محمد عبدالعزيز

من الطنطورة إلى رفح!

الثلاثاء، 20 فبراير 2024 05:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل مساء ليلة 22 مايو سنة 1948م، الأيام هادئة فى قرية الطنطورة جنوب حيفا، قرية صغيرة هادئة، لم يتجاوز تعداد سكانها يومها 1728 نسمة، عمل معظم أهلها فى الصيد، الطريق لحيفا يمر من خلالها، وفى ليلة 22 مايو - 23 مايو من عام 1948م دخلت عصابات الهاجاناة الصهيونية القرية من البحر والبر، وأطلقوا النيران بشكل عشوائى على الأهالى فى الطرقات وفى البيوت، ثم قبضوا على الرجال وفصلوهم عن زوجاتهم وأطفالهم، وأمروهم بحفر خنادق، ثم تم إطلاق النيران على كل الرجال ودفنهم فى مقابر جماعية فى نفس الخنادق التى حفروها بأيديهم، ذلك كله أمام أعين ومسامع نسائهم وأطفالهم، الذين سمح لهم بمغادرة القرية ليتحولوا للاجئين، وينقلوا الحكاية الدامية فينتشر الرعب للقرى الأخرى، ذلك ما حدث منذ أكثر من 75 عاما، أما اليوم لم يتبق من القرية العربية إلا القليل، وبنى فوقها مستوطنة صهيونية اسمها «موشاف دور»، وأما المقبرة الجماعية تلك، أقيم اليوم فوقها موقف سيارات كبير لشاطئ ساحر، جماله البارز لا ينسيه أنه كان شاهدا على مجزرة بشعة قبل 75 عاما بالقرب منه!
 
يخطئ - جاهلا أو عامدا - من يبدأ فى تحليل ما يجرى الآن من تاريخ 7 أكتوبر الماضى، البداية أبعد من ذلك بكثير، فكل ما روجته سلطة الاحتلال الإسرائيلى عما أطلقت عليه «حقها فى الدفاع عن النفس» يعتبر عملية نصب واضحة وضوح الشمس، فالأصل أنها سلطة احتلال وجدت على تلك الأرض بسلسلة طويلة من المجازر منذ 75 عاما، ولم تعترف يوما ما بأى من قرارات الشرعية الدولية، ولم تلتزم يوما ما بأى مفاوضات ما أطلق عليه عملية السلام، التى تحولت فى فترة ما إلى «عملية» دون سلام، ثم توقفت «العملية» نفسها، وبالطبع لم يحدث أى سلام، ومن اتفاق أوسلو 1993م، تهربت سلطة الاحتلال من أى التزامات رتبها الاتفاق، وتركت قضايا الوضع النهائى التى تم تأجيلها منذ عام 1993م حتى تتحقق بالتدريج، تراجعت سلطة الاحتلال عن أى تعهدات قطعتها، واستمرت سلطة الاحتلال فى فرض واقع على الأرض يقضى على ما اتفق تأجيله للوضع النهائى من قضايا مثل «القدس - الاستيطان - عودة اللاجئين»، فالقدس يجرى كل يوم خطوات فى تهويدها، ونقلت أمريكا سفارتها إليها مما يعنى اعترافا باعتبارها عاصمة دولة الاحتلال، والاستيطان يتوسع ويأكل ما تبقى من أرض فلسطين، بل إن وزير الأمن القومى فى حكومة الاحتلال المتطرف بن جفير يطالب ببناء مستوطنات فى قلب قطاع غزة، واللاجئون لا حديث عن عودتهم، بل تم تهجير أهالى قطاع غزة تحت آلة القتل الصهيونية من شمالها إلى وسطها، ومن الوسط إلى رفح الفلسطينية، التى يتجمع بها الآن أكثر من مليون و300 ألف فلسطينى، فى ظروف إنسانية كارثية، بلا طعام وبلا دواء، والهدف هو تهجير نهائى وتصفية قصة قطاع غزة، بل وتصفية القضية الفلسطينية كلها، فإذا تم الخلاص من غزة وتهجير أهلها إلى شبه جزيرة سيناء، فإن ذلك سيتكرر بالحرف فى الضفة الغربية وتهجير أهلها إلى الأردن، هكذا يتصور اليمين المتطرف فى سلطة الاحتلال، وهذه هى الخطة والرؤية التى تم طرحها منذ سنوات ولم يكن قد حدث 7 أكتوبر ولا غيره، لم تكن البداية هى 7 أكتوبر 2023م، ولكن ما جرى فى 1948م يتكرر أمام أعيننا أمام شاشات البث التليفزيونى ووسائل التواصل الاجتماعى، وما يجرى التحضير له من عملية عسكرية مزعومة فى رفح الفلسطينية سيؤدى بكل تأكيد لجر المنطقة كلها لصراع إقليمى لن يستطيع أحد أن يوقفه، وهنا ندرك كيف أن الموقف المصرى الرافض بشكل قاطع لعملية تهجير أهل غزة إلى سيناء، هو موقف يقف صامدا وحيدا، إلا من رحم ربى، فى وجه مشروع احتلال لا يعترف بالشرعية الدولية ولا يحترمها، ومن دون مصر وموقفها فى المعادلة الذى يدركه كل الأطراف - رغم المزايدات والسخافات - لتحقق مشروع التهجير الذى يروج له مجرمو الاحتلال، لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة