حازم حسين

إجرام وأوهام ولعب بالنار.. هكذا صار نتنياهو خطرا داهما على إسرائيل نفسها

الأربعاء، 08 مايو 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا جديد؛ فالدولةُ التى قامت على دمٍ ومظالم، تُواصل تسطيرَ صفحاتٍ جديدة فى سيرتها المُشِينة بأيدى أسوأ أبنائها. تأسَّست إسرائيلُ على أكتاف اليسار، ولم يجدوا غضاضةً فى الجَمع بين دعائيَّات القِيَم وانحطاط المُمارسات، وبينما يُردِّدون أفكار ماركس وهيجل، يسرقون أرض الآخرين ويطردونهم منها، وإلى اليوم تمضى الأُمورُ على حالها، تتغيَّر تركيبةُ الحُكم فى تل أبيب ولا يتغيّر أداؤها المُستبدّ الجارح، وأطماعُها الدائمةُ فى أن تكون كيانًا سائلاً من دون حدودٍ أو التزامات، وفوقَ القانون والأخلاق، وأن تبتزّ العالمَ إلى الأبد بمظلوميّةٍ طواها التاريخ، بينما تَفتتحُ فى كلِّ يومٍ مِحَنًا ومآسى لملايين البشر.


كان نتنياهو يتفاخرُ دومًا بأنه السياسى الذى لم يمنح الفلسطينيين شيئًا، وأنه أفسد «حلَّ الدولتين» وشَيَّع بقايا اتفاق أوسلو لمثواها الأخير، وإلى الآن لم تُمْحَ الشبهاتُ بشأن تحريضه على اغتيال إسحاق رابين؛ لأنه أبرمَ الصفقة ومنح «عرفات» موطئ قدمٍ وحكومة فى الضفّة الغربية؛ حتى لو فعلها ضمن المناورات الصهيونية المعتادة وظل يتمنّى أن يستيقظ على ابتلاع البحر لغزّة.. وهكذا يبدو رئيس الحكومة الحالى، اليمينىِّ الآتى من أُسرةٍ مُركّبة، تلخيصًا عميقًا لكل أمراض الدولة العبرية: جدّ مُتطرّف سار فى ركب زئيف جابوتينسكى وتنظيراته، وأب فشل فى الأكاديميا فصار مُزوِّرًا للموسوعة الصهيونية لصالح التوراتيِّين ضد العلمانيين، وأخ ضابط بالجيش أرداهُ الغباءُ برصاص شُركائه فى عملية عنتيبى.. ثلاثية تليق برجلٍ مُختلّ: العقيدة المُلوّنة أفضلت لمُدرِّس تاريخ كاذب ثمّ لمقاتل دموى بائس، وتطوُّرها الطبيعى بالوصول إلى أردأ السياسيِّين وأكثرهم فسادًا وانفلاتا ووقاحة.


اقتنعت «حماس» أخيرًا بحاجتها إلى الهُدنة؛ فأعلنت المُوافقة على الورقة المصرية، وشكرت القاهرة على جهودها فى ماراثون المُفاوضات الطويل. وفى المُقابل؛ سارعت الكُتلة المُتطرِّفة فى حكومة بنيامين نتنياهو بإبداء مُعارضتها للتهدئة، ودعا الوزيران التوراتيّان للمالية والأمن القومى، سموتريتش وبن جفير، إلى رفض الاتفاق والتعجيل بالعملية العسكرية فى رفح الفلسطينية، ليُلاقيهم مكتبُ حليفهما سريعًا، بإعلان مُوافقة مجلس الحرب بالأغلبية على استكمال خطّتهم فى جنوبىّ القطاع، ثمّ تطوُّرات الأوضاع بتحرُّكاتٍ مادية من المحور الشرقى وصولاً إلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح. وأبرز ما فى المشهد عند حدوده الراهنة؛ أنَّ دولة الاحتلال لم تكن تتفاوض بنوايا طيِّبة منذ البداية، وأنَّ النزعةَ المُتطرِّفة تتسلَّط على عقل الإدارة السياسية، وثمّة اختلافات داخلية عميقة، تبدأ من جنرالات الجيش، وصولاً إلى أهالى الرهائن وعموم الشارع الإسرائيلى، بينما تميلُ الإرادةُ الدولية إلى جانب وقف النار وإنهاء الأزمة الإنسانية، وتُبدى مُعارضتَها الصريحة لمزيدٍ من المُغامرات بعد أكثر من سبعة أشهُرٍ على العدوان الغاشم.


كان رأسُ الحكم فى تل أبيب قد استبقَ المُحاورات بإعلان أنه ماضٍ فى خطَّته الحارقة، والتهدئة قد تُبرِّد الجبهةَ مُؤقّتًا لكنها لن تُوقِف الحرب، وقال تصريحًا ما يفيد اتّجاهه لاجتياح رفح الفلسطينية باتّفاقٍ أو من دونه. وتردَّد أن الولايات المتحدة علَّقت شحنةَ ذخيرةٍ كان مُقرَّرًا أن تستقرّ وشيكًا فى مخازن الاحتلال، ما يعنى أنَّ اختلافًا عميقًا فى الرؤى يُطلّ برأسه من كواليس الحليفين، وأنَّ الغطاء السياسى والعسكرى الذى أرخته إدارةُ بايدن على المُمارسات الإسرائيلية طوال الشهور الماضية، آخذٌ فى الانحسار وإنْ ببُطءٍ ودون إجراءاتٍ جدّية خشنة. وإذا كانت ركيزة اللوثة الصهيونية فيما بعد «طوفان الأقصى» قد تأسَّست على مركزية الإسناد الغربى، وفاعليّته التى تجلَّت فى الدعم المُباشر لتحرُّكات الميدان، وتعطيل حركيّة المنظومة الأُمميّة فى كلِّ مُحاولاتها للتهدئة أو إدانة أعمال الإبادة الجماعية؛ فسيكون عسيرًا على حكومة التوراتيِّين والقوميِّين المُتطرّفين استكمال مُخطَّطها على خلاف النظرة «الأورو-أمريكية» الجديدة. باختصار؛ سيكون التصلُّب والتصعيد مُؤقَّتين غالبًا، وذلك رغمًا عن كابينت الحرب وأغراضه الجنونية، وسيجد النافخون فى النار أنفُسَهم مُضطرّين فى مدى قريب للنزول عن الشجرة، والتسليم بالحاجة المُلحّة لإبرام اتّفاقٍ خارج نطاق الربح الكامل، وبارتضاءٍ لحقيقة أنه لا مُنتصرَ ولا مهزوم؛ إذ الطرفان على قدمِ المُساواة فى حِسبة المكسب والخسارة.


يُمكنُ القول إنَّ المعسكر الحربى فى حماس قد أخطأ الحسابات، خلال الساعات الأخيرة قبل الإذعان لجناح السياسة. كانت عملية كرم أبو سالم غير مُوفّقة؛ لناحية أنها وفَّرت شروطَ التشدُّد لحكومةٍ مُتطرِّفةٍ بالأساس، ولا ينقصها أن تجدَ من داخلها مُبرِّراتٍ للعُنف قولاً وفعلاً. ولعلَّ إعلان إسماعيل هنيّة عن قَبول مُقترح التهدئة كان بمقدوره أن يُغيِّر الأوضاعَ تمامًا لو تقدَّم عن موعده يومًا واحدًا، أو تأخّرت مُغامرة التصعيد من جانب بقايا الكتائب الحماسية فى آخر معاقلها جنوبىّ القطاع. وفى التفسير؛ أنّ الحركة ربما أرادت إنجاز استعراض للقوّة قبل التوقيع على الاتفاق، لا على معنى الضغط لتحسين شروط التفاوض، بقدر ما هو التعبيرُ عن البقاء على قَيد الحياة والفاعليّة، والبحث عن مَوطئ قدمٍ فى مُداولات «اليوم التالى» وما يخصُّ إدارةَ الحُكم فى القطاع مُستقبلاً. وبالمِثل؛ فإنَّ نتنياهو وحُلفاءه يختارون التصعيد بحثًا عن ذُروةٍ يتوقّفون عندها، وتكون لصالحهم فى مشهدِ التهدئة وما بعده من خططٍ عمليّة لمرحلة ما بعد الحرب. بمعنى أنهم قرأوا رسالة القسَّاميّين وقرَّروا ألّا يُفوِّتوها من دون ردّ، وهم بذلك يسعون إلى إعادة التموضع على الأرض؛ ليبدأ التفاوضُ على المراحل التالية من نقطةٍ مُتقدّمة، وبما يُعزِّز أوراقَهم للمُناورة وزيادة المُقوِّمات الصالحة للتبادُل وترسيم حدود الانتشار وفضّ الاشتباك لاحقًا. وإذا صحَّ التصوُّر؛ فإنّ تل أبيب ستُذعِن للمُقترح فى وقت غير بعيد، أو ستحاول إعادة الصياغة لبعض بنوده، بغرض استنزاف الوقت أو تحسين الشروط.


أرادت حماس أن تُظهِر غريمَها فى صورةِ التعنُّت، وهو أمرٌ لا يبتعد من الحقيقة؛ وقد لاقاها نتنياهو وحكومتُه بخطابهم الصاخب ومُمارساتهم الفجّة. وبينما أدانت القاهرةُ رسميًّا عمليات الاحتلال فى رفح، والسيطرة على الجانب الفلسطينى من المعبر؛ فالرسالة المصرية من وراء ذلك أنَّ إسرائيل تتجاوزُ أعرافَ الالتزام بمنطق الوساطة والحوار، مثلما تتعدَّى حدود الاتفاقات القائمة بين البلدين، وتُغامر بتعريض العلاقات لهزّةٍ عنيفة قد تترك آثارًا طويلةَ المدى على بروتروكولات اتفاقية السلام، والتوازنات الحرجة على خطِّ التَّمَاس. فالأمرُ يتخطَّى مسألةَ الانكشاف الصارخ لدولة الاحتلال وسُلطتها وجيشها، إلى المساس بأمن الإقليم، والدفع باتّجاه توسعة الصراع ليصير مواجهةً شاملة. وإذا كانت توتُّرات الجبهة الشمالية مع ميليشيات المحور الشيعى قد تأسَّست أصلاً على حرب غزّة؛ فإنَّ الإيغال فى تعميق حالة العنف والانسداد يُهدِّد بتنشيط الجبهات الساخنة، وربما فَتح جبهاتٍ إضافية، ويجعلُ من الصعب التنبّؤ بما قد تؤول إليه الأوضاع فى ظلِّ مناخِ الجنون الحاكم لتل أبيب.


بمُجرّد أن أعلنت حماس قبولَها لمُقترح الهُدنة، اشتعلت شوارع إسرائيل بين الاحتفال بالانفراجة، والتظاهر طلبًا لتعجيل صفقة المُبادلة واستعادة الأسرى. ومُعضلة نتنياهو مع الداخل صارت أكبرَ من كلِّ أزماته فى الخارج؛ إذ كان ثابتًا فى وعى الجمهور أنه أرسل ابنَه لشواطئ ميامى الأمريكية بينما يُضحِّى بأبنائهم، وأنه يُعطّل مسارَ التفاوض والتهدئة؛ بغرض إبقاء الجبهة مُشتعلةً، وتحييد المُعارضة السياسية تحت لافتة الإجماع الضرورى الواجب فى زمن الحرب، والعِلّة أنه يُطيلُ عُمرَ حكومته هروبًا من الاضطرار لانتخاباتٍ مُبكّرة، تنهى مُستقبلَه السياسى مُتقاعدًا فى بيته على شواطئ قيسارية، أو تذهب به إلى السجن فى قضايا الرشوة والفساد؛ إن لم يكن بتُهمة التقصير والمسؤولية عن إخفاقات «الطوفان» والحرب التالية له.


وبعدما خفَّفت المُقاومة لهجتَها إلى المدى الأدنى، وأبدت قدرًا واضحًا من المُرونة لإنجاز اتِّفاقٍ، يبدأ بهُدنةٍ مُتدرِّجة وينتهى إلى وقفٍ مُستدام لإطلاق النار؛ صار الجرسُ مُعلَّقًا فى رقبته وحده، ولا مُبرِّرَ لاستمرار حالة الرخاوة والتضحية بالرهائن؛ إلَّا أنها نزوةٌ تتسلَّطُ على عقل زعيم الليكود، وعصابته اليمينية الآتية من المستوطنات وحظائر الحريديم، وكلّما تمادى الرجلُ فى جنونه فإنه يرفعُ حرارةَ الإقليم، ويُؤلِّب العالمَ عليه؛ إنما الأخطرُ أنه يدفعُ حاضنتَه المُباشرة لمزيدٍ من التمرّد والاحتدام، ما قد يُعجِّل بالوصول إلى ما يخشاه بأفدح صوره المُمكنة؛ فإذا كان التوراتيِّون مُتّحدين معه فى الرؤية، فقد يحدثُ التشقُّق داخلَ حزبه، مدعومًا بالتحوّلات المُتوقَّعة فى بقيّة أجنحة اليمين والوسط؛ لا سيّما مع فتح الولايات المتّحدة قنوات اتصال مع بُدلائه المحتملين خلال الأسابيع الماضية. وإذا كان جانتس وآيزنكوت وغيرهما من المُختلفين جزئيًّا يقبلون التصعيد الآن؛ فربما يختبرون بيئة الائتلاف بطريقةٍ خشنة، أو يستثمرون فى سخونة الشارع، ويدفعون غريمهم لإحكام طَوقِه والالتصاق بالجدار.


صار نتنياهو وائتلافُه خطرًا حقيقيًّا، لا على الهُدنة والاستقرار والوضع الإنسانى المُعقَّد فى غزّة فقط، بل على إسرائيل نفسها، بدءًا من تعريض جبهتها الداخلية لصدماتٍ قاسية، وإلى تهييج المنطقة من حولها، وابتكار مخاطر تُضاف إلى ما هو قابع على أكتافها بالفعل. والحال أنه يُدير وضعًا جديدًا بالأدوات القديمة، ويتصدَّى للامتحانات المُستجَدّة مُقدِّمًا كلَّ الأجوبة التى ثبتَ خطؤها سابقًا. وبقدر الحاجة الآن للبحث عن مخارج مُعجَّلة قبل انفلات الأوضاع تمامًا؛ فالاحتياج مُتعاظِمٌ لبدء ورشةٍ إنقاذية فى داخل الدولة العِبريّة نفسها، تبحث أوفق السُّبل والمسارات لامتصاص فائض الغضب المُتصاعد إقليميًّا ودوليًّا، وتُعيد ترميم برنامج الاستجابة الطارئة للتحدِّيات؛ ابتداءً بهيكلة منظومة الحُكم التى خلقت الارتباك والفوضى الحاليين، وانتهاءً بإنتاج تعريفاتٍ مُحدَّثَة للصراع ونظريّات الهَيبة والرَّدع، ولفلسفة الحرب الدائمة والحياة على حدِّ السيف؛ لا سيَّما فى ضوء أنَّ الخصوم استفادوا من خبراتهم القديمة قطعًا، وباتوا أكثر تمرُّدًا على الأُطِر العتيقة شديدة الظُلم والانحراف، وأقدر على ترجمة الرفض عملاً ميدانيًّا، وإزعاج الاحتلال بما يتجاوز أوهامَ الحصانة وفكرةَ المجال الحيوىّ الآمن.


وما فعله نتنياهو أنه عَجَّل باختصام دولته فى ثوابتها؛ إذ تضرَّرت الكبرياءُ جنوبًا وبدت غزّة برُكامها وضحاياها أقوى من المُحتلّ ببطشه وآلته المُتوحِّشة، وشمالاً اختُرِق سَقفُ الاشتباك مع الحزب فى جنوب لبنان، واستُدعِيت طهران لمُواجهةٍ مُباشرة خارج إطار «الصبر الاستراتيجى» أو حروب الظل؛ ومهما ظنّ مخابيل تل أبيب أن الانتقالات بطيئةٌ ومحدودةُ الأثر؛ فإنها تُبشِّر بما يفوقُها حجمًا وقوّة، ولن يكون بمقدور رئيس الحكومة الحالى، ولا من يخلُفه لاحقًا، أن يستدرك الخطايا بخسائر أخفّ وارتداد لا يُقوِّض سرديّة التفوّق والهيمنة؛ ما لم تقع مُبادرةٌ عاجلةٌ للاعتراف بالخطأ وبدء التصويب، وأوَّل طريق التقييم والتقويم من غزّة وحدها؛ وليس فى مكانٍ آخر.


أنجزت الوساطةُ فُروضَها وأكثر، وحقَّقت مصرُ اختراقًا مُهمًّا للأجواء التى كانت مُلبّدةً بالغيوم.. قبل أيّامٍ بثَّ إعلامُ إسرائيل أخبارًا عن إجماعٍ حكومىٍّ على الورقة المصرية، وهو نفسه اليوم يقول إن إسرائيل مُجمِعَةٌ على استمرار الحرب، وعلى أنَّ وقفَها بمثابة هزيمةٍ تاريخية، وزِلَّةٍ استراتيجية وخطيئةٍ لا تكفيرَ لها، بحسب ما نشرت يديعوت أحرونوت، وفى ذلك تدليسٌ يتصادمُ مع الشارع المُشتعل، على الأقل من زاوية تضحية نتنياهو بالرهائن خدمةً لنزواته الشخصية. وإذا كانت القاهرةُ قد نجحت فى إقناع حماس، واشتغلت بدأبٍ منذ الهُدنة الأولى أواخر نوفمبر، وفى ضوء مُخرجات باريس؛ فإنها أقامت الحُجّةَ على الاحتلال وزعيمه، وتركته عاريًا أمام جمهوره أوّلاً؛ ثمّ أمام العالم والبيئة الأُمَميّة. الإداناتُ تتوالى منذ اجتياح شرقىِّ رفح والسيطرة على الجانب الفلسطينى من المَعبر، والأُمَم المتحدة قالت إنها مُنِعَت من الوصول للمنفذ، ولا أحدَ تقريبًا يستقبلُ المُغامرة خارج الرفض والإدانة.


أخطأت الفصائلُ وأصابت، وما زالُ دَيدن الصهاينةِ الخطأ دون مُراجعةٍ وتصحيح، ولا معنى لهذا إلَّا أنَّ الغرب كان مُخطِئًا عندما مَكَّنَهم من الحرب، ويتضاعف الخطأ كُلَّما تقاعس عن رَدِّهم عنها، وأنَّ الدولةَ العبريةَ تشهدُ واحدًا من أكثر فُصولِها جنونًا ودموية، بينما يكتم على أنفاسها سياسيِّون مخابيل، ورئيسُ حكومةٍ يأبى فى آخر مشواره إلَّا أن يختمَه بكارثة، وأن يكون عدوًّا لبلده بقدر ما يُعادى الجميع؛ كأنّه نسخةٌ عصرية من «شمشون» اليهودى، وقد اتَّخذ قرارًا بهَدم المعبد على الرؤوس كلِّها، وأوَّلها رأسه الغليظ المحشوّ بإخفاقات الأب والأخ والجدّ، وبتاريخٍ طويل من صناعة الموت والاستثمار فيه، وصولاً إلى الانتحار بطموحاته الساذجة فى أن يكون «مَلكًا يهوديًّا»، ومُعادلاً مُعصرَنًا للصفحات الدامية من التوراة، ونبوءة أشعياء التى لا يتوقف عن استحضارها.. بلد يسير بكامله إلى حافّة الهاوية؛ لأن فاسدًا واحدًا أراد له هذا. والحقّ أنه مهما يلوك الإسرائيليون سرديَّاتٍ سطحيّةً عن مآسى الماضى ومخاطر الحاضر؛ فلا مأساةَ ولا خطرَ أكبر من أن يتسلَّط عليهم الفسدةُ والتوراتيّون والأغبياء.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة