نائب رئيس محكمة النقض: «مشروع العدالة الانتقالية» يحتاج لإرادة سياسية.. المستشار عادل ماجد: واقعة سحل المواطن أمام الاتحادية أعادتنا لمرحلة ما قبل الثورة.. وإصلاح الداخلية سيأتى ضمن بنود المشروع

الأحد، 17 فبراير 2013 10:01 ص
نائب رئيس محكمة النقض: «مشروع العدالة الانتقالية» يحتاج لإرادة سياسية.. المستشار عادل ماجد: واقعة سحل المواطن أمام الاتحادية أعادتنا لمرحلة ما قبل الثورة.. وإصلاح الداخلية سيأتى ضمن بنود المشروع عادل ماجد
حوار - آمال رسلان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن اليومى

فى الذكرى الثانية للثورة المصرية خرجت الجماهير تحمل غضبا أكثر مما حملته فى 2011، والذى زاد من حالة الغضب هو غياب العدالة التى لم تتمكن على مدار عامين أن تأتى بحق الشهداء مصابى الثورة، وهو ما أدى إلى تفشى حالة الاحتقان التى ظهرت على مدار الأسبوعين الماضيين فى الشارع المصرى وتنامى العنف.

وتعالت المطالب خلال الأيام الماضية بضرورة وضع منظومة للعدالة الانتقالية فى مصر تضمن الاستقرار للبلاد بعد أن أثبتت الإجراءات التى تم اتخاذها كتشكيل لجان لتقصى الحقائق وتعويض أسر الشهداء والمصابين وفتح تحقيقات فى الجرائم التى اُرتكبت أثناء الثورة وخلال المرحلة الانتقالية، فشلها فى إثبات الحقائق والوصول إلى المصالحة بين أطياف المجتمع المختلفة بل إن الجرائم يتم ارتكابها حتى اليوم بنفس الأدوات التى كانت ترتكب بها قبل الثورة.

المستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض هو أحد خبراء القانون الجنائى الدولى المعروفين فى الوطن العربى قدم مؤخراً أمام لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى شرحاً مفصلاً لأهم أهداف العدالة الانتقالية فى مصر والجوانب التشريعية المتعلقة بها، وأكد فى حواره لـ «اليوم السابع» العلاقة الوثيقة لما تشهده مصر الآن من أحداث عنف متجددة وغياب منظومة فاعلة للعدالة الانتقالية.

> تعالت الأصوات بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة منذ الذكرى الثانية للثورة لإصدار قانون حول العدالة الانتقالية.. فما أهمية ذلك؟
- العدالة الانتقالية مصطلح يظهر خلال التحولات السياسية الجذرية للمجتمعات، عن طريق الثورات أو صعود تيارات سياسية تختلف فى مرجعيتها عن تلك التى كانت سائدة فى البلاد، أو فترة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، وهو الحال فى مصر، وتطبيق آليات العدالة الانتقالية مهم جدا لإنهاء حالة التوتر وعدم الاستقرار السياسى رغم مرور عامين على الثورة، فهناك علاقة وثيقة بين حالة الاستقطاب الحاد والانقسام الذى ضرب المجتمع وعدم مواجهة تجاوزات الماضى بطريقة جذرية عن طريق تكريس قواعد العدالة الانتقالية وفقاً لإطار تشريعى محكم وشامل فى ظل توافق مجتمعى هادف وصولاً إلى المصالحة الوطنية.

> هل لمست تجاوبا من القائمين على الأمر خلال حضورك لجلسة مجلس الشورى لتطبيق العدالة الانتقالية؟
- لاحظت خلال حضورى لجلستى استماع بلجنة حقوق الإنسان برئاسة دكتور إيهاب الخراط اهتماما كبيرا من الحاضرين بموضوع العدالة الانتقالية وأهدافها، كما أن هناك توافقا على أهمية تطبيقها، ولكن يبدو أن الأمر سوف يكون متروكا للإرادة السياسية لمتخذى القرار فى هذا الشأن.

وأنا من خلال دراستى لتجارب سابقة للعدالة الانتقالية فى بلدان أخرى فإننى أهيب كمواطن مصرى عادى بأصحاب القرار السياسى بسرعة تبنى مفهوم العدالة الانتقالية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيقه على أرض الواقع، بما ينتقل بالبلاد من حالة عدم الاستقرار إلى مرحلة التوافق والسلام الاجتماعى.

> ما أهم أهداف العدالة الانتقالية؟ وهل تم تطبيقها خلال المرحلة الانتقالية؟
- تقوم العدالة الانتقالية على 6 دعائم رئيسية هى «معرفة الحقيقة» و«المحاسبة والقصاص» و«تعويض الضحايا وجبر أضرارهم» و«التطهير» و«الإصلاح المؤسسى» وصولاً إلى «المصالحة».

وبالفعل تم تطبيق بعض صور العدالة بتشكيل لجان لتقصى الحقائق وتعويض مصابى الثورة وتكريم شهدائهم، إلا أن الإجراءات عقب الثورة وحتى اليوم تمت بطريقة مجتزأة وغير شمولية، ولا تتمشى مع أهداف العدالة، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الحقيقة وتحقيق المصالحة، وإن حالة الاضطراب والعنف المتجدد هى أحد تداعيات التطبيق القاصر لمنظومة العدالة الانتقالية.

> هل هناك علاقة بين موجة العنف التى اندلعت فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية خلال احتفالات الثورة وغياب العدالة الانتقالية؟
- بالطبع ما حدث يقدم دليلا على أهمية العدالة الانتقالية، حيث إن تلك المنظومة لا تعمل فقط على المحاسبة والقصاص وإنما تعمل أيضا على تهدئة الشارع وإزالة حالة الاحتقان بين طوائف المجتمع المختلفة، وجمع أطراف النزاع فى مكان واحد أمام شخصيات محايدة على قدر كبير من الحكمة، وفى ظل مناخ السكينة سيقبل أطراف النزاع باعتذار الآخرين والصفح فى كثير من الأحيان.

> لكن ما علاقة العدالة الانتقالية باستمرار تعامل النظام مع المصريين بالمنطق الأمنى، وهو ما ظهر فى واقعة سحل المواطن أمام قصر الاتحادية؟
- بطبيعة الحال ما حدث أمام الاتحادية من عنف متبادل بصفة عامة والتعامل بقسوة وقوة مفرطة مع أحد المواطنين والتعدى على حريته الشخصية وعلى عرضه هو أحد تداعيات عدم الأخذ بمفهوم العدالة الانتقالية، التى من أهم بنودها إصلاح مؤسسات الدولة على نحو يجنبها ارتكاب أخطاء الماضى ومنها بطبيعة الحال انتهاكات حقوق الإنسان من تعذيب واستعمال قسوة واحتجاز بدون وجه حق.

وكان من اللازم بعد أحداث الثورة محاسبة المسؤولين فى جهاز الشرطة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التى وقعت على المصريين واستبعاد المذنب منهم وفقاً للقانون، وإعادة هيكلة جهاز الشرطة على نحو يمنع ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل العاملين فيه من ضباط وجنود وأفراد، تحت بند الإصلاح المؤسسى، بما يشمله ذلك وضع برامج تدريبية على كيفية التعامل مع الأشخاص أو مع الأحداث واحتواء العنف والجريمة بدون انتهاك حقوق المواطنين.

> هل يعنى هذا أنه لا مفر من تطبيق العدالة الانتقالية فى مصر بعد هذه الحادثة؟
- واقعة سحل المواطن تؤكد مدى الحاجة لتطبيق آليات العدالة الانتقالية، فهى واقعة قد أساءت للوجه الحضارى لمصر إساءة بالغة بل أنها أساءت للثورة نفسها التى اندلعت للتصدى لانتهاكات مماثلة لحقوق الإنسان بهدف إعادة كرامة الإنسان المصرى وصيانتها. وعلى القدر الذى أذهلت به الثورة المصرية العالم فى نصاعتها، فإن واقعة سحل المواطن المصرى قد أذهلت العالم فى بشاعتها، وأعادتنا لحقبة ما قبل الثورة.

> هل تكفى نصوص قانون العقوبات الحالية فى مواجهة مثل تلك الوقائع؟
- إن مصر دولة طرف فى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 لمناهضة التعذيب والأشكال الأخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، وما حدث للمواطن المصرى وما يماثلها قبل وأثناء الثورة يندرج تحت هذه الاتفاقية، وعلى الحكومة المصرية مواءمة كل التشريعات الوطنية «وتحديثها» لكى تتماشى مع أحكام الاتفاقية وخاصة فيما يتعلق بتجريم التعذيب مطلقاً. ومن الجدير بالذكر أن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على أنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسى داخلى أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب، ولا التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو سلطة كمبرر للتعذيب.

> ما أهم الخطوات الواجب اتخاذها لتطبيق مفهوم العدالة الانتقالية؟
- أولا وضع تشريعات متطورة يتمكن القضاء من خلالها من إعمال سياسة عدم الإفلات من العقاب، ومن أهم المسائل التى يجب أن يتصدى لها المشرع المصرى سريعاً إصدار قانون حول العدالة الانتقالية مع إصلاح منظومة العدالة الجنائية فى مصر. ومحاكمة قتلة الثوار أمام محاكم متخصصة وفقاً لأعلى المعايير الدولية وجبر ضرر الضحايا وإنشاء «هيئة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية».

> هل سيشمل تطبيق العدالة الانتقالية على فترة ما قبل الثورة فقط أم ستشمل الجرائم التى تمت فيما بعد الثورة؟
- عادة يتم تطبيق آليات العدالة الانتقالية على الانتهاكات لحقوق الإنسان وتجاوزات وإساءة استعمال السلطة التى تمت أثناء نظم استبدادية سابقة للثورات ولحين تولى سلطة شرعية، وكان هناك توافق بين أعضاء لجنة حقوق الإنسان على وجوب أن تشمل العدالة الانتقالية المدة من عام 1981 مع تولى الرئيس السابق الحكم وحتى ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد المتظاهرين السلميين إبان أحداث الثورة وحتى تولى رئيس الجمهورية المنتخب للرئاسة.

> لكن ماذا عن أحداث العنف والقتل التى مازالت مستمرة حتى اليوم؟
- إن مصلحة الوطن تحقيقا لأهداف العدالة الانتقالية ووصولا إلى المصالحة بين كل أطياف المجتمع المصرى تستلزم بالفعل أن يتم تقصى جذور أسباب العنف الذى حدث ومازال يحدث حتى وقتنا هذا، ومحاولة إزالة أسبابه ورأب الصدع بين مكونات وأطياف المجتمع المصرى وصولا لتحقيق المصالحة الوطنية، وهذا ربما يتفق مع ما ورد بوثيقة الأزهر حول نبذ العنف من أهداف وغايات. ولكن يترك القرار فى هذا الشأن للمشرع الوطنى المناط به إصدار قانون للعدالة الانتقالية وإلى أصحاب الإرادة السياسية.

> هل تحل وثيقة الأزهر التى أعلنت مؤخراً لمواجهة حالة الانقسام محل العدالة الانتقالية؟
- لقد كان للأزهر دور بعد ثورة 25 يناير فى محاولة تحقيق الوحدة، ووثيقة الأزهر خطوة مهمة لتقصى أسباب العنف السائد فى المجتمع المصرى والتصدى له، إلا أنها يغلب عليها الطابع السياسى، لأن أطرافها هم ممثلو التيارات السياسية المختلفة وهى تسعى أساساً إلى حل الخلافات بين الأطراف السياسية، فهى تتعامل مع الجوانب السياسية التى تدفع إلى العنف، أما آليات العدالة الانتقالية فهى تصطبغ أساساً بالجانب القانونى.

> يتم الخلط من قبل البعض بين هذا القانون والعزل السياسى.. فما الفرق؟
- العزل السياسى هو إحدى صور تطبيقات آليات العدالة الانتقالية، ولكنه يجب أن يتم فى إطار منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية حتى يحقق نتائجه المرجوة، ومن المستحسن تطبيق إجراءات العزل بجميع صوره وأشكاله فى أضيق الحدود وبدون تمييز وفقط ضد من تثبت مشاركتهم فى إفساد الحياة السياسية وإساءة استعمال السلطة.

> هل سيضمن هذا القانون عدم تكرار تجربة البراءات التى حصل عليها المتهمون فى جرائم الثورة؟
- إن قضايا قتل الثوار كما سبق أن قررنا ليست جرائم العادية، بل هى من قبيل جرائم القتل والشروع فى القتل التى تتم بطريقة جماعية ووفقاً لسياسة عامة ممنهجة وعلى نطاق واسع، ولا ينكر أحد قصور منظومة العدالة الجنائية بصورتها الحالية فى مصر عن ملاحقة مرتكبى مثل هذه الطائفة من الجرائم الجسيمة، فتلك المنظومة لم يتم تطويرها لوقت طويل وأصبحت قديمة ومتهالكة، وهذا سبب أساسى فى صدور أحكام عديدة بالبراءة فى هذه القضايا.

> هل تأخرت مصر فى وضع قانون للعدالة الانتقالية؟
- نعم فقد كان من الممكن تجنيب البلاد حالة الانقسام التى لحقت بالمجتمع المصرى، وحالة الاستقطاب الحاد بين صفوف الشعب لو كان تم تكريس قواعد العدالة الانتقالية وفقاً لإطار تشريعى محكم وشامل فى ظل توافق مجتمعى هادف.

> لماذا قانون جديد ألا تكفى التشريعات العقابية الحالية لمواجهة الجرائم التى ارتكبت فى حق المتظاهرين السلميين؟
- إن الجرائم التى ارتكبت أثناء وعقب ثورة 25 يناير تتميز بالجسامة والضخامة والتنظيم وتتطلب تحقيقات مطولة وإجراءات معقدة لجمع الأدلة الجنائية، وتوافر قاعدة تشريعية تلبى احتياجات المجتمع وتضمن محاكمة المسؤولين وفقاً للنظريات الجنائية الحديثة وليس وفقاً لنظريات تقليدية أدى تطبيقها إلى نتائج شاذة يحاكم من خلالها القائد والرئيس على أنه شريك، ويحاكم الجندى أو البلطجى -أو غيرهم من الأشخاص الذين تم استخدامهم فى الهجوم على المتظاهرين السلميين- على أنه فاعل أصلى، وقد يظل المخطط الأكبر لها بمنأى عن العقاب.

> ما دور القضاء المصرى فى تطبيق العدالة الانتقالية؟
- من أهم المهام التى يضطلع بها القضاء المصرى محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتجاوزات الخطيرة فى حق الوطن ورد حقوق الضحايا وتعويضهم. ومن ثم فإن القضاء المصرى مازال ينتظره دور مهم خلال المرحلة الانتقالية التى يشهدها الوطن. وأهداف ثورة يناير لا يمكن تحقيقها إلا فى ظل وجود قضاء مستقل، وأطالب بتركيز الاهتمام فى هذه المرحلة على تعزيز ودعم استقلال القضاء من خلال تعديلات قانون السلطة القضائية بحيث يتم إصدار قانون «دعم استقلال القضاء».










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة