محمد أحمد طنطاوى

التسعير الرسمي ومنع بيع السبائك والعملات.. حلول عاجلة لضبط سوق الذهب

الإثنين، 01 يناير 2024 09:44 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"نتوقع دائماً أن التغير في الأجور الحقيقية يسير في نفس اتجاه الأجور النقدية، لكن الواقع يقول إنه حين ترتفع الأجور النقدية، فالأجور الحقيقية تنخفض والعكس" جون مينارد كينز، عالم الاقتصاد الإنجليزي الشهير، ومؤسس النظرية الكينزية، واجتهاداته كانت سبباً في تخطي العالم "الكساد الكبير" إبان ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى نفهم عبارته التي أوردها في كتابة المهم "النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود"، يجب أن نعرف معني الأجر الحقيقي والأجر النقدي، فالأول يعني القيمة الشرائية للنقود، التي تتأثر قطعاً بمعدلات التضخم، والثاني يعني إجمالي ما تحصل عليه من مال، مقابل عمل معين، لذلك يرى "كينز" أنه كلما ارتفع أجر العامل كان ذلك مؤشراً على تراجع للقيمة الشرائية للنقود.

البحث في أوراق مينارد كينز، ليس إلا محاولة لفهم المخاطر المحيطة بالسوق المصرية، من أجل تحليل الواقع والخروج بحلول، خاصة أن المؤامرة على "الجنيه المصري"، من كل الاتجاهات، فأصحاب المصالح، بتشكيلاتهم العشوائية، التي خرجت عن كل التصورات، وجمعت معها مجموعات ضخمة من الأفراد، حتى بات "باعة الطماطم" يراهنون ويضاربون على قيمة العملة الوطنية، سواء من خلال رفع العطاء على دولار السوق السوداء، أو شراء الذهب، الذي تتحرك أسعاره بعشوائية مطلقة مدعومة من الطلب الجامح الذي خلقه المضاربون، والتحوط المبالغ فيه الذي قدًره التجار في الصاغة، لدرجة أن الفروق في البيع والشراء باتت حوالي 10% لصالح الصائغ.

ماذا لو استثمر الجميع أموالهم في الذهب؟ سؤال قد طرحته في أحد مقالاتي السابقة، لكني سأحاول الإجابة عليه بطريقة مختلفة، فليست هناك مخاطر أن يحول الأفراد مدخراتهم إلى أي صورة من الاستثمار، لكن بشرط أن تكون هذه الأموال من مدخراتهم، وليسوا في حاجة إليها، ودون أن تكون أمولاً  نتاج تفكيك عمل قائم مثل تجارة أو مصنع أو شركة تم تصفيتها وشراء "الذهب" بثمنها، فالموضوع هنا تحول من استثمار إلى انكماش اقتصادي مدمر، فلو أن ورشة صغيرة لتصنيع الملابس الجاهزة، يعمل بها 8 أفراد، وتعطي إنتاجاً محلياً يكفي عن الاستيراد من الخارج بمقابل من العملة الصعبة، وتدفع للحكومة الضرائب والتأمينات الاجتماعية، وترتبط مع السوق بسلسلة من الأنشطة الزراعية والتجارية، فإن هذا خطر داهم.

نظرياً احتفظ صاحب الورشة بأمواله على المدى المتوسط، ربما الطويل، فالذهب أكثر المعادن استقراراً من حيث البيانات التاريخية، لكن عملياً لحق بالمنظومة الاقتصادية ضرر غير محدود، فقد تم تسريح العمال، وصارت هناك معدلات مرتفعة للبطالة، وتم تصفية النشاط الصناعي والتجاري، بصورة يسهم في نقص المعروض بالأسواق وزيادة الأسعار، والحاجة للعملة الصعبة لتوفير البديل المناسب، بالإضافة إلى فقدان السوق للسيولة، وحركة بيع وشراء دورية، كانت تضمن  معدلات نمو منتظمة، وتوسع يتناسب مع احتياجات السكان، و الزيادات المتوقعة في أعدادهم مع مرور الوقت..

الاقتصاد الحر لا يعني أن الدولة لا تتدخل في ضبط الأسواق، فأساس النظرية الكينزية، التي انتشلت العالم من الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، يقوم على فكرة تدخل الدولة لضبط الأسواق من خلال رفع معدلات الاستثمار لزيادة التشغيل ومواجهة البطالة، وفرض الضرائب، ومواجهة الاحتكار، وضمان حدود معقولة لمعدلات التضخم، لذلك يجب أن تكون بصمات الحكومة حاضرة في المشهد الراهن بحزمة من القرارات الحاسمة، على رأسها منع تداول سبائك الذهب أو العملات الذهبية للأفراد، سواء للبيع أو الشراء، وتحديد مدة زمنية لتطبيق هذا القانون، بحيث يتم تسليم هذه الكميات والتنازل عنها للبنوك، وفق أسعار معلنة، ثم يدخل هذا الذهب في الاحتياطي الاستراتيجي للبنك المركزي.

حال وقف بيع سبائك وعملات الذهب، سيتجه الأفراد نحو المشغولات الخاصة بالزينة، التي ترتبط بصورة مباشرة في مصر والدول العربية بموروث "الشبكة"، لذلك يجب أن يتم فرض ضرائب تصاعدية على المشغولات الذهبية حسب كميات الشراء، بنسب تتراوح من 10 إلى 25% من إجمالي كميات الذهب التي يتم شراؤها، وبذلك نضمن عدم التكالب على الشراء، ثم يتم التسعير الجبري للذهب من جانب وزارة التموين باعتبارها المشرف على مصلحة الدمغة والموازين التي تراقب أسواق الذهب، ليتم تحديد هذا السعر للعيارات المختلفة بصورة يومية، وفق سعر الدولار في البنك المركزي يومياً، و سعر الأونصة المتداول عالمياً، دون ترك الموضوع لأطماع الصاغة أو أهواء التجار، والمجموعات المتحكمة في أسعار الذهب.

الحرب ضد الجنيه لن تتوقف، إلا بحرب مماثلة من جانب أجهزة الحكومة، تتخذ خلالها مجموعة من القرارات الحاسمة، والإجراءات الجريئة، والحلول غير التقليدية، حتى تتغلب على حالة "فوضى التسعير"، التي لا تحدث بسبب حجم العرض أو الطلب، بل نتيجة الاحتكار وتعطيش السوق، وتدخل البعض لتحقيق الأطماع والمكاسب غير المشروعة على حساب المجتمع، وقضية أسعار البصل الأخيرة نموذجاً، فقد تم ضبط 150 ألف طن بصل في محافظة الجيزة وحدها، نتيجة الاحتكار والرغبة في زيادة الأسعار، لذلك يجب التدخل قبل فوات الأوان.

أصحاب المصالح لن يكفوا عن إعاقة تحركات الدولة، وكذلك لن يتخلوا عن أطماعهم إلا بردع من الدولة، وهم بالمناسبة ليسوا في تجارة الذهب فقط، أو الدولار فقط، لكنهم في الأرز، والقمح، والسكر، والسجائر.. إلخ، لذلك أتصور أن هذه قضية جوهرية يجب أن تحتل الأولوية والصدارة في الطرح والمناقشة بجرأة كاملة دون مواربة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة