سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 مايو 1914..طه حسين يستحى تحريك يده أو لسانه على مائدة علوى باشا فى حفل تسليمه 20 جنيها مكافأة أول طالب يحصل على الدكتوراه بالجامعة المصرية

الخميس، 09 مايو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 مايو 1914..طه حسين يستحى تحريك يده أو لسانه على مائدة علوى باشا فى حفل تسليمه 20 جنيها مكافأة أول طالب يحصل على الدكتوراه بالجامعة المصرية طه حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت الساعة الخامسة مساء الثلاثاء 4 مايو 1914 حين اجتمعت اللجنة المكلفة باختبار ومناقشة الطالب طه حسين، لمنحه الدكتوراه كأول طالب مصرى يحصل عليها من الجامعة المصرية، منذ افتتاحها عام 1908، وفقا لأحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن».


يذكر شفيق، أن لجنة الامتحان تكونت من الأساتذة الشيخ محمد الخضرى رئيسا، والشيخ محمد المهدى ومحمود فهمى أفندى المدرسين بالجامعة، وإسماعيل رأفت بك، والشيخ علام سلامة، المنتدبين من نظارة المعارف، ويضيف: «كان اجتماع هذه اللجنة علنيا بحضورى، وبعد مناقشة الشيخ طه فى رسالته «تاريخ أبى العلاء المعرى»، ثم فى الموضوعين اللذين اختارهما مناقشة استمرت نحو ساعتين وربع الساعة، اجتمعت لجنة الامتحان للمداولة فيما يستحقه الطالب من الدرجات، فقررت أنه يستحق، جيدا جدا فى الرسالة.. ودرجة فائق فى «الجغرافيا عند العرب» ودرجة فائق فى موضوع «الروح الدينية للخوارج».


كان الحدث تاريخيا بكل المقاييس لأنه الأول فى تاريخ الجامعة المصرية، والفائز كفيفا امتلك إرادة صلبة وذكاء متقدا وعقلا جبارا، ويذكر طه فى سيرته «الأيام» أن الجماعة الضخمة التى ضاقت بها القاعة بالجامعة استقبلت إعلان نجاحه بالتصفيق الشديد الملح، ثم وقف علوى باشا فأعلن تبرعه بجائزة قدرها عشرون جنيها لأول طالب تخرج فى الجامعة المصرية، فاتصل التصفيق ثم تفرق الجمع، وانصرف هو مع رفاقه فأنفقوا ساعات فى بيت أحمد حسن الزيات لا يتحدثوا فيها إلا بأمر الرسالة والامتحان.


كثر الحديث فى الصحف عن إنجاز طه، وعن جائزة علوى باشا، ففى 9 مايو، مثل هذا اليوم، 1914، نشرت «الأهرام» تحت عنوان «جائزة علوى باشا للنابغين فى الجامعة»، قائلة: «امتحنت الجامعة المصرية فى آداب اللغة العربية الأستاذ طه حسين، فنجح فى الامتحان فمنحته لقب الدكتوراه فى آداب اللغة، وكان موضوع امتحانه «حياة أبى العلاء المعرى»، وبعد فوزه ونجاحه أعد سعادة العالم الفاضل محمد علوى باشا وليمة فى داره إكراما للدكتور، حضرها أعضاء الجامعة، وسلم له بعد الوليمة جائزة كان وقفها على روح المرحوم والده تقدم للنابغين من طلبة الجامعة سنويا، وصرف له مكافأتين عام 1913 و1914 نظرا لما أبداه من الكفاية التى أعجب بها الجميع».


يعبر «طه» عما جرى عن حالته بأسى وشجن، وصراع داخلى كونه كفيفا فى حضور آخرين مفتحين أثناء استلامه للمكافأة، يقول فى سيرته «الأيام»، أنه جلس على مائدة العشاء التى دعى إليها مع أساتذته الذين امتحنوه، «لكنه لم يصب من الألوان التى قدمت إليه شيئا، كان شديد الحياء بطبعه، وكانت النهاية تملك نفسه وتفسد عليه أمره كله، وكان لا يدرى ماذا يصنع بشخصه كله وقد وضعت أمامه أدوات المائدة فلم يكد يمسها حتى أدركه منها ذعر شديد، ماذا يصنع بالملعقة، وماذا يصنع بالشوكة والسكين، وكيف يتصرف بها، أليس الخير كل الخير فى أن يلبث فى مكانه هادئا ساكنا لا يعرض نفسه لسخرية أو إشفاق؟.


يؤكد أنه ظل فى مكانه هادئا ساكنا أيضا لا يحرك يدا ولا لسانا، ويضيف: «أقبل الأساتذة على طعامهم غير هيابين ولا وجلين ولا مترددين ولا حافلين بهذا الفتى الجالس بينهم كأنه التمثال، قد انعطف أعلاه على أسفله وهو مغرق فى السكون والصمت لا يصنع شيئا ولا يقول شيئا، كان يستحى أن يحرك يده أو لسانه، وكان يستخذى من سكونه وصمته، وكان يتعجل مر الساعات، ويتمنى أن تعود إليه حريته حين يرد إلى غلامه ذاك الأسود الذى كان ينتظره غير بعيد، وكان علوى باشا وحده يلح عليه فى أن يصيب من هذا اللون أو ذاك، فلما استيأس منه، قال فى صوت حزين: أرجو أن يكون خادمك قد أعد لك ما يعشيك».


يذكر «طه» أن الحاضرين فرغوا من طعامهم، وأخذوا فى أطراف الحديث، وشاركهم هو فى بعضها، ثم قام الباشا فأدار مفتاحا فى خزانة وجذب إليه درجا من أدراجها ثم عاد إغلاقها ثم أقبل عليه فدس فى يده ورقة تصبب جبينه لها عرقا، وكانت الورقة هى الشيك الذى دعى إلى العشاء ليتسلمه.  


كان الدكتور محمد علوى باشا أحد الذين ترتبط سيرتهم بتأسيس الجامعة، وفقا للدكتور محمود فوزى فى كتابه «جامعة القاهرة فى عيدها المئوى»، وكان مراقبا عاما لها وعضوا لمجلس إدارتها منذ عام 1908، وهو الذى أقنع الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل بالتبرع بالأرض والمال والمجوهرات للجامعة، واستثمر عمله طبيبا للعائلة الخديوية بعد عودته من فرنسا التى درس فيها طب العيون، فى إقناعها بعد أن علم أنها تنوى تخصيص جزء كبير من أملاكها وقفا خيريا، وتوفى فى 23 أكتوبر 1918.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة