د.عثمان فكرى

روايتان إقصائيتان عنصريتان

الجمعة، 27 سبتمبر 2013 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
روايتان مؤسفتان.. الأولى عايشت أحداثها بنفسى، والثانية نقلتها لى أستاذة جامعية أثق فى صدقها وأمانتها، الإحساس بخيبة الأمل الكبرى والآسف كان هو القاسم المشترك الذى جمع بين القصتين.. تعالوا نخش فى الموضوع.. الراوية الأولى بدأت حينما هاتفنى صديق دراسة يعمل فى إحدى المؤسسات الصحفية القومية الكبرى، يطلب منى خمسة شبان ذكور للتدريب والعمل فى واحد من المشروعات الصحفية الجديدة التى تعتزم المؤسسة إطلاقها فى القريب العاجل.. وبحكم عملى الأكاديمى فى كلية الإعلام، بجامعة القاهرة، اخترت له أربعة شبان من خريجى الكلية الذين أثق فى مهاراتهم الصحفية، وزدت عليهم خريجة من الفتيات، وقبل أن أرسل الجميع، أطلعته على الوضع، فأخبر المسئول المباشر عن عملية الاختيار، والذى بدوره حدد موعدا عاجلا للقاء الشباب، وإخضاعهم لاختبار تحريرى فى عمليتى الترجمة والصياغة الصحفية.. اجتاز الشباب جميعهم الاختبار بجدارة، غير أن الفتاة كانت الأسرع والأفضل خاصة فى صياغة الخبر بشكل صحفى أقرب إلى الاحتراف، وذلك بحسب ما علمت من صديقى ومن المسئول المباشر.. الخطوة التالية كانت الحصول على موافقة رئيس التحرير كى تبدأ إجراءات التدريب التى تستمر 3 أسابيع يليها عقد لمدة سنة مع المؤسسة، ثم التعيين الرسمى بشكل ثابت ومستقر، بعد أيام قليلة فاجأنى صديقى أن رئيس التحرير وافق على الشباب الأربعة، ورفض الفتاة.. تعجبت من الأمر، خاصة وأنها كانت الأفضل.. غير أن الذى زادنى تعجبا واندهاشا وحسرة على ما وصلنا إليه، هو سبب الاستبعاد.. "أصلها بنت".. نعم.. صدق ما قرأت، كان سبب الاستبعاد أنها "بنت.. ورئيس التحرير مش عاوز يعين بنات عشان ملهمش فى الشغل، وإجازاتهم كثيرة.. جواز وحمل ووضع وغيره".. يعنى من الآخر رئيس التحرير مش عاوز "دوشة" تعيين البنات و"قرفهم" فى الحصول على الإجازات التى كفلها لهم قانون العمل، ومواثيق حقوق الإنسان فى جميع بلاد الدنيا.. لبعض الوقت ظننت أن صديقى ربما لم يكن لديه الصورة الكاملة، أو ربما كان مستوى الفتاة فى الاختبار ليس جيدا.. لجأت إلى طرق أخرى، وبحثت عن أشخاص أصخاب مناصب فى المؤسسة الصحفية، وصلت إلى بعضهم بالفعل، وأطلعتهم على الأمر كاملا، فكانت الإجابة بعد تحرى وبحث.. أيوه هى هى" رئيس التحرير مش عاوز يعين بنات، وممكن تنتظر لغاية ما يمشى من المؤسسة، ونحاول نلحقها بزملائها".

أما الرواية الثانية، فيحكى أن رئيس تحرير مؤسسة صحفية قومية أخرى تم تعيينه من قبل مجلس الشورى المنحل، قام بنزع صور جميع القيادات النسائية من فوق جدران وحوائط المؤسسة بدون سابق إنذار، وأبقى على صور الرجال فقط.

القصتان تكشفان عن سلوك إقصائى من الدرجة الأولى، يخالطه سلوك عدوانى تجاه المرأة إلى الدرجة التى لم يحتمل فيه صاحب الرواية الثانية صور زميلاته وربما أساتذته من القيادات التى تحملت مسئولية المؤسسة، وقدمت لها الكثير من الجهد والعرق والخبرة.. يمكننى بكل بساطة أن أحمل جماعة الإخوان هذه المسئولية، خاصة أن رئيسى التحرير تم تعيينهما من قبل اللجنة التى شكلها مجلس الشورى المنحل لاختيار رؤساء مجالس الادارات ورؤساء التحرير بالمؤسسات القومية، كما أن أحدهما معروف عنه انتمائه لفكر الجماعة.. لكننى أرى الموضوع أكبر من كل هذا وذاك، أراه قضية مفصلية فى ثقافة هذا الوطن الذى لم يعتد على مثل هذه السلوكيات العنصرية تجاه المرأة، وكنت أحسب أننا قد تخلصنا منها منذ عقود طويلة، غير أنها عادت لتطل برأسها القبيح من جديد، ما يستوجب مواجهة حاسمة معها قبل أن تترك أثارها السلبية على بنيان المجتمع المصرى.

القضية أعرضها أمام المجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومى للمرأة، ومجلس حقوق الإنسان، والمجالس الثلاثة معنية تماما بأن تحقق وتدقق فى هذا الأمر، وتعلن ما توصلت إليه بكل شفافية أمام الرأى العام.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة