجال الغاز الطبيعي، والتي تجاوزت الحالة "الثلاثية"، إلى منتدى أكبر يضم عددا كبيرا من الدول (منتدى غاز شرق المتوسط)، في حين خرج من رحمه بعد ذلك ما يسمى بـ"منتدى الصداقة"، والذي يجمع بين الدول الثلاثة بالإضافة إلى فرنسا والعراق والأردن والسعودية والإمارات والبحرين، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لحالة إقليمية تتشكل، لا تبدو مقيدة بالجغرافيا التقليدية، وإنما تحكمها المصالح المشتركة، والعمل على تعزيزها.
 
ولعل الانطلاق من "الثلاثيات"، يمثل نهجا مصريا خالصا في عقد الشراكات الدولية والإقليمية في السنوات الماضية، حيث يعد خروجا عن الحالة "الثنائية" التقليدية، والتي تتأثر في أغلب الأحيان عن خصوصية العلاقة بين دولتين، بينما يبقى اعتماد الإطار "الثلاثي"، والتي ترجمتها القمم المصرية المتواترة، هو في واقع الأمر مؤشرا مهما لقابلية الشراكات التي تعقدها مصر للتمدد والاتساع، سواء على مستوى المشاركة الدولية، أو مجالات التعاون، وهو ما يعكس تعاطيا مهما مع الواقع الدولي الجديد، والذي أصبح يقوم على أساس من التعددية، بعيدا عن "الهيمنة" الأحادية، سواء على المستوى الإقليمي الضيق، أو الأفق الدولي المتسع.
 
إلا أن الحالة "الثنائية" ربما لم تكن غائبة عن الدبلوماسية المصرية، في ظل ما تحظى به من خصوصية، لا يمكن تجاهل أهميتها بأي حال من الأحوال، عبر تعزيز العلاقات من جانب، والانطلاق منها نحو "الثلاثيات"، التي تمثل السبيل نحو شراكات أوسع، من جانب أخر، وهو ما يبدو العلاقات مع الأردن، والتي تمثل "لبنة" مهمة في الشراكات الإقليمية التي عقدتها الدولة المصرية، خلال السنوات الأخيرة، بدءً من "ثلاثيتهما" مع العراق، ثم شراكتهما الصناعية مع الإمارات، ليكونا معا تحالفا أكبر يضم الدول الأربعة مع البحرين، يتسم بحالة من التنوع من حيث مجالات التعاون، في إطار سياسي واقتصادي وأمني، يتواكب بصورة كبيرة مع متطلبات المرحلة الجديدة، جراء تواتر الأزمات الدولية والإقليمية.
 
وتبقى "خصوصية" العلاقة بين مصر والأردن انعكاسا صريحا لحالة من التوافق، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية والإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي تمثل نموذجا لـ"الرعاية التكاملية"، ففي الوقت الذي لعبت فيه القاهرة دورا رئيسيا في رعاية القضية والدفاع عنها سياسيا، كانت عمان راعيا للمقدسات الدينية في مدينة القدس، وهو ما يمثل لحالة من تكامل الأدوار، التي يمكن تعميمها على مختلف القضايا الدولية والإقليمية الأخرى، بعيدا عن الرؤية القائمة على الاستئثار، والتي تمثل أحد أهم سمات الحقبة الدولية المنقضية، والتي سعت خلالها القوى الدولية الحاكمة للعالم إلى تعزيزها، في إطار يمكن من خلاله تعزيز هيمنتها، عبر تقوية دور حلفائها، في مختلف مناطق العالم، مقابل الدوران في فلكها.
 
ولكن تحمل "خصوصية" العلاقة بين مصر والأردن، في طياتها العديد من الأبعاد الأخرى، ربما أبرزها البعد الجغرافي، فرغم تقارب موقعهما، وتطابق هويتهما العربية والإسلامية، فإنهما يمثلان جانبا مهما من التنوع في إطار العمق الجغرافي لكل منهما، حيث تبقى الأردن (ذات العمق الآسيوي) أحد أهم بوابات مصر لتعزيز علاقتها بالقوى الآسيوية، بينما تمثل القاهرة مدخلا مهما لعمان للتقارب مع إفريقيا، بينما تبقى علاقتهما معا مدخلا مهما للعرب للتوغل إلى عمقهما القاري، وهو ما يعكس أهمية البعد "الأفروآسيوي" في الخريطة الإقليمية الجديدة، في ظل تصاعد أهمية إفريقيا على الخريطة الدولية، وهو ما يبدو في محاولات استقطابها من قبل القوى المتنافسة على الساحة الدولية، من جانب، والصعود الكبير للقوى الآسيوية على الساحة العالمية، على رأسها الصين، إلى الحد الذي يسمح لها بمزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولي، من جانب أخر.
 
العمق القاري لمصر والأردن، في إطار شراكتهما مع العديد من الدول العربية الأخرى، يمثل في حقيقة الأمر استثمارا مهما في إطار العمل العربي المشترك، خلال المرحلة المقبلة، في ظل دعمهما المتواصل لتعظيم الدور العربي، في صورته الجمعية، ليتجاوز الحالة الإقليمية المحدودة، نحو إطار عالمي أوسع، عبر شراكات جديدة مع قوى مهمة، أو عبر المساهمة الفعالة في حل الأزمات العالمية، وهو ما يبدو على سبيل المثال في مشروع خط النقل العربي الذي يهدف الي ربط افريقيا بآسيا عبر العقبة مرورا بسيناء ثم الى العريش ومنها الي شواطئ المتوسط ومنها الي العالم، وهو ما يساهم في تعزيز التبادل التجاري، ليس على مستوى الثنائي أو الإقليمي المحدود، وإنما على مستويات أكبر في نطاق قاري وعالمي.
 
وهنا يمكننا القول بأن "ثنائية" مصر والأردن، والتي تمثل مشتركا مهما في معظم الشراكات الإقليمية الأخيرة ذات النطاق الإقليمي والجغرافي الواسع، تمثل نموذجا مهما لحالة من الخصوصية، التي يمكن استثمارها في إطار يتجاوز الإطار "الثنائي" المحدود، نحو شراكات أوسع لا تتقيد بالجغرافيا الإقليمية في صورتها التقليدية، وهو ما يمثل انعكاسا لحقيقة مفادها أن النهج المصري القائم على تعزيز العلاقات متعددة الأطراف، سواء عبر "الثلاثيات" أو ما تجاوزتها، لا يعني تجاهل الخصوصية التي تحظى بها العلاقة مع أطراف محددة، في ظل التوافق الكبير في الرؤى، حيث تبقى فرصة مهمة للانطلاق نحو أفاق أوسع في العلاقات الدولية، والتعاطي مع تشابكاتها الجديدة، وأزماتها المتواترة.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة