رمضان كريم.. ما حكم التهنئة بدخول الشهر المعظم؟.. هل يجوز تقديم المعايدات بين الأفراد بقدوم أول أيامه من خلال ألفاظ محددة؟.. دار الإفتاء توضح نصوص الفقهاء الواردة على جواز أصل التهنئة

الثلاثاء، 05 مارس 2024 07:00 ص
رمضان كريم.. ما حكم التهنئة بدخول الشهر المعظم؟.. هل يجوز تقديم المعايدات بين الأفراد بقدوم أول أيامه من خلال ألفاظ محددة؟.. دار الإفتاء توضح نصوص الفقهاء الواردة على جواز أصل التهنئة هلال شهر رمضان - أرشيفية
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يجوز شرعًا التهنئة بحلول شهر رمضان المعظم بكلِّ ما يفيد الدعاء بالخير والبركة وتعاقب الأزمنة من أيام وشهور وأعوام، وتقبل الطاعات من الألفاظ والعبارات، كما تجوز بتبادل الزيارة بين الأهل والأصدقاء والأحبة، هذا ما اكدته دار الافتاء المصرية والتى فصلت حكمها بناء على الآتى: 

 

حكم التهنئة بدخول شهر رمضان

من المقرر شرعًا جواز الفرح والسرور بقدوم مواسم الخير والأعياد والمناسبات، خاصة الدينية لِمَا فيها من الطاعات والبركات والتذكير بأيام الله الطيبات، وذلك كالاحتفال بالأعياد والأعوام وقدوم بعض الشهور والأيام التى لها خصوصية دينية؛ لارتباطها بشعائر وأحداث عظيمة فى الإسلام.

 

ومن بين تلك المناسبات الدينية المهمة والمعظمة فى الشريعة الإسلامية والمستوجبة لإعلان الفرحة وعموم البهجة وانشراح الصدر وسكينة النفس حلول شهر رمضان المبارك؛ لِمَا فيه من تَنَزُل الرحمات والنفحات والمغفرة للذنوب والعتق من النيران، وكلُّ هذا من رحمة الله تعالى وفضله الذى يستدعى الفرح والسرور؛ امتثالا لعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

 

وقد بيَّن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه أن هناك بعض الأزمنة كالأيام والليالى والشهور تتنزل فيها الخيرات، وتقبل فيها الدعوات، وترفع فيها الدرجات، ولذا ينبغى للمسلم اغتنامها بفعل الطاعات والدعاء لنفسه ولغيره بالخيرات، والدليل على ذلك: حديث محمد بن مسلمة الأنصارى رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِى أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أن يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه الطبرانى فى "المعجم الأوسط" و"المعجم الكبير".

 

 

ومن المظاهر المتعارف عليها بين المسلمين إعلان الفرحة والسرور بقدوم شهر رمضان المبارك، وتقديم التهانى للغير والدعاء له بالخير والبركة ودوام تعاقب الأيام والأعوام عليه وعلى أهله بالسعادة التامة.

 

وقد تأكد أصل ذلك بالسُّنَّة العملية حيث كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يزف البشارة لأصحابه رضوان الله عليهم بقدومِ شهر رمضان المعظم؛ فعن سلمان الفارسى رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى آخر يومٍ مِن شعبان فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» رواه البيهقى فى "شعب الإيمان".

 

 

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: لما حَضَر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد جاءكم رمضان، شهرٌ مباركٌ، افْتَرَضَ الله عليكم صيامه، تُفْتَحُ فيه أبواب الجنة، ويُغْلَقُ فيه أبواب الجحيم، وَتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ» أخرجه الإمام أحمد فى "المسند".

 

نصوص الفقهاء الواردة على جواز أصل التهنئة

قد تواردت نصوص الفقهاء على جواز أصل التهنئة وتقديمها بتجدد الأعوام وقدوم الأعياد وتعاقب الأيام والشهور، وذلك من خلال الدعاء.

 

قال الإمام ملا خسرو فى "درر الحكام شرح غرر الأحكام" (1/ 142، ط. إحياء الكتب العربية): [التهنئة بـ"تقبل الله منا ومنكم" لا تُنكر؛ كما فى "البحر"، وكذا المصافحة] اهـ.

 

وقال الإمام أبو الوليد الباجى المالكى فى "المنتقى" (1/ 322، ط. السعادة): [وسئل مالك: أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك، ويرد عليه أخوه مثل ذلك؟ قال: لا يكره] اهـ.

 

وجاء فى "الفواكه الدواني" للإمام النفراوى المالكى (1/ 275، ط. دار الفكر) أن الإمام مالكًا رضى الله تعالى عنه سُئل عن: [قول الرجل لأخيه يوم العيد: تقبل الله منا ومنك -يريد الصوم وفعل الخير الصادر فى رمضان- غفر الله لنا ولك. فقال: ما أعرفه ولا أنكره. قال ابن حبيب: معناه لا يُعَرِّفه سُنَةً، ولا ينكره على مِن يقوله؛ لأنه قول حسن؛ لأنه دعاء، حتى قال الشيخ الشَّبِيبِيُّ: يجب الإتيان به لما يترتب على تركه من الفتن والمقاطعة، ويدل لذلك ما قالوه فى القيام لمن يقدم عليه، ومثله قول الناس لبعضهم فى اليوم المذكور: عيد مبارك، وأحياكم الله لأمثاله، ولا شك فى جواز كل ذلك، بل ولو قيل بوجوبه لما بعد؛ لأن الناس مأمورون بإظهار المودة والمحبة لبعضهم] اهـ.

 

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى الشافعى فى "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا فى التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذرى عن الحافظ المقدسى أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذى أراه أنه مباح لا سُنة فيه ولا بدعة. انتهى. وأجاب عنه شيخنا حافظ عصره الشهاب ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك: بأنها مشروعة، واحتج له بأن البيهقى عقد لذلك بابًا فقال: (بابُ ما روى فى قول الناس بعضهم لبعض فى يوم العيد: تقبل الله منا ومنك)، وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يحتج به فى مثل ذلك] اهـ.

 

وقال الإمام ابن قدامة فى "المغني" (2/ 295-296، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك. وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس فى العيدين: تقبل الله ومنكم. قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبى أمامة] اهـ.

 

قياس التهنئة بدخول شهر رمضان على جواز التهنئة بالأعياد

إجازة التهنئة بالعيد يُحْمَلُ عليها الحكم بجواز التهنئة فى غير الأعياد من المناسبات الدينية المختلفة؛ كدخول شهر رمضان وغيره من المناسبات ومواسم الطاعات.

 

وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء:

 

وقد نقل العلامة ابن عابدين الحنفى فى "حاشيته على الدر المختار" (2/ 169، ط. دار الفكر) قول المحقق ابن أمير حاج فى حكم التهنئة: [الأشبه أنها جائزة مستحبة فى الجملة، ثم ساق آثارًا بأسانيد صحيحة عن الصحابة فى فعل ذلك، ثم قال: والمتعامل فى البلاد الشامية والمصرية: عيد مبارك عليك... ونحوه، وقال: يمكن أن يلحق بذلك فى المشروعية والاستحباب لما بينهما من التلازم؛ فإن من قبلت طاعته فى زمان كان ذلك الزمان عليه مباركًا، على أنه قد ورد الدعاء بالبركة فى أمور شتى، فيؤخذ منه استحباب الدعاء بها هنا أيضًا] اهـ.

 

وقال الخطيب الشربينى الشافعى فى "الإقناع" (1/ 118، ط. دار الفكر): [ويحتج لعموم التهنئة بما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما فى "الصحيحين" عن كعب بن مالك فى قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فقام إليه طلحة بن عبيد الله فهنأه] اهـ.

 

قال العلامة الحجاوى الحنبلى فى "الإقناع" (1/ 203، ط. دار المعرفة): [ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضًا بما هو مستفيض بينهم من الأدعية] اهـ.

 

كيفية التهنئة بدخول شهر رمضان

التهنئة بحلول شهر رمضان تجوز بوجوه كثيرة ومتنوعة، منها ما هو لفظى يفيد معنى حلول البركة، وما يكون بلفظ الدعاء بتقبل الطاعات، ومنها ما يكون عن طريق المصافحة، ومنها ما يكون من خلال الزيارة والانتقال لأجل تقديم التهنئة، ومنها ما يكون بإرسال برقيات التهنئة عبر الرسائل الإلكترونية كالرسائل المكتوبة ومقاطع الفيديو ونحوها، أو تقديم ذلك عبر الاتصال الهاتفى وغيرها من الوسائل الحديثة، والشأن فى ذلك أنه من الوسائل والأسباب التى تؤدى إلى تقوية الروابط الاجتماعية والدينية والعلاقات الإنسانية، وقد تقرر فى قواعد الفقه أن "للوسائل حكم المقاصد"، فما يتوصل به إلى الواجب فهو واجب، وما يتوصل به إلى مُحَرَّمٍ فهو مُحَرَّمٌ، وما يتوصل به إلى المندوب فهو مندوب.

 

قال الإمام شهاب الدين القرافى فى "الفروق" (2/ 33، ط. عالم الكتب): [كما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة؛ كالسعى للجمعة والحج. وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد: وهى المتضمنة للمصالح والمفاسد فى أنفسها. ووسائل: وهى الطرق المفضية إليها، وحكمها حُكْم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل، غير أنها أخفض رتبة من المقاصد فى حكمها، والوسيلة إلى أفضلِ المقاصد أفضلُ الوسائل، وإلى أقبحِ المقاصد أقبحُ الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة] اهـ.

 

وقال أيضًا فى المرجع السابق (3/ 3): [الوسائل تُعْطى حكم المقاصد] اهـ.

 

والتهنئة يتحقق بها إدخال السرور على قلب الإنسان والدعاء له، وهذه مقاصد مشروعة، فمتى كان الفعل وسيلة لأمر مشروع أخذ حكم المشروعية، وهذا هو المقصد هنا، فيكون الفعل مشروعًا أيضًا.

 

قال الإمام العز ابن عبد السلام فى "قواعد الأحكام" (1/ 46، ط. دار المعارف): [وللوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هى أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هى أرذل الوسائل، ثم تترتب الوسائل بترتب المصالح والمفاسد] اهـ.

 

ويتحقق هذا المقصد بكلِّ ما يصدق عليه المعنى المراد ويحصل به؛ ومن جملة ذلك من الألفاظ: مبارك الشهر، أو مبارك عليكم وعلينا الشهر، أو أحياكم الله لمثله من العام القادم، وغير ذلك من الأقوال التى درج على استعمالها أهل بعض البلاد، وما أقروه من المعانى الدالة على الخير والبركة.

 

وقد استخدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم تلك الألفاظ والمعانى فى وصف شهر رمضان، وبيان فضله، وأنه مباركٌ؛ كما سبق ذكره فى الأحاديث.

 

قال الملا على القارى فى "مرقاة المفاتيح" (4/ 1365): [أى جاءكم «رمضان» أى زمانه أو أيامه «شهرٌ مبارك» بدل أو بيان، والتقدير هو شهر مبارك، وظاهره الإخبار أى كثر خيره الحسى والمعنوى، كما هو مشاهد فيه، ويحتمل أن يكون دعاء، أي: جعله الله مباركًا علينا وعليكم] اهـ.

 

الخلاصة

بناء على ذلك: فإنه يجوز شرعًا التهنئة بحلول شهر رمضان المعظم بكلِّ ما يفيد الدعاء بالخير والبركة وتعاقب الأزمنة من أيام وشهور وأعوام، وتقبل الطاعات من الألفاظ والعبارات، كما تجوز بتبادل الزيارة بين الأهل والأصدقاء والأحبة، وذلك كما سبق بيانه. 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة