مصر تنتصر على دعوات "التهجير" عبر دبلوماسية "العلاج".. وترحب بالرعايا الأجانب على أراضيها شريطة احترام أمنها.. وتقوض مخطط الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية.. وتقدم نموذجا عمليا للعالم حول احترام حقوق الإنسان

الأربعاء، 01 نوفمبر 2023 07:02 م
مصر تنتصر على دعوات "التهجير" عبر دبلوماسية "العلاج".. وترحب بالرعايا الأجانب على أراضيها شريطة احترام أمنها.. وتقوض مخطط الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية.. وتقدم نموذجا عمليا للعالم حول احترام حقوق الإنسان نقل الأجانب والمصابين إلى الأراضى المصرية
بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى الوقت الذى اتسمت فيه الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة بحالة من الاستثنائية "الوحشية" جراء النزعة الانتقامية التى اتسمت بها، فطالت آلاف المدنيين، وأكثرهم من النساء والأطفال، بين قتلى وجرحى، ناهيك عن استهداف المستشفيات ودور العبادة، بصورة غير مسبوقة، إلا أن استثنائية العدوان، حمل فى طياته، طبيعة مختلفة من الخطاب الذى تبنته سلطات الاحتلال، عبر الدعوة المشبوهة لتهجير الفلسطينيين، من سكان القطاع إلى دول الجوار، فى إطار محاولة صريحة لتصدير الأزمات لهم، فى لحظة تبدو حرجة للغاية، عبر تحويل دائرة الصراع من الأرض المتنازع عليها إلى أراض أخرى، وما يترتب على ذلك من مخاطر سياسية وأمنية تضع المنطقة بأسرها فى دائرة جديدة للفوضى.

ولعل مصر، وتحديدا أرض سيناء الحبيبة، كانت المستهدف الأكبر من الدعوة الإسرائيلية المشبوهة، لذا كان اتسم الموقف الذى تبنته الدولة المصرية بالحزم والحسم منذ اللحظة الأولى لإطلاقها، وهو ما بدا فى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى المتواترة، بدءً من المؤتمر الصحفى الذى عقده مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، مرورا بخطابه الهام الذى ألقاه أمام قمة "القاهرة للسلام"، والتى عقدت فى 21 أكتوبر الماضى، بالعاصمة الإدارية الجديدة، ثم بعد ذلك فى أحاديثه الثنائية مع العديد من زعماء العالم، ومنهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والأمريكى جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجا ميلونى، لتتمكن القاهرة من حشد حالة من التوافق الدولى على رفض الفكرة التى تتعارض تماما مع ثوابتها الداعمة للقضية الفلسطينية.

إلا أن النجاح المصرى فى دحض الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين، لم يقتصر فى جوهره على الدبلوماسية الرسمية، وإنما حملت وجوه أخرى، اتسمت بعمليتها ونجاعتها، وعلى رأسها عملية نقل الرعايا الأجانب والمصابين من الفلسطينيين، ونقلهم من بؤرة الصراع، فى القطاع، إلى أراضيها، تمهيدا لعلاجهم ثم إعادتهم إلى بلادهم، فيما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية العلاج"، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لقدرات كبيرة للدولة المصرية، وحرصها على سلامة المدنيين، من كل أنحاء العالم، وهو الدور الذى سبق وأن قامت به بكفاءة كبيرة، مع اندلاع الأزمة السودانية، وهو ما ساهم فى زيادة الثقة الدولية بصورة كبيرة للقيام بالدور نفسه خلال الأزمة الراهنة فى غزة، ليس فقط على المستوى الرسمى، وإنما أيضا على المستوى الشعبي.

عمليات نقل الجرحى الفلسطينيين والأجانب التى أجرتها الدولة المصرية من قطاع غزة، إلى أراضيها، لعلاجهم ثم نقلهم إلى بلادهم مرة أخرى، تعكس حقيقة مفادها ترحيب مصر والمصريين بكافة البشر، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون، بل وحرصها على إغاثة كافة المنكوبين فى الأرض، وتقديم غطاء من الحماية لهم على أراضيها، شريطة ألا يكون هذا على حساب الأوضاع الأمنية، من جانب، أو على حساب الحق والعدل، وفى القلب منه القضية الفلسطينية، والتى تراها مصر قضية عادلة، بل وتعتبرها قضيتها المركزية، منذ بدايتها من جانب آخر، وبالتالى لا يمكن أن تقبل بدعوات مشبوهة لتهجير الفلسطينيين من أرضيهم، تحت "غطاء إنساني"، بينما يبقى الهدف الأساسى وراء الدعوة هو تصفية القضية عبر تجريد الدولة المنشودة من أحد أهم أركانها، وهى "المواطن" الفلسطينى نفسه.

وأما عن الجانب الإنسانى، فتبقى عمليات نقل المصابين التى قامت بها الدولة المصرية، للرعايا الأجانب والفلسطينيين فى غزة، أو قبل ذلك فى إطار عمليات الإجلاء فى السودان، بمثابة دليل دامغ على احترام مبادئ حقوق الإنسان، ربما نالت فيه "شهادة" صادقة من شعوب العالم، بعيدا عن النهج القائم على "التسييس" الذى تبنته حكوماتهم، على مدار عقود طويلة من الزمن، بينما كان العدوان الحالى على قطاع غزة، كاشفا للعديد من الأقنعة المرتبطة بالقضايا الحقوقية، إثر التقاعس الدولى عن قصف المدنيين وقتل النساء والأطفال، واستهداف المستشفيات ودور العبادة، بل واتجهت بعض الدول نحو الدفاع عن ممارسات الاحتلال تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، وهو ما يعكس ازدواجية تبدو واضحة عند المقارنة بينها وبين مواقف أخرى، ربما أقربها تلك المرتبطة بالأزمة الأوكرانية.

الرؤية الشعبية العالمية للدور الإنسانى المصرى فى الأزمات الإقليمية، تجسدت بوضوح فى مشهد تظاهر ذوى الأسرى الإسرائيليين أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، والتى تعكس إيمانا عميقا، ليس فقط بقدرات الدولة المصرية على تحرير ذويهم، وإنهاء الأزمة الراهنة، ولكنها تعكس جانبا إنسانيا لمسته تلك الأسر، فى ضوء سياسات وإجراءات متواترة، تسعى إلى خدمة قطاع كبير من المنكوبين، تتجاوز فى الكثير منها خلافات السياسة، على غرار المساعدات التى قدمتها مصر إلى تركيا وسوريا فى أعقاب أزمة الزلزال، بالإضافة إلى الدور السالف الذكر تجاه الرعايا الأجانب فى السودان، ناهيك عن قيامها بدور الوسيط فى إطلاق سراح أسيرتين إسرائيليتين، خلال الأزمة الحالية، فى الوقت الذى تجاهلت فيه حكومة نتنياهو الملف برمته بحثا عن انتصار يحفظ ماء الوجه، فى أعقاب الحرج الكبير الذى أعقب "طوفان الأقصى".

وهنا يمكن القول بأن النجاح المصرى الكبير فى نقل الرعايا الأجانب، من قطاع غزة، يمثل خطوة هائلة، ليس فقط على طريق الحل، وإنما لدحض ادعاءات الاحتلال الإسرائيلى فيما يتعلق بدعوات التهجير، بالإضافة إلى كونه يمثل دليلا دامغا على احترام مصر لحقوق الإنسان بمعناها الحقيقى بعيدا عن التسييس، عبر حماية حق آلاف البشر فى الحياة، فى الوقت الذى كانت تلك المبادئ مجرد أداة للضغط على الدول التى تخالفها سياسيا.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة