عصام محمد عبد القادر

الوعى الاقتصادى

الخميس، 24 أغسطس 2023 02:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يشير الوعي إلى الحالة التي يدرك فيها الإنسان ما يحيط به إدراكًا سليمًا، ويفهم ما يدور حوله من مجريات أحداث، ومن ثم يعالج المواقف والقضايا التي يتعرض لها بحكمة وموضوعية، متجنبًا كل ما يؤدي إلى تشتيته أو تضليله أو وقوعه في الخطأ؛ لذا يقوم الوعي على الحس والشعور بما يدور حول الإنسان؛ ليمكنه من الفهم العميق للواقع، بما يسمح له باتخاذ موقف أو قرار، متحريًا كل ما قد يؤدي إلى زيفه أو تشويهه، كما يتطلب الوعي حداثة المعرفة والإحاطة المستمرة بمجريات الأحداث، لتعبر الاستجابة عن آخر المستجدات.

ويعني الوعي الاقتصادي الإطار المفاهيمي للقيم الاقتصادية التي تؤدي إلى فهم الواقع الاقتصادي بصورة صحيحة لدى المواطن بما يعمل على توجيه سلوكه الاقتصادي إلى المسار المرغوب فيه؛ حيث تصبح ممارساته الاقتصادية مقبولة فيما يرتبط بالمناحي الاقتصادية، كترشيد الاستهلاك والإنفاق وإتقان العمل وتجويد المنتج والادخار والاستثمار والمحافظة على الممتلكات العامة وإدارة الوقت وغيرها، مما يصعب حصره، كما يؤدي ذلك إلى تعظيم الموارد الاقتصادية والمشاركة في التنظيم الاقتصادي والسعي إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة والخاصة.

ويستمد الوعي الاقتصادي أهميته من ارتباطه بالاقتصاد، عصب البلاد، ومنبع قوتها واستقلالها وسيادتها في إدارة مواردها وصناعة واتخاذ قرارها، وتحديد طبيعة علاقاتها مع جيرانها. فاقتصاد قوي يعني إنقاذ الوطن من العوز والحاجة، ومد اليد لبلاد أخرى لها أهداف وطموحات استعمارية خفية.

ومن ثمرات الوعي الاقتصادي للمواطن فهمه لاقتصاد وطنه، وتمييزه الغث من السمين حول ما يثار من آراء وأقوال؛ فيعي ماهية الموازنة وآليات عمل الحكومة لزيادة الدخل القومي، وصور الإنفاق العام، وسُبل ترشيده، والتعرف على القرارات التي تستهدف الإصلاح الاقتصادي، والعمل على دعمها وتوعية الغير بها؛ لذا يتطلب إحداث تنمية الوعي بصورة مقصودة؛ ليحقق الفرد ما تمت الإشارة إليه من مرامي تساعده في دعم وطنه بصورة وظيفية.

ومن الصعوبة بمكان حدوث تنمية اقتصادية شاملة بالدولة بعيدًا عن وعي مجتمعي بماهية الاقتصاد؛ لأن التغيرات الاقتصادية العالمية تستلزم إعادة بناء حقيقي لشتى صور الاقتصاد، ومن ثم يتوجب أن تتفاعل الدول بمؤسساتها وأفرادها لفهم طبيعة تلك التغيرات، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الفهم العميق للواقع الاقتصادي وما يرتبط به من مستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية، مع استيعاب الآثار الآنية والمستقبلية بما يسهم في تكوين التوجه العام أو الوعي الاقتصادي المجتمعي؛ لتتحدد الأدوار في ضوء الأهداف الاقتصادية المرتقبة.

ويتناغم الوعي الاقتصادي مع ماهية المواطنة؛ إذ من خلاله يسهل أن يستوعب الفرد القيم الاقتصادية التي تعمل على توجيهه نحو اتخاذ قراراته بعد دراسة وتأنٍ ووفق ما يلبي احتياجاته ويحقق طموحه الحالي والمستقبلي، كما أن البعد الاقتصادي من المقومات الرئيسة للمواطنة؛ حيث إن تحقيق الرفاهية المجتمعية والاقتصادية والرضا المجتمعي ومن ثم الشعور بجودة الحياة من الأهداف المشتركة بين الوعي الاقتصادي والمواطنة بشكل وظيفي.

وحري بالذكر أن الوعي الاقتصادي جزء أصيل من التنشئة الاجتماعية للفرد؛ حيث ينال الخبرات المرتبطة بالجانب الاقتصادي أثناء تفاعله مع الآخرين، ومن ثم تحدث التنمية والنضج الاقتصادي لديه بالتناغم مع تحمل المسئولية، ويتم ذلك بصورة ممنهجة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها. وتشارك في تنمية الخبرة الأسرة وكافة المؤسسات الاجتماعية بشكل غير مقصود، في ضوء الممارسات اليومية أو الاعتيادية والتي تخص الاقتصاد بصوره المتباينة.

وتسهم التنشئة الاقتصادية في تدريب المواطن كيفية إدارة ما يمتلكه من موارد وتعاملات بصورة تتسم بالكفاءة، وتنمى لديه المقدرة على الإنتاج وترشيد الاستهلاك بشكل معتدل، والتعامل الوظيفي مع التقنية، وإدارة الوقت باقتدار، ويستوجب ذلك تبني استراتيجيات تعمل على ضبط عمليات الاستهلاك بأنماطه المختلفة؛ ليتم من خلالها التحكم في وجوه إنفاقه؛ فيستطيع أن يدير بمهارة ما يمتلكه من مقدرات شخصية وفق تخطيط صحيح يحدد من خلاله أولوياته ويصل لمبتغاه بما يتناسب مع موارده، وهذا يوصف بالتوازن.

وتؤدي التنشئة الاقتصادية إلى أمرٍ مهم للغاية يرتبط بالمكون العقلي لدى الفرد؛ حيث يتبع أسلوبًا يستقل به بنفسه متمثلًا في الادخار ليحقق ما يصبوا إليه بشكل ابتكاري، وأيضًا سياسة الاقتراض والتي لا تسمح للفرد أن يتجاوز أولوياته ويتخلى عن الرفاهية ولا ينساق إلى رغباته الجامحة، ومن ثم يعمل على ترويض ذاته ليصل إلى الغاية التي يسعى إليها مع التزامه الأخلاقي بالوفاء.

إن تنامي الوعي الاقتصادي لدى المواطن يساعد في حل المشكلات الاقتصادية بصورة إجرائية؛ حيث إن الوعي الاقتصادي في صورته الصحيحة يوجه سلوك الفرد والجماعة نحو تجنب الرفاهية بما يحد من تلك المشكلات؛ فيتم التقليل من طلب السلع والخدمات والكماليات المرتبطة بالرفاهية، وتزداد القيمة الشرائية ومن ثم الحفاظ على الاستهلاك العام، وهذا من مسببات الاستقرار الاقتصادي في الدولة، كما ينتج عن ذلك انخفاض حجم الاستيراد ومن ثم تنامى الصادرات، بما يحقق التوازن والاستقرار الاقتصادي أيضًا.

ويساعد الوعي الاقتصادي الفرد والجماعة على السعي الحثيث للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، بل والوصول إلى مرحلة الثراء بغية الشعور بجودة الحياة وكرامة العيش ومساهمة في مزيد من العطاء للوطن من قبيل الشراكة والتفاعل مع قضاياه والولاء والانتماء لترابه، ومن ثم تتجذر قيم المواطنة في صورتها الحقيقية والعميقة والتي تعبر عنها الأفعال قبل الأقوال؛ لذا فإن البحث عن سُبل التنمية الاقتصادية صار أمرًا يرتبط بالجانب الوجداني والمعرفي بما يشكل الممارسة القويمة لدى الفرد والجماعة، ومن ثم يعبر عن الوعي الاقتصادي في صورته المزدهرة.

ومن زاوية تربوية، فإن من الأهداف العامة للمؤسسة التعليمية إعداد المواطن الصالح بما يتضمنه هذا الأعداد من ترشيد السلوك الاستهلاكي للفرد، وتجنب صور الترف الزائد وأنماط الإسراف، ويستوعب ما تمر به بلاده من مشكلات اقتصادية، بل ويقدر جهود التنمية الاقتصادية التي تقوم بها الدولة بكافة قطاعاتها، ومن ثم يشارك وفق تخصصه النوعي سواء بفكره أو مهارته في إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية المعاصرة والمتجددة منها، بما يسهم في تكوين إرادة البناء لديه؛ ليصبح مواطنًا صالحًا في معتقده وممارساته.

إن ما قامت به الدولة المصرية من نهضة اقتصادية كبرى وإصلاح اقتصادي ملحوظ شهد له العالم بأسره يرجع لفضل جسارة وتوجيهات القيادة السياسية التي اهتمت بسوق العمل الحالي والمستقبلي ودعت للمشاركة في الاستثمار وسهلت إجراءاته لتزداد عمليات الإنتاج كما تزداد قدرة التشغيل وتقل البطالة لمستوياتها القياسية، وهذا كله أدى لنهضة فكرية مرتبطة بالاقتصاد؛ ليتحرر الفرد من قيود الماضي، ويصبح فاعلًا نشطًا ومشاركًا بقوة في نهضة مجتمعه الاقتصادية والتي لا تقل أهمية عن المجالات الأخرى.

ويشهد العلم اليوم تحديات اقتصادية جمة تتطلب مواجهة جماعية، مما يحتم ضرورة الوعي الاقتصادي لدى الكافة؛ فقد أصبح تنميته فرض عين؛ حيث ينبغي أن يمتلك المواطن قدرًا من المعلومات والمهارات التي تؤكد الاتجاهات الإيجابية لديه في المناحي الاقتصادية؛ ليشارك ويتفاعل وينتج ويدخر ويستهلك بصورة مقننة، ويتخذ القرارات الاقتصادية الرشيدة التي يرتئيها، ويدرك مدى أهمية العلاقات الاقتصادية القائمة بين مؤسسات المجتمع، وبين الدولة ودول العالم المختلفة، ويبذل وسعه لدعم المنظومة الاقتصادية في بلاده، ويقدر ما يبذل من جهود إزاء التنمية الاقتصادية في الجمهورية الجديدة.

حفظ الله مصرنا الغالية وجعل رايتها عالية خفاقة، وحفظ قيادتها السياسية الرشيدة التي لا تأل جهدًا لرفعتها وتقدمها ونهضتها، وحفظ شعبها الحر الذي يكافح ويصبر من أجل كرامة العيش.

 

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس

كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة