أوجاع الجنوب.. الحلقة4.. معاناة يومية لطلاب بنى سويف مع "معديات الموت".. "اليوم السابع" يقضى يوما فى حياة طالب بقرية "غياطة".. يستيقظ 6 صباحا ورحلته فى المعدية 3 ساعات وإنشاء كوبرى يقلصها لـ10 دقائق

الأربعاء، 25 مارس 2015 05:07 م
أوجاع الجنوب.. الحلقة4.. معاناة يومية لطلاب بنى سويف مع "معديات الموت".. "اليوم السابع" يقضى يوما فى حياة طالب بقرية "غياطة".. يستيقظ 6 صباحا ورحلته فى المعدية 3 ساعات وإنشاء كوبرى يقلصها لـ10 دقائق طلاب المدارس فى بنى سويف
تحقيق: صفاء عاشور - آية نبيل تصوير حازم عبدالصمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقلا عن العدد اليومى :



ـ الفتيات يتركن المدارس بعد الإعدادية خوفا من التأخير وأعطال المعدية.. ومعديات المجلس المحلى لا تعمل إلا فى الصيف



لا تطأ قدماك محافظة بنى سويف إلا وترى الغضب فى قرى شرق النيل، فالهبة التى وهبها الله لمصر تفصل بين مراكز المحافظة، ولأن التمركز الحكومى يقع فى الضفة الغربية من النيل، تبقى المعديات حلقة الوصل الوحيدة أمام قرى شرق النيل ليكونوا على وصال مع الحياة فى غربها.

يستيقظ محمد فى الخامسة فجرا للحاق بالمدرسة- 2015-03 - اليوم السابع

يستيقظ محمد فى الخامسة فجرا للحاق بالمدرسة



وهناك تقع المستشفيات والمدارس والمصالح الحكومية، حتى الأسواق يضطر أهالى الشرق للوصول إلى قرى الغرب لشراء احتياجاتهم منها.

فى هذا التحقيق تتناول «اليوم السابع» معاناة طلاب المدارس الذين يعتمدون على المعديات للذهاب إلى مدارسهم، فى مشقة يومية دون أن يكون للدولة أى دور فى حل هذه الأزمة.

عشرون دقيقة يستغرقها لتجهيز نفسه- 2015-03 - اليوم السابع

عشرون دقيقة يستغرقها لتجهيز نفسه



أما عن حالة المدارس بالقرى الفقيرة بمحافظة بنى سويف، فقد رصد محررو «اليوم السابع» حالة فوضى بمدارس بقرية «بهبشين»، وسط علامات استفهام، حول الدور الذى يلعبه المسؤولون عن تلك المدارس.



النزول مبكرا يمنع العديد من الشباب استكمال دراستهم- 2015-03 - اليوم السابع

النزول مبكرا يمنع العديد من الشباب استكمال دراستهم



فى السادسة صباحا فى الأيام العادية، الخامسة أيام الامتحانات، يستيقظ محمد وزملاؤه، حتى لا يتأخروا عن موعد المدرسة، ساعتين، وفقا له، هى الوقت اللازم منذ خروجه من باب المنزل وحتى أسوارها، يؤكد أن المسافة إليها فى الأصل لا تتعدى الـ10 دقائق، إلا أن ذلك يعتمد على «المعدية».

تجتمع أغلب الطلاب للذهاب معاً عبر المعدية- 2015-03 - اليوم السابع

تجتمع أغلب الطلاب للذهاب معاً عبر المعدية



محمد يقول صراحة، إن الاستمرار فى التعليم فى هذه القرى أمر شبه مستحيل خصوصا للفتيات، أما الذكور فلا يستطيع الجميع استكمال دراسته حتى وإن رغب فى ذلك، فالتنقل اليومى وتمركز الدروس على الضفة الغربية من النيل أمر يجده سكان هذه القرى صعبا، ويقولون فيما بينهم، إن المحافظة تستطيع أن تعالج المسألة فى غمضة عين بمجرد إنشاء كوبرى حفاظا على أرواح المارين عبر هذه المعديات بشكل يومى.

فى أغسطس الماضى، انقطع سلك «الواير» الخاص ببوابة إحدى المعديات التى تربط بين قرية غياضة الشرقية ومركز ببا نتيجة تكدس الركاب والسيارات والدراجات النارية على سطحها بأعداد أكبر من حمولتها، مما نتج عنه سقوط بعض حمولتها من الركاب والدراجات النارية، وتسبب فى حالة وفاة وحوالى 100 مصاب، خرج بعدها أهالى القرية وكفر ناصر فى مظاهرة عند المرسى النهرى، احتجاجا على عدم تطويره وعدم الرقابة على صيانة المعديات.

انتظار المعدية قد يطول إلى ساعتين أو أكثر- 2015-03 - اليوم السابع

انتظار المعدية قد يطول إلى ساعتين أو أكثر



كان وقتها «محمد» فى الصف الثانى الإعدادى، يتذكر الحادث الذى جاء وقوعه فى الصيف أمرا ليس بالهين على طلاب المدارس، حيث أدى إلى تعطل الانتقال بين القرى على ضفة النيل الشرقية وانقطاع الاتصال بالمحافظة، فلسان حال جميع أهل القرية يقول إن المعدية تعد «شريان الحياة» الوحيد الذى يربطهم بالمحافظة، وبدونها هم معزولون فى الجبل.

«اليوم السابع» قضت يوما مع محمد جمال، الطالب بالصف الثالث الإعدادى الأزهرى، منذ استيقاظه صباحا وحتى ذهابه إلى المدرسة، وهى الرحلة التى استغرقت ما يقرب من 3 ساعات، انتظارا لقدوم المعدية واكتمال حمولتها وانتقالها إلى الضفة الأخرى، وهى الوسيلة الوحيدة التى تربط القرية «غياضة الشرقية» بمركز ببا، فالبديل أمام محمد وأقرانه من طلاب المدارس والموظفين والعمال والفلاحين الذين ينتقلون إلى ببا يوميا أن يستقلوا الطريق البرى إلى بنى سويف، وهو طريق صحراوى، لا تعمل عليه أى وسيلة مواصلات، واستخدامه يتطلب تأجير سيارة خاصة، يقدرها الأهالى بحوالى «40» إلى «50» جنيها، وهو أمر لا يستطيع أن يقوم به هؤلاء بشكل يومى.

يقول محمد: «بدأت أركب المعدية منذ كان عندى 5 سنوات، كنت أستقلها مع والدى للذهاب إلى دار لحفظ القرآن، كنت بترعب كلما اهتزت، وذات مرة وقع حادث وسقط غرقى فى النيل وتوقفت عن الذهاب إلى الدروس».

المعدية تنقل أفراداً ووسائل النقل- 2015-03 - اليوم السابع

المعدية تنقل أفراداً ووسائل النقل



بعد التحاقه بالمدرسة الابتدائية اضطر محمد لأن يذهب يوميا إلى ببا، وعن ذلك يقول: «كل المراكز فى البندر مفيش حاجة هنا فى القرية، فى الصباح يتكدس الناس على ضفة النيل، الموظفون والعمال والفلاحون، كنا زمان بنركب عوامات صغيرة، بعدها أحد الأهالى استأجر المعدية «العوامة» الكبيرة، اللى بتنقل عربات النقل ذات الحمولة الكبيرة، بتنقل رمل وزلط وطوب وبلوك من القرية لـ«ببا» أو «العكس».

العوامات الصغيرة، على حد قول محمد، خاصة بالأهالى، وتعمل فى أوقات التكدس، أما الأهالى أنفسهم فأكدوا أن هذه العوامات أغلبها غير مرخص، حيث لا يتوافر فيها معايير الأمان النهرى وأدوات الإنقاذ، إلا أنه مع تكدس المواطنين الراغبين فى الانتقال بين ضفتى النيل، يضطر الأهالى إلى ركوبها حتى لا يتأخروا عن أعمالهم ومصالحهم.

التروسيكل وسيلة آخرى من المعدية إلى المدرسة- 2015-03 - اليوم السابع

التروسيكل وسيلة آخرى من المعدية إلى المدرسة



اشتراطات السلامة فى المراكب الصغيرة غير متوفرة، فالمركب يكون متكدسا، بل يروى أنه أحيانا يستقل المركب على سطحه، معترفا بأن ذلك غاية فى الخطورة، فأى اهتزاز للمركب قد يؤدى إلى سقوط الجميع.

لكنه يعود ليبرر ذلك بقوله «إن المضطر يركب الصعب»، فأيام الدراسة، قد يذهب الطلاب إلى الضفة وبسبب الازدحام الشديد يعودون دون الذهاب إلى المدرسة، لكن أيام الامتحانات يركبون حتى ولو الحمولة زائدة، ويعلق قائلا «المدارس كلها عارفة إن الطلاب اللى جايين من قرى الشرق بيتأخروا بسبب المعدية، ولما بنتأخر عن الامتحان بيعوضونا فى الوقت، وفى أيام الدراسة ملناش معاد محدد».

الذهاب أخيراً إلى المدرسة عقب 3 ساعات من النقل- 2015-03 - اليوم السابع

الذهاب أخيراً إلى المدرسة عقب 3 ساعات من النقل



على الضفة وجدنا العديد من السيارات التى تنتظر قدوم المعدية، عربات نصف نقل، تروسيكل نقل ركاب، عربات نقل كبيرة، دراجات بخارية، وأفراد، جلس محمد وأصدقاؤه فى المدرسة على إحدى الصخور، موضحين أن الانتظار قد يطول إلى ساعة أو اثنتين، حيث تنتظر المعدية على الضفة الأخرى أن تمتلئ حمولتها حتى تتحرك، وذلك فى الأيام التى لا يوجد ضغط عليها، أما أوقات الضغط، مثل خروج الموظفين أو يوم السوق «الخميس» الذى يذهب فيه البائعون من القرى الشرقية إلى مركز ببا لبيع محصولاتهم ومنتجاتهم، فقد ينتظر الطلاب أكثر من ذلك نتيجة التكدس.

فى إحدى السيارات الأجرة، جلست إيمان، التى أوضحت أنها خرجت من الصف الثالث الإعدادى دون أن تستكمل دراستها الثانوية فى ببا، لأن أهلها خافوا عليها من الانتقال عبر المعدية، وهو أمر يفسره محمد قائلا: «المدرسين كلهم فى ببا، وعشان أخلص مدرسة وآخد دروس، ممكن يكون فيه فارق زمنى بينهم، الأهالى ممكن يسمحوا للولد أنه يظل طوال هذه الفترة على الضفة الأخرى، لكنهم يخشون على الفتيات».

أسرة محمد قررت أن تنتقل إلى ببا عقب التحاقه بالمرحلة الثانوية، فالانتقال بين الضفتين سيضيع وقته، وهو أمر لا يحتمله هذه السنوات الدراسية الحساسة، ويعلق محمد على ذلك قائلا: «طبعا مش كل الناس عندها القدرة المادية على ذلك، لذا هناك من يرضى بترك المدرسة والاكتفاء بالإعدادى».


مراكب الصيد بديل للمعديات فى حالة الضرورة القصوى- 2015-03 - اليوم السابع

مراكب الصيد بديل للمعديات فى حالة الضرورة القصوى



لا ينسى محمد حينما كان يركب أحد المراكب للانتقال إلى مدرسته بمركز ببا ومرت سفينة كبيرة بجانبهم أعقبتها موجات ضخمة جعلت مركبه يتطاوح يمينا ويسارا، حيث يقول عن الحادثة: «الستات قعدت تصوت ولما رجعت يومها قعدت فترة مبروحش لأنى كنت خايف، أنا نفسى مركبهاش تانى ويعملوا لنا كوبرى»، تعطلت المعدية من قبل فى وسط النيل، احتاجت إلى يوم كامل لإصلاحها، ظل من عليها ينتظرون بالساعات أن يتم إنقاذهم أو تتحرك المعدية من جديد.

يقول عبد الفتاح شاكر، مهندس زراعى وعضو المجلس المحلى السابق، إن المعدية الوحيدة العاملة فى غياضة الشرقية حاصلة على ترخيص، لكن هذا لا يعنى أنه لا يوجد خطورة على راكبيها، خصوصا بعد عملها فى حمل النقل الثقيل، مشيرا إلى أن المعديات الخاصة بالمجلس المحلى تتوقف فى الشتاء، رغم أن ذلك هو أكثر الأوقات التى ينتقل فيها الطلاب وتلاميذ المدارس.

على سطح المعدية تحدث حسن محمد، فلاح، عن حلم الكوبرى الذى يعدهم به المسؤولون منذ 6 سنوات، وعلى رأس كل عام يأتى الرد «مفيش ميزانية»، حيث يقول: «أكيد عايزين نحس إننا بنى آدمين، لولا المعدية اللى عاملها الأهالى إحنا كنا فضلنا فى الجبل، لو الواحد تعب وعايز يروح لأى مستشفى فى ببا، ممكن يموت قبل ما يتنقل».

مدرسة «صلاح الدين» بمركز ناصر.. بلا سور ولا حارس الطلاب يخرجون من المدرسة الابتدائية بلا رقيب.. وأحدهم: «عايز أشرب والميه مقطوعة»



دون سور أو حارس اندفع الأطفال بزيهم الدراسى خارج المدرسة، يصرخون يتشاجرون، جلس عدد منهم على أحد أكوام الرمال يلعبون، آخر كان يمسك بطوبة تبين فيما بعد أنها من بقايا ردم أحد الأبنية، لم تكن هناك أى علامة أو لافتة تدل على أن البوابة المفتوحة تقود إلى مدرسة، ولم يكن هناك أى فرد، سواء أكان حارسًا أم مدرسًا يقف خارج هذه البوابة لمنع تدافع الطلاب خارج المدرسة.

كانت الساعة تدق العاشرة حينما وصلت «اليوم السابع» إلى قرية «بهبشين الغربية» بمركز ناصر، شمال محافظة بنى سويف، حيث البوابة التى يتدافع للخروج منها الطلاب تقود إلى مدرسة صلاح الدين الابتدائية، أحد التلاميذ قال إن المياه «مقطوعة» داخل المدرسة، وإنه خرج للشرب من أحد المحال المجاورة، آخر أوضح أنه يلعب، وثالث قال: «مبحبش الطابور».

عقب الدخول تبين أن الأرض المجاورة لمدرسة صلاح الدين تقرر أن يتم إنشاء مدرسة أخرى عليها، لكن المسؤولين لم ينتبهوا إلى بناء سور يفصل بين موقع البناء والمدرسة الموجودة بالفعل، على الرغم من امتلاء موقع البناء بالأسياخ الحادة والطوب والرمال، فى ظل عدم وجود أى أفراد للحراسة أو الرقابة.

توجهت «اليوم السابع» إلى المدير لسؤاله عما يحدث، لكن المدرسين الذين لم يكونوا موجودين فى طابور المدرسة، كانوا قد بدأوا فى التجمع فى الحادية عشرة صباحًا، حيث تجمعوا حول محررى «اليوم السابع»، وحاولوا مسح الصور التى التقطتها الكاميرات.

الأكثر غرابة أن المدير طالب بالتوقيع فى كشف الحارس الذى لم يكن موجودًا فى جولة «اليوم السابع»، وكتابة أرقام البطاقات الشخصية لإثبات دخول المدرسة عن طريقه، وكان ختام اليوم فى المدرسة دراميًا.
حيث أتى أحدهم وهدد بعدم الخروج من القرية إلا بعد التأكد من مسح كل الصور.


موضوعات متعلقة :


- أوجاع الجنوب.. أهالى 10 قرى ببنى سويف يشربون المجارى.. أجسادهم تروى بمياه الصرف الصحى.. وبيوتهم تساقطت بسبب الأزمة.. والمسئولون فقط من لا يعرفون شيئا عن المشكلة

- اوجاع الجنوب .... من هنا مر الفقر فترك الوجع على أبواب بيوت قرى بنى سويف .. منازل «منشأة عمرو».. هجرتها الأحلام وسكنتها وإتاوات محاضر المحليات .. الأهالى أرزقية «يعملون يوما وعشرة لا»

- أوجاع الجنوب.. «اليوم السابع» فى محافظة بنى سويف.. الدولة تغيب والمواطنون يصرخون.. ناقلات "الذهب الأسود" تهدم بيوت الغلابة فى مركز "إهناسيا".. منازل قرى البترول آيلة للسقوط نتيجة عمليات الحفر والتنقيب








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة