عبدالرحمن حبيب

عن الوفاء للأم

الخميس، 21 مارس 2024 10:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كنت أراقب أختى تتلقى التعليمات من الوالدة الله يرحمها وكأنها تستمع إلى نشيد، له طابع الهيبة والتقدير ممتزجا بالمشاعر، كيف يمكن أن يصل أمرئ إلى تلك المكانة في المطلق؟ إنها معجزة في حد ذاتها، أن يصل أي شخص لتلك المكانة عند أي شخص آخر.

كانت كلما عرض لها عارض تتصل بأمي وكنت أقول لها "إنتى بتشترى خضار" فتقول بمنتهي التقدير: هسأل ماما، وتسأل ماما الله يرحمها، فتقول لها أمى ما هو مطلوب بمنتهى الدقة، تسأل فتجيب، عندها إجابات لكل الأسئلة وتوقعات لكل شيء، وتقدير مربك للأشياء والنسب وما هو مفروض له أن يقترب من الكمال.

دعك من كل هذا سأنتقل بك إلى نبرة الصوت، نبرة الصوت التي تكلم بها الأم أبناءها مختلفة عن كل النبرات الأخرى وإن كانت تكلم زوجها، نبرة تصطف فيها درجات المشاعر جنبا إلى جنب وتختلط دفعة واحدة مثل السيمفونية الموسيقية حال حدوث أي تصاعد درامى في الأحداث أوالسياق، لتعبر عن كل معاني الرعاية بدءا من العطف والحنان مرورا بالاحتواء والتقدير لكونك ابنا وباعتبارك نعمة من الله وصولا إلى الفضل والرغبة في العطاء.

لم تكن الأم أبدا مجرد شخص يتولى الرعاية ويحظى بالتقدير، بل حظيت في المجتمعات الشرقية بوضع مختلف تتعالى فيه آيات التقدير وتتصاغر أمامه كل العلاقات الأخرى.

ما هو محير حقا: كيف تعرف الأم ما حدث وكيف ينبئها قلبها بما يحدث، فمهما حاولت الإخفاء تعرف كيف تصل إلى الحقيقة وتخبرك بها فلا تملك إلا أن تعترف اعترافا كاملا.

الأم تذر كل الأشياء جانبا وتعتمد على الإحساس الصادق الذى أرى أنه يتجاوز إحساسها بما يقع لها، فالأم تشعر بأبنائها أكثر مما تشعر بذاتها.

على أن للأم نظرة تنشأ من باب كونها أما، في هذه المرحلة من التحول كما تتحول الشرنقة إلى فراشة، وهنا تنشأ تلك النظرة الخاصة التي تصبغ كل شيء بصبغة محتوية، ترى ما يشتريه  الأبناء فتعرف إن كان جيدا أم لا وتنظر نظرة ثاقبة فتقول لك: لم يعجبنى ما اشتريت وتصر على تغييره حتى يتبين لك صحة وجهة نظر الأم.

المعرفة ليست كل شيء، هذا ما تتعلمه من علاقة الأم بالأبناء فهناك خبرة شعورية مختلفة لدى الأمهات تطورت ونشأت منذ بدأن خط سير الامومة فصرن يدركن عبر تلك الخبرة ويضعن الاحتمالات ويدرسن المواقف من خلالها مدبرات حياة أطفال يكبرون على وقع هذا الصدى.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة