بيشوى رمزى

منهج "الحوار" لدى الرئيس السيسي.. البعد الوطني في العلاقات الدولية

الإثنين، 25 سبتمبر 2023 04:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن حالة "الحوار" كانت بمثابة "لب" السياسة التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أن كان وزيرا للدفاع، ثم أصبحت محورا لسياسة الدولة، منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد، شهدت دعوات صريحة أطلقها لعقد حوارات بناء بين كل الأطياف، منذ عهد "الجماعة"، ومن بعدها، ربما أبرزها حرصه على اجتماع ممثلين كافة الأحزاب والفئات المجتمعية، قبيل إطلاق بيان 3 يوليو، والذي يمثل انتصارا للإرادة الشعبية، التي ترجمها احتشاد الملايين في الشوارع والميادين، إبان ثورة 30 يونيو، والتي تمكنت من إعادة المسار، ليس فقط في مصر، وإنما في إقليم الشرق الأوسط بأكمله، بعد سنوات الفوضى التي اندلعت في العديد من دول المنطقة إثر ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والتي وضعت العديد من بلدانها على حافة الهاوية.

والحديث عن "الحوار"، وإن كان يمثل في جوهره، أحد أهم أساسيات السياسة الداخلية، والتي شهدت العديد من المراحل، بدءًا من حوار 3 يوليو، كما أسلفنا، مرورا بمنتديات الشباب، وتمكين المرأة، وصولا إلى ذوي الهمم، حتى توجت تلك الحالات "الحوارية" الفردية التي اختصت فئات بعينها، بـ"الحوار الوطني" بما يتسم به من شمولية وجماعية، ليضم كل الأطياف السياسية والمجتمعية والحقوقية، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني والأهلي وغيرها، لبحث حلول حقيقية ومستدامة، للتحديات المحدقة بالوطن، واستكشاف الفرص التي من شأنها تحقيق طفرات في مختلف المجالات، فإنه يمثل مرجعية تبدو مهمة في إدارة العلاقات الخارجية للدولة، خلال السنوات الماضية، خاصة وأن جوهر السياسة الخارجية للدولة يتجسد في كونها انعكاسا لرؤيتها في الداخل.

فلو نظرنا على سبيل المثال إلى الرؤى التي سعت الولايات المتحدة إلى تعميمها منذ بزوغ نجمها على الساحة الدولية، والتي اعتمدت منهج "التبشير" بالديمقراطية والعولمة وحرية التجارة، وغيرها، فنجد أنها، في الواقع، تمثل انعكاسا صريحا، للصورة التي سعت إلى تقديمها في الداخل، باعتبارها البوتقة التي تذوب داخلها الثقافات والحضارات، رغم اختلافها، بل وتعارضها في كثير من الأحيان، وهو ما ساهم في تعزيز ما يمكننا تسميته بـ"الحلم الأمريكي" لدي قطاعات كبيرة من الشباب حول العالم، لعقود طويلة من الزمن، إلا أن الأمور ربما تغيرت بعد ذلك مع تفعيل نظرية "صراع الحضارات"، والتي وضعت اللبنة الأولى، كما ذكرت في مقال سابق، في حالة "الأفول" الأمريكي، بسبب تعارض ما تروجه واشنطن من مبادئ والخطاب الذي تبنته في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، جراء استهداف فئة معينة في المجتمع، في إطار ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا".

ولعل حالة الحوار التي تبنتها الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي، رغم كونها تحمل "صبغة" وطنية خالصة، إلا أنها في حقيقة الأمر تمثل محورا مهما للسياسة الخارجية، عبر العديد من المسارات، أولها استلهام الفكرة في محيطها الجغرافي، وتطبيقها من قبل العديد من الدول، كالعراق وتونس والجزائر، وغيرها، بعدما أعلن عنها الرئيس خلال "إفطار الأسرة المصرية"، في أبريل 2019، وهو ما يعكس حجم التأثير الذى تحظى به مصر على محيطها الدولى والإقليمي، ليس فقط من خلال سياستها الخارجية، وعلاقاتها مع العالم، أو دورها فيما يتعلق بالأزمات المحدقة بالكوكب، وإنما أيضا عبر تقديم نموذج ملهم فى الكيفية التى يمكن بها أن يتحقق الإصلاح.

وعلى الرغم من استلهام حالة "الحوار" التي أرستها مصر، من قبل العديد من الدول الأخرى، إلا أنها احتفظت لكل دولة بخصوصيتها، سواء فيما يتعلق بظروفها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، حتى يتسنى لكل دولة صياغة رؤيتها الخاصة، التي تتناسب معها، وهو ما يتواكب مع معطيات الحقبة الدولية الجديدة، التي لا تتواكب مع النهج القائم على "تصدير" نماذج بعينها، على غرار الديمقراطية الغربية، والتي سعت واشنطن وحلفائها الغربيين نحو فرضها على العالم، بكافة السبل، حتى وصلت إلى حد الغزو العسكري، كما هو الحال في العراق، إلا أن كافة المحاولات باءت بالفشل في نهاية المطاف، بل وتدهورت الأمور بصورة كبيرة حتى أصبحت الدول المستهدفة بالديمقراطية ملاذا للإرهاب والتطرف.

بينما يقوم المسار الأخر على تحويل حالة الحوار إلى أسلوب دبلوماسي لإدارة العلاقات الإقليمية، والدولية، وذلك عبر انتهاج سياسة "الشراكة" والتي تحمل أفاقا أكثر مرونة من "التحالفات" بصورتها التقليدية، خاصة وأنها تسمح بهامش أوسع من الخلافات بين أعضائها، بينما يمكنها احتوائها، ومنعها من التفاقم، عبر العمل على تعظيم المصالح المشتركة، وهو النهج الذي حقق طفرة كبيرة على المستوى الإقليمي، بعد سلسلة من المصالحات، التي تحققت في السنوات الأخيرة، وساهمت في تحقيق قدر من الاستقرار الذي غاب عن المنطقة لعقود طويلة من الزمن، بل ووضعها تحت وطأة الحروب بكافة أشكالها، سواء التقليدية (النظامية)، أو الأهلية أو في صورتها المستحدثة (الحروب بالوكالة).

الحوار الذي أدارته مصر مع محيطها الدولي والإقليمي، شهد العديد من المراحل، بدءً من الانفتاح على القوى الدولية الصاعدة، تزامنا مع تعزيز علاقتها مع الحلفاء التقلديين، مرورا بالعودة إلى محيطها الإفريقي، وحتى احتواء الحالة الصراعية في منطقة الشرق الأوسط، لإرساء حالة من الاستقرار المنشود، بعد سنوات من الفوضى، التي أطاحت بالعديد من دولها، في أعقاب "الربيع العربي".

وهنا يمكننا القول بأن حالة "الحوار" تمثل أحد أهم أساسيات الرؤية المصرية، والتي وإن كانت تبدو "لب" سياساتها الداخلية، إلا أنها تمثل ركيزة مهمة من ركائزها الدبلوماسية، خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ظل المساعي التي تبناها، لتحقيق الاستقرار، ليس في الداخل فقط، وإنما على المستويين الإقليمي والدولي الأوسع نطاقا، خاصة وأن تجربة الفوضى التي سادت في العقد الماضي، حملت دروسا كبيرة مفادها أن الحالة الإقليمية والدولية العامة باتت تترك تداعيات مباشرة على الداخل، مهما كانت درجة الاستعداد، وبالتالي فإن الحاجة إلى تقديم علاج "ناجع"، لا يقتصر على منطقة جغرافية محدودة، وإنما ينبغي أن يمتد ليكون أكثر شمولا، لمجابهة أي مخاطر أو تحديات محتملة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة