قدمت سيدة الغناء العربى أم كلثوم أغنية «إنت الحب» فى 4 مارس 1965، فقرر الفنان الشاعر الرسام صلاح جاهين، منع ابنه من استماعها، وفى عام 1963 شارك فاتن حمامة ورشدى أباظة فى تمثيل فيلم «لا وقت للحب»، إخراج، صلاح أبوسيف، ثم قرر عدم تكرار التجربة، وكتب أغانى عاطفية جميلة أشهرها «أنا هنا يا ابن الحلال» لصباح، و«بان عليه حبه» لنجاة، ثم قرر التوقف عن هذا اللون العاطفى.
كشف «جاهين» هذه الاعترافات المثيرة وغيرها فى حوار لمجلة الكواكب، عدد 722، يوم 1 يونيو، مثل هذا اليوم، 1965، وكان إبداعه حتى وقتئذ رفيعا، ففى الشعر كان له ثلاثة دواوين، هى: «كلمة سلام، والقمر والطين، ورباعيات»، وكان فى درج مكتبه ديوانان، هما «غنوة برمهات، وقصاقيص ورق»، وفى الغناء كتب: «بالأحضان، ووالله زمان يا سلاحى، والمسؤولية»، وفى مسرح العرائس: «الليلة الكبيرة، وحمار شهاب الدين، وصحصح لما ينجح».
كان «جاهين» يعشق الحياة، ويعيشها كما يهوى بلا قيود، وبلا حدود، ونظر إلى السينما كالغريق الذى يتعلق بقشة لتحل له مشكلة الفلوس، وفقا لمحاوره الكاتب الصحفى أحمد ماهر، لكنه قرر عدم العمل فى السينما، قائلا: «شفت نفسى وسمعت نفسى، ماعجبنيش، وكمان التمثيل يحتاج لتفرغ وتجديد، وأنا ما عنديش إمكانيات التجويد، وعندى عيوب فى النطق، باكل الحروف أثناء الكلام، وساعات أسرح، وانسى أنا كنت باقول إيه».
وعن حب الحياة يقول: «أسوأ ما فى الحياة الموت، أنا زعلان جدا للناس اللى ماتوا، وزعلان على كل العايشين لأنهم هيموتوا، وبطلب من الإذاعة عدم إذاعة أغنية كتبتها زمان وتذيعها فى فترة الصباح، بقول فيها: «ح نروح فين كفاية، فرحنا يومين كفاية»، ويصفها: «أغنية مريضة، كل ما أسمعها أخجل من نفسى، وأحس إنى عايز أزعق، أقول للناس سدوا ودانكم، أنا كتبتها فى لحظة بعيد عن ضميرى».
وحول سبب توقفه عن كتابة الغناء العاطفى، يقول: «الأغنية العاطفية عندى مسؤولية كبيرة جدا، كبيرة علىِّ»، ويوضح منتقدا أغنية «إنت الحب» لأم كلثوم، قائلا: «يعنى إذا كان عندى ابن عنده ستة عشر عاما، أمنعه إنه يسمع أغنية «إنت الحب»، والخطأ ليس على المؤلف أحمد رامى، فهو ليس عنده غير هذا الكلام، ولكن المغنية والملحن محمد عبدالوهاب يعلمان أن أغانيهما ستلتقطها إذاعات العالم، وترددها عشرات المرات فى اليوم، فعليهما تقع مسؤولية الكلام الذى يختارانه لنسمعه، ويسمعه معنا بنات وأولاد تتفتح قلوبهم للحياة والحب، لأن أنا اتربيت فى مجتمع يرى الجنس والحب عيب، وجيل دلوقتى غير الجيل السابق، وكل الأجيال السابقة، وأنا باحس لما أكتب فى العاطفة لازم أقول كلام للشبان، إذا ما ينفعش ما يضرش».
يؤكد جاهين: «أنا لا أهاجم أحدا»، ثم يضيف: «اللحن جميل، واحد مزيكاتى زى محمد عبدالوهاب عاش طول عمره مع البهوات والباشوات، ينصت إلى الصعايدة والفلاحين ويخرج منهم بهذه الجمل الرائعة، مجهود مشرف بلا شك أن يتجه إلى الشعب، ويتناول موسيقاه، ويقدمها فى أجمل صورة، أم كلثوم عندى هى شكسبير الأصوات».
يضرب «جاهين» مثلا بكلام لم يعجبه فى «إنت الحب»: «ولما أشوف حد يحبك / يحلى لى أجيب سيرتك وياه»، ويعلق: «ده حب حتى مش أفلاطونى»، ويقارنه بكلام فى أغنية «سيرة الحب» لأم كلثوم، كلمات، مرسى جميل عزيز، تلحين، بليغ حمدى، قائلا: «مرسى جميل عزيز، يقول كلام نجد فيه حب الدنيا والدين، مثلا: «ماباقولش فى حبك غير الله، الله»، مش عاوز أضرب أمثلة، لكن الكلام فى «إنت الحب» امنع ابنى يسمعه لأنه يشوه فكرته عن الحب والجنس الآخر».
ينتقد «جاهين» إذاعات القاهرة لأنها «تذيع أغنيات أم كلثوم لتجتذب بها المستمع ولتهدد بقية المغنواتية بأن أحدا لن يصل إلى هذه المكانة مهما حدث»، ويوضح: «أم كلثوم على عينى وراسى، ولكنى لا أتصور أن تقدم الإذاعات تسجيلات أغانيها فى ساعة، ويمكن أكتر، ممكن ده فى الحفلات التى تغنى فيها، أما فى تسجيلات مذاعة فهذا كتير، كتير، أنا أعرف أن عشاق صوت أم كلثوم بالملايين، لكن ده مش معناه أبدا أن تتفرغ الإذاعات لتقديم أغنياتها ليل نهار، لما طلعت أغنية إنت عمرى، حسيت بالهجوم من كل إذاعات الدنيا على الناس بتلك الأغنية لغاية ما زهقت من عيشتى، وربنا أنقذنى برحلة أمريكا، وأنا ماشى فى باريس جيت افتح باب محل بالليل، سمعت صوت أم كلثوم يذاع فى هذا الملهى قفلت الباب وطلعت جرى».
رغم نقده، يؤكد «جاهين» على حبه لأم كلثوم، قائلا: «أحبها مع زكريا أحمد وفى «سيرة الحب»، ألحان زكريا مع أم كلثوم «زخارف شرقية»، ولحن بليغ حمدى لسيرة الحب عمل رائع، لو سمعت طول اليوم، يا سلام عالدنيا وحلاوتها فى عين العشاق، ما أزهقش، ولو كنت مش مصدق الكلام ده، محتمل أصدقه».
