كنوز مصرية بعيون عربية وإسلامية.. "محمد عبده" عبقري التنوير ورائد ملحمة "الاجتهاد الفقهي" .. الإمام الراحل انتقد الفهم الخاطئ لصحيح الدين.. وقاد ثورة الإصلاح الديني وتجديد الفكر الإسلامي بعيدا عن الجمود

الإثنين، 11 مارس 2024 10:59 ص
كنوز مصرية بعيون عربية وإسلامية.. "محمد عبده" عبقري التنوير ورائد ملحمة "الاجتهاد الفقهي" .. الإمام الراحل انتقد الفهم الخاطئ لصحيح الدين.. وقاد ثورة الإصلاح الديني وتجديد الفكر الإسلامي بعيدا عن الجمود الإمام محمد عبده
كتب أحمد جمعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في تاريخ الشعوب والأمم شخصيات سجلت اسمها بحروف من نور، نظرا للتأثير الكبير الذي أحدثته هذه الشخصيات على مجتمعاتهم ومن بينها شخصيات مصرية أثرت بشكل كبير على الأمتين العربية والإسلامية، وكان لها دور فاعلا ومؤثرا في حقب زمنية متفاوتة خلال القرون الماضية، وتفاعلت الشعوب العربية والإسلامية بكتابات الإمام محمد عبده التي كتبت قبل عقود.

 

نتناول في سلسلة حلقات "كنوز مصرية بعيون عربية وإسلامية" أبرز الشخصيات المصرية التي كانت ملهمة ولعبت دورا بارزا في التاريخ الحديث والمعاصر، وطبيعة التأثير الذي أحدثته هذه الشخصيات ومدى تأثر المجتمعات بها بشكل كبير، سواء في مجالات السياسة والاقتصاد والدين والرياضة.

 

ولعل من أبرز الشخصيات المصرية التي سنفتتح بها سلسلة حلقاتنا هو الإمام محمد عبده أو "عبقري التنوير" كما وصفه الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، حيث نادى الإمام بضرورة الإصلاح الديني، تجديد الفكر الإسلامي والابتعاد عن الجمود، وعمل على إصلاح بعض الأمور داخل مؤسسة الأزهر الشريف التي شدد على ضرورة إصلاحه وإنقاذه من الجمود.

 

ولد محمد عبده بن حسن خير الله عام 1849 في قرية "محلة نصر" بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة، تعود جذور والدته إلى قبيلة "بني عدي" العربية، أرسله والده إلى الكُتّاب، تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ محمد عبده أرسله أبوه إلى "جامع السيد البدوى" بمدينة بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس علوم الفقه واللغة العربية، وفي العام 1865 انتقل الإمام محمد عبده للدراسة في الأزهر الشريف ودرس الفقه، الحديث، التفسير، اللغة، البلاغة، وقد ساهم بوعيه وعلمه في تحرير العقول العربية من الجمود الذي أصابها لعدة قرون، وهو أحد أصحاب نظرية "الاجتهاد الفقهى" لإيقاظ وعي الأمة العربية والإسلامية نحو التحرر.

 

كان يرى الإمام محمد عبده أن مشكلة الأمة ليست في الدين وإنما في الفهم الخاطئ له، ما أدى لتراكم أفكار جامدة اكتسبت قداسة وطمست حقيقة الإسلام الذي يدعو للبناء والرقي الروحي والمادي على مدار سنوات طويلة،

 

وانتقد الإمام محاولات البعض توظيف الدين كـ"مطية" للصعود إلى الحكم في بعض الدول، مؤكدا أن ذلك يضر بالدين الإسلامي وكذلك السياسة والحياة.

 

وقامت فلسفة الإمام محمد عبده على المطالبة بإبعاد رجال الدين عن حكم الشعوب، مستندا على فكرة أنهم قد يعتبرون رأيهم صواباً يتماشى مع الدين، دون أن يدركوا أنه خطأ يجافي صحيح الدين.

 

ورفع الإمام الراحل محمد عبده صوته عاليا في منتصف القرن التاسع عشر، للمطالبة بالإصلاح الديني، وتجديد الفكر الإسلامي، ما تسبب في نفيه والتنكيل به ما دفعه لاعتزال الناس لفترة.

 

وكان الشيخ جمال الدين الأفغاني سبباً رئيسيا في تحول محمد عبده من الصوفية إلى الفلسفة، ودافعاً له إلى الإصلاح، لكنهما اختلفا في الأسلوب والوسيلة ومازال حديثهما ونقاشهما عن الإصلاح يثير الإعجاب والجدل معاً.

ففي الحديث النادر بينهما، قال الإمام الراحل محمد عبده في رسالة للشيخ جمال الدين الأفغاني: أرى أن نترك السياسة ونذهب إلى مجهل من مجاهل الأرض، لا يعرفنا فيه أحد، نختار من أهله عشرة غلمان أو أكثر من الأذكياء، سليمي الفطرة، فنربيهم على منهجنا ونوجه وجوههم إلى مقصدنا، فإذا أُتيح لكل واحد منهم تربية 10 آخرين لا تمضي بضع سنين أخرى، إلا ولدينا 100 قائد من قادة الجهاد في سبيل الإصلاح.

 

يرى الإمام محمد عبده وكذلك الشيخ جمال الدين الأفغاني أن الإصلاح يبدأ بمحاربة الجهل والتخلف وإعمال العقل، والتمسك بأصل الحضارة العربية وهو الإسلام الصحيح، توقع الإمام الراحل أن تنهض الدول الأوروبية وتسبق دول العرب والمسلمين لأنهم يطبقون الإسلام دون اعتناقه من حيث الالتزام والإتقان والانضباط الخلقي والسلوكي وأخذهم بالأسباب في إقامة حضارة دون انغلاق فكري، أو جمود عقلي أو الانصياع لحكم الباباوات، وكان يؤكد على أن الحاكم ليس له سلطة دينية فيحكم على عقائد الناس بالفساد أو الصلاح، كما كان يفعل الباباوات في أوروبا، وإنما الحاكم سلطته مدنية ويحكم بالشرع الإسلامي كسلطة تنفذ هذا الشرع.

 

قال الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه "عبقري الإصلاح محمد عبده" إن الإمام كان ثائراً، ولكنه لم يكن عرابياً، كان يؤيد الثورة العرابية في أمرين هما تنبيه الرأي العام وجمع كلمته للمطالبة برفع المظالم، إصلاح الحكم وإسناد المناصب الكبرى ووظائف الحكومة عامة إلى الوطنيين، بالإضافة للتعويل على إنهاض الأمة وإقامة نهضتها على أسس التربية والتعليم وإعدادها للحكم النيابي المستقل برغبتها الصادقة وقدرتها علي صيانته من عبث الولاة المتسلطين.

 

وفي رحلته إلى فرنسا انبهر الإمام الراحل محمد عبده بما رآه من نهضة وتنمية وحضارة. وقال جملته الشهيرة "وجدت هنا إسلاماً ولم أجد مسلمين.. وفي ديار الإسلام وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام.. وجدت المبادئ والقيم والمثل العليا، وكلها صفات يطالبنا بها الإسلام ووجدت أمانة وإتقانا وإخلاصا.. وكلها سمات يحثنا عليها ديننا، وبذلك فهم مسلمون بلا إسلام.

 

توفي الإمام محمد عبده رائد التنوير عام 1905 عن عمر ناهز 56 عاما، تاركا عشرات المؤلفات التي ساهمت بشكل كبير في إعادة الوعي الجمعي للشعوب العربية والإسلامية بعد سنوات من الجهل والجمود.

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة