د. شوقى عبدالكريم علام: الخطاب الدينى ودروس من مقاصد الحج.. الحج يدل على وحدة الأمة الإسلامية التى نحن أحوج ما نكون إليها اليوم للتصدى لهذا السيل الجارف من أعداء الإسلام

السبت، 27 سبتمبر 2014 08:30 ص
د. شوقى عبدالكريم علام: الخطاب الدينى ودروس من مقاصد الحج.. الحج يدل على وحدة الأمة الإسلامية التى نحن أحوج ما نكون إليها اليوم للتصدى لهذا السيل الجارف من أعداء الإسلام شوقى عبد الكريم مفتى الديار المصرية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحج عبادة روحية وركن عظيم من أركان الإسلام، كما أنها بحق تُعد مدرسة عظيمة فى الجهاد الأكبر، يتعلم فيها المسلم وتتعلم الأمة من بعده كيف تنتقل النفس من عاداتها المألوفة ومن النعيم وترف العيش إلى ترك كل ذلك والتخلى عنه لأجل اللحاق بركب المجاهدين القاصدين بيت الله الحرام، المستجيبين لنداء الله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ»، تلك العبادة التى تختلف عن غيرها من العبادات من صلاة وزكاة وصيام، لأنها عبادة يغادر من أجلها المسلم بلاده، وأولاده وأملاكه وأمواله قاطعًا المسافات بالأميال متحملاً المشقة والتعب لأجل رضا الله عز وجل. 

وخطابنا الدينى عليه أن ينتهز الفرصة العظيمة فى هذه الأيام الجليلة والمناسبة العظيمة ليستقى منها الدروس والعبر، ويدفعها إلى المسلمين دفعًا، ليعلموا أن تلك الدنيا التى تشغلهم وملكت زمام أمرهم لا تساوى عند الله شيئًا، مقارنًا بينها وبين تلك الرحلة العظيمة التى يهجر فيها الحاج ليس أهله وماله بل يهجر الدنيا بأسرها، هجرة إلى الله تعالى، يتجرد فيها من كل شىء حتى من المخيط من الثوب، ليرتدى رداءً هو أشبه بالكفن، وليقف بعدها بجانب الملايين على جبل عرفات فى مشهد هو أشبه بيوم الحشر العظيم، ذلك المشهد الأجل الذى يُذكر الناس بيوم القيامة، والخروج من الدنيا والوقوف بين يدى الله تعالى للحساب، فرحلة الحج هى أشبه ما تكون برحلة عمر الإنسان فى هذه الحياة.

فالخطاب الدينى وهو بصدد التجديد والتطوير عليه أن يتفاعل مع المناسبات الدينية ويستخلص منها الدروس والعبر، بدلاً من التزامه الجمود والتقليدية التى تجعل منه خطابًا مهمشًا لا يصل إلى الناس لافتقاده التطوير والتجديد، واليوم ونحن بصدد الحديث عن الحج، وما ينبغى أن نستخلصه من دروس ذكرنا أن الحج هو مدرسة الجهاد العظمى، والجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ليس هذا الجهاد الذى نعانى منه اليوم من فئة متطرفة فى فهمها للدين ظنت الجهاد هو قطع الرءوس وترويع الآمنين، لكنه الجهاد الحق الملتزم بأحكام الإسلام وتعاليمه.

ولما نذهب ونقرأ كيف يكون الجهاد فى الحج، نجد أن مشقة السفر إلى مكة تشبه سفر المجاهدين فى سبيل الله تعالى، الذين تركوا الأهل والولد والمال والوطن، حتى أن التنقل بين المشاعر المقدسة بمثابة تنقل الجيوش المحاربة،  ففى زمن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد نهى عن سفر المرأة بدون محرم، فقام رجل فقال: إن امرأتى خرجت حاجَّة، وإننى اكتتبت فى غزوة كذا. فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب وحج مع امرأتك»، لينتقل الرجل من جهاد إلى جهاد آخر يعادله، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم سمى الحج والعمرة جهادًا بالنسبة للنساء، فقال: «عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».

ولا يفوت خطابنا الدينى أن يؤكد على أن الحج يدل على وحدة الأمة الإسلامية، التى نحن أحوج ما نكون إليها اليوم للتصدى لهذا السيل الجارف من أعداء الإسلام من الداخل والخارج الذين يكيدون للإسلام والمسلمين المؤمرات ليل نهار، ففى الحج تتجلى قيمة الوحدة الإسلامية بوحدة القبلة التى يتجه إليها الجميع فى صلاتهم من مشرق الأرض إلى مغربها، وهى تلك القبلة التى تجمعهم ليؤدوا عندها شعائر الحج والعمرة: «وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ».

ومن دروس الوحدة أيضًا تلك العقيدة الواحدة التى تجمع المسلمين على تلبية واحدة لا سبيل إلى مصلحة أو تعصب لجنس أو نوع أو وطن لكنها كلها لله، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، حتى إن إحرامهم جميعًا واحد، هم يلبسون ثوبًا واحدًا، تسقط معه الفوارق بين الناس، ليذوبوا جميعًا فى صعيد واحد يجمعهم مكان وزمان واحد، لتتوحد الأمة كلها ليس فى عرفات فقط بل فى كل أنحاء الدنيا، وحدة إسلامية تبهر الدنيا فى هذا اليوم العظيم، وحدة ترنو إليها نفوسنا وقلوبنا فى هذه الأيام المباركات.

ومن دروس الحج المبادرة إلى فعل الخيرات والحث عليها، فقد ورد عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجّلِوا إلىَ الحَجّ - يعنى الفريضة - فإِنّ أحدُكُم لا يَدرى مَا يَعْرِضُ له»، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يُبادر إلى أداء هذا الركن العظيم متى استطاع إلى ذلك سبيلاً، وما نتعلمه هنا ألا تقتصر المبادرة على الحج فحسب بل على المسلم أن يبادر إلى فعل الخيرات، وأن يعجل من التوبة والإقلاع عن كل ما يغضب الله تعالى، لأن الإنسان لا يعلم فى أى الأيام سيقضى، وبالتالى يعجل بالخير ليقابل الله تعالى وهو عنه راضٍ.

كما أن على الخطاب الدينى التوقف أمام الدرس العظيم من الحج وهو تحقيق التقوى، فجاء الأمر بها والحث عليها بل قرن قبول العمل بتحقيقها، وذلك يؤكد على منزلة التقوى وما تحدثه من أثر عظيم فى حياة المسلم عامة، وحياة الحاج على وجه الخصوص، فختمت آيات الحج كلها بالتقوى، فحينما قال تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ختمت الآية بقوله تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»، وحينما قال تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ» ختمها بقوله سبحانه: «وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»، وغيرها من الآيات التى تحث على التقوى لما لها من أثر عظيم يظهر على الجوارح، فهى عمل قلبى بالأساس، يجب أن يغلف المسلم عمله بها سواء أكان فى الحج أم فى كل أمور حياته.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة