تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "صم بكم عمى فهم لا يرجعون"

الأحد، 30 يونيو 2019 12:00 م
تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" القرآن الكريم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل اليوم الوقوف أمام كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية الثامنة عشرة "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْى فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ"
 
قوله تعالى: "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ".. "صُمٌّ" أى هم صم، فهو خبر ابتداء مضمر.
وفى قراءة عبد الله بن مسعود وحفصة: صما بكما عميا، فيجوز النصب على الذم، كما قال تعالى: "مَلْعونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا" [الأحزاب: 61]، وكما قال: "وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ" [المسد: 4]، وكما قال الشاعر:
سقونى الخمر ثم تكنفونى ** عداة الله من كذب وزور
صم بك عمى
 
فنصب عداة الله على الذم. فالوقف على "يُبْصِرُونَ" على هذا المذهب صواب حسن. ويجوز أن ينصب صما ب "تَرَكَهُمْ"، كأنه قال: وتركهم صما بكما عميا، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على "يُبْصِرُونَ". والصمم فى كلام العرب: الانسداد، يقال: قناة صماء إذا لم تكن مجوفة. وصممت القارورة إذا سددتها. فالأصم: من انسدت خروق مسامعه. والأبكم: الذى لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس.
وقيل: الأخرس والأبكم واحد. ويقال: رجل أبكم وبكيم، أى أخرس بين الخرس والبكم، قال:
فليت لسانى كان نصفين منهما ** بكيم ونصف عند مجرى الكواكب
والعمى: ذهاب البصر، وقد عمى فهو أعمى، وقوم عمي، وأعماه الله. وتعامى الرجل: أرى ذلك من نفسه. وعمى عليه الأمر إذا التبس، ومنه قوله تعالى: "فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ" [القصص: 66]. وليس الغرض مما ذكرناه نفى الإدراكات عن حواسهم جملة، وإنما الغرض نفيها من جهة ما، تقول: فلان أصم عن الخنا. ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
أصم عما ساءه سميع
 
وقال آخر:
وعوراء الكلام صممت عنها ** ولو أنى أشاء بها سميع
وقال الدارمي:
أعمى إذا ما جارتى خرجت ** حتى يوارى جارتى الجدر
وقال بعضهم فى وصاته لرجل يكثر الدخول على الملوك:
أدخل إذا ما دخلت أعمى ** وأخرج إذا ما خرجت أخرس
وقال قتادة: "صُمٌّ" عن استماع الحق، "بُكْمٌ" عن التكلم به، "عُمْيٌ" عن الأبصار له.
قلت: وهذا المعنى هو المراد فى وصف النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاة آخر الزمان فى حديث جبريل: «وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها». والله أعلم.
قوله تعالى: "فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ" أى إلى الحق لسابق علم الله تعالى فيهم. يقال: رجع بنفسه رجوعا، ورجعه غيره، وهذيل تقول: أرجعه غيره. وقوله تعالى: “يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ” [سبأ: 31] أى يتلاومون فيما بينهم، حسب ما بينه التنزيل فى سورة سبأ.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة