ناهد صلاح

الإسكندرية.. سينما مختلفة لجمهور مختلف

الخميس، 02 مايو 2024 01:43 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صحيح أنها المرة الأولى التى أحضر فيها فعاليات مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، كعضوة لجنة تحكيم جمعية النقاد المصريين المانحة جائزة الناقد سمير فريد أفضل فيلم روائى قصير فى المسابقة الدولية، لكنها المرة التى جاءت مواكبة لاحتفال المهرجان بمرور عشر سنوات على تأسيسه، لن أتحدث عن تفاصيل تنظيم هذه الدورة أو تنوع الأفلام أو الجُهد المبذول فى برمجتها، أو التباين فى أنشطة المهرجان من عروض وندوات ولقاءات مفتوحة مع صُناع السينما إلى ورش تعليم السينما للأطفال ثم تدشين سينما المكفوفين وغيرها من برامج فنية، أضفت الكثير من الحيوية إلى مهرجان مثابر استطاع خلال السنوات العشر أن يرسخ نفسه كحدث ثقافى يتخذ من السينما أداة تواصل وانفتاح على الثقافات الأخرى، ويجعل الصورة مساحة لطرح الأسئلة الإنسانية، إنما سأتوقف قليلًا عند نقطة بارزة تتعلق بجمهور الإسكندرية، هذا الجمهور العنيد الذى "لا يعجبه العجب"، لأنه يمتلك ذائقة فنية شديدة الخصوصية، أخبرنى أحد السينمائيين الكبار ذات مرة بأنه يحسب ألف حساب للجمهور السكندرى حين يشارك فى ندوة أو نقاش ثقافى منعقد فى المدينة المفتوحة على البحر وبراح الأسئلة.

قاعة سينما مترو شهدت طوال أيام المهرجان حضورًا جماهيريًا كان لابد أن يسترعى الانتباه، خصوصًا أن هذا التهافت نحو سينما غير تقليدية، أفلام نوعية لا تحكمها قوانين السوق والتجارة، يثير الأسئلة المُلحة من نوعية: كيف حقق المهرجان المعادلة الصعبة واجتذب الجمهور إلى أفلام وثائقية وتحريك وروائية قصيرة، صُناعها منشغلون بتحقيق مشاريع فنية تتوافق مع أحلامهم وليس مع شباك الإيرادات؟.. أو هل هذا الحضور اللافت للنظر يختصر حالة عطش للسينما؟..  إذا كان المهرجان يسهم فى تقليص المسافة بين سكندريين مهتمين بالشأن السينمائى وعلى أساسه يستثمر الولع الجماهيرى بالسينما فى مدينة كانت هى مهد السينما فى مصر، ويسعى إليهم بأفلام مرفقة بالترجمة العربية والانجليزية، قام بها طلاب الجامعات فى الإسكندرية، فإن التجربة كشفت أن هناك جمهورًا سكندريًا يسعى إلى أفلام مختلفة، وأن هناك رغبة ثقافية فى المزيد من المشاهدة الخارجة عن مألوف البرمجة التجارية الحاصلة فى دور العرض، ذلك أن مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير نجح فى جذب جمهور مهتم بالسينما القصيرة غير المتوفرة فى الصالات لعرض أفلامها، وتوصّل خلال أعوامه العشرة إلى جذب عدد كبير من المشاهدين، ما يجعلنا نفكر فى هذه التجربة الاستثنائية التى تفتتح أبوابها أمام الجمهور، وقدرتها على استكمال مشروعها السينمائى، بتنويعه وانفتاحه على سينمات عربية وأوروبية وآسيوية وأفريقية مختلفة، كذلك إمكانياتها لتطوير مفهوم هذه العلاقة الجماهيرية المحلية بالسينمات الأخرى، وللمساهمة فى تفعيل المشاهدة وبلورة آفاقها الثقافية والفنية، يعنى القدرة على إتاحة فرص جديدة للمُشاهدين المهتمّين بالسينما كى تتنوع الخيارات.

  لا شك فى أن الإسكندرية تحتاج إلى المزيد من الحضور السينمائى، هنا لا يمكن أن نتجاهل وجود مهرجان آخر سيقدم هذا العام الدورة الـ 40 فىتاريخه، وهذا لا يتعارض أو يتضارب، بل فى رأيى أنه يصب فى مصلحة التنويع السينمائى المطلوب بإلحاح، فمن المفترض أن كل واحد من المهرجانين قادر على ابتكار الجديد الذى يجذب المُشاهدين ويمنحهم فرصًا عدة للتواصل الفنى، كما يُفسح مجالًا أوسع لمشاهدة نتاج سينمائى لا يقف عند حدود جغرافية أو ثقافية معينة، أتصور هذا يليق بمدينة كانت هى مهد السينما فى مصر كما أسلفت قولًا، ولديها هذا التاريخ الموازى فى صناعة السينما المستقلة، ومحاولات عدة أسهمت فى خلق وتنشيط دوائر جديدة من المهتمين بصناعة السينما وأيضًا الشغوفين بالفرجة، ولعل إنشاء فرع جديد لأكاديمية الفنون ومعهد السينما مثلًا بالإسكندرية، فيه دلالة على الاحتياج وإن كان يطرح أسئلة حول قدرة ذلك على التأثير فى المشهد السينمائي، وحول ضرورة إيجاد سوق أوسع للعمل والإنتاج فى المدينة، فالرهان يظل مشرعًا على تغيير يحفز على تحقيق حركة سينمائية بمعايير مختلفة.

عودة إلى مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، فإنه بطريقة وأخرى فعل ما يمكن أن نطلق عليه فـن صناعـة الجمهـور، ففى المدينة هذا المُشاهد المهتم بالشأن السينمائى وبالفُرجة على الأفلام، يستسيغها ويجعلها مادة لنقاش حيوي، أو لقراءات مختلفة، المهرجان يمنحه نافذة مغايرة للمشاهدة، ويُدرّبه على أنماط سينمائية مختلفة وأفلام نوعية تحتاج إلى فرصة حقيقية للعرض، ورؤية ما تحمله من أسئلة جمالية ودرامية وفنية وتقنية، أفلام هى فى العادة لا تعثر على درب حقيقى إلى جمهور يأبه بها ويسعى إليها، صحيح أنه لدينا تجربة عريقة صنعها مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، لكن هذا لا يمنع تعدد المشاريع والتجارب لإفساح المجال أمام أولئك الذين يرغبون، فعليًا، فى مشاهدة الفيلم المختلف.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة