"صراع الدم" يشتعل مجددا وسط القارة السمراء.. المتمردون الأوغنديون يذبحون 48 شخصا بشرق الكونغو خلال 48 ساعة.. الجثث تحمل آثارا تدل على قتلها بسلاح أبيض.. واستمرار الصراع بسبب المعادن الكونغولية الثمينة

السبت، 18 أكتوبر 2014 03:17 م
"صراع الدم" يشتعل مجددا وسط القارة السمراء.. المتمردون الأوغنديون يذبحون 48 شخصا بشرق الكونغو خلال 48 ساعة.. الجثث تحمل آثارا تدل على قتلها بسلاح أبيض.. واستمرار الصراع بسبب المعادن الكونغولية الثمينة المعارك فى الكونغو
كتب – محمود محيى ووكالات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المجزرة تضاف لمآسى الكونغو التى شهدت سقوط 4 ملايين بسبب العنف والمجاعة وانتشار الأوبئة

تدخل معادن الكونغو فى صناعات الإلكترونيات المتقدمة والهواتف المحمولة والـ"أى باد" والـ"لاب توب"

القوات الحكومية وقوات التمرد تسعى للسيطرة على مناطق التعدين الغنية ويقومون بعد ذلك ببيعها عبر وسطاء لتنتهى فى الأسواق الآسيوية


استيقظت القارة الإفريقية السمراء اليوم السبت، على مذبحة جديدة فى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ارتكبها متمردون أوغنديون، بذبح 22 شخصا من سكان إحدى القرى معظمهم من النساء والأطفال.

وتأتى هذه المجزرة بعد يومين فقط من مجزرة أخرى ارتكبها المتمردون فى نفس المنطقة وراح ضحيتها 26 شخصا على مدينة بينى، التى تعتبر محورا تجاريا كبيرا فى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليرتفع العدد 48 شخصا، خلال 48 ساعة فقط.

وقال عمر كافوتا، المتحدث باسم حركة "المجتمع المدنى" فى شمال مدينة "كيفو"، اليوم السبت، "إن من يشتبه بأنهم من المتمردين الأوغنديين قتلوا أكثر من 20 شخصا قرب بلدة بينى فى شرق الكونغو الديمقراطية، فى ثانى هجوم خلال نحو 48 ساعة".

وأضاف، أن متمردى جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة – الجيش الوطنى لتحرير أوغندا التى تنشط فى المنطقة الحدودية الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية هاجموا قرية "بيالوس".

وقال اريك كتاسوميا الصحفى فى قناة إذاعة وتليفزيون "روانزورورو"، إنه شاهد 24 جثة فى مكان الهجوم بصدد نقلها إلى المشرحة ومن بينهم تمكن من التعرف على عسكرى وطفل وأربع نساء، مؤكدا أن العديد من الجثث تحمل آثارا تدل على قتلها بسلاح أبيض.

ودان تجمع المجتمع المدنى فى شمال "كيفو" منذ عدة أسابيع تصاعد الهجمات الدامية من تلك المجموعة، التى يشن الجيش عليها بمساعدة قوات الأمم المتحدة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية "مونوسكو"، عملية كبيرة منذ بداية العام الجارى، وتقول السلطات الكونغولية إنها قد هزمت تقريبا.

جدير بالذكر أنه منذ نهاية عملية الانتقال السياسى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتى تضمنت انتخاب الرئيس جوزيف كابيلا عام 2006 فان وتيرة الصراع المشتعل فى مقاطعات "كيفو" شرق البلاد لم تتراجع أبدا، ولعل إعلان قائد التمرد الجنرال لوران نكوندا عن أنه يسعى إلى إسقاط وتغيير نظام الحكم فى "كينشاسا"، يمثل تهديدا خطيرا لشرعية الدولة الكونغولية ولأمن واستقرار المنطقة ككل.

ويلاحظ أن العملية السلمية وما ارتبط بها من مرحلة انتقالية قد عانت من أوجه ضعف رئيسية، فضلا عن هشاشة المؤسسات السياسية الكونغولية، وقد اشتمل ذلك على بطء عمليات التسريح، ونزع السلاح وإعادة الإدماج لقوات التمرد السابقة وإصلاح قطاع الأمن.

وعلى الرغم من التوصل مؤخرا إلى اتفاقين حاسمين لإنهاء الصراع فى الكونغو تماما يتمثل أولهما فى "اتفاق نيروبى" المبرم فى 9 نوفمبر 2007، وثانيهما فى "اتفاق جوما" الموقع فى يناير 2008، فإن الصراع على المستوى المحلى بالغة التعقيد ولا تزال تشكل خطورة على الوضع القائم فى شرق الكونغو.

وقد درج كثير من الكتاب الأفارقة وغيرهم على وصف هذا الصراع الإقليمى بأنه يمثل أساس حرب عالمية مفتوحة، تدور رحاها على التراب الإفريقى، ولعل تاريخ الصراع الطويل الذى شهدته المنطقة، أفضى إلى حدوث أكبر مأساة إنسانية إفريقية، حيث لقى نحو أربعة ملايين شخص حتفهم جراء أعمال العنف أو المجاعة أو انتشار الأوبئة الفتاكة.

وبرغم من أن مرحلة ما بعد التطهير العرقى التى شهدتها رواندا عام 1994 مثلت نقطة حاسمة فى تشكيل جيوستراتيجية منطقة البحيرات العظمى بأسرها، فقد ساندت كل من رواندا وأوغندا قوات "التمرد الكونغولية"، فى حين وقفت كل من أنجولا وناميبيا وزيمبابوى خلف الحكومة الشرعية فى كينشاسا، ولاشك أن هذا التوازن الإقليمى لم تتغير معالمه كثيرا حتى الآن رغم ما تم التوصل إليه من اتفاقيات سلام بين مختلف أطراف الصراع، وأيضا رغم وجود أكبر بعثة أممية لحفظ السلام فى العالم تعمل فى الكونغو الديموقراطية، حيث يبلغ تعدادها نحو 9000 شخص وبتكلفة سنوية تزيد على المليار دولار.

ويعد المشهد السياسى والأمنى فى هذه المنطقة القلقة بالغ التعقيد والتشابك ويلقى بظلاله القاتمة على نظم الجوار الإقليمية الأخرى وعلى رأسها العربية بطبيعة الحال.

وتعد الكونغو الديموقراطية دولة مترامية الأطراف تزيد مساحتها على مساحة أوروبا الغربية، كما أنها غنية بمواردها المعدنية والطبيعية، وأهمها الذهب والألماس وهو الأمر الذى مثل وقودا مستمرا للصراع فى البلاد.

وقد عانت البلاد منذ استقلالها عام 1960 من الفوضى وعدم الاستقرار، وفى عام 1965 تولى "موبوتو" السلطة فى البلاد بانقلاب عسكرى، واستطاع من خلال سياساته الموالية للغرب أن يجعل "زائير" – اسم دولة الكونغو سابقا - ساحة لاحتواء النفوذ الشيوعى فى إفريقيا وهو ما ضمن له تأييدًا أمريكيًا واسعًا على الرغم من استبداده وفساد نظام حكمه، وبرغم من أن انتهاء الحرب الباردة قلل من القيمة الاستراتيجية لبلاده بالنسبة للغرب، إلا أن القوات الرواندية استطاعت غزو زائير عام 1997 بهدف القضاء على المتمردين "الهوتو"، وهو ما سهل الأمر على قوات "التمرد الكونغولية" فى دخول كينشاسا والسيطرة على مقاليد الحكم بعد تنصيب لوران كابيلا رئيسًا للبلاد.

ولم يكن ذلك التغيير فى تركيبة الطبقة السياسية الحاكمة فى الكونغو الديموقراطية نهاية المطاف، وإنما شكل فى حقيقته بداية أخرى للمتاعب والصراع ليس فقط فى الداخل، ولكن مع دول الجوار.

وسرعان ما انقلب كابيلا على حلفائه الروانديين والأوغنديين وهو ما أدى إلى تمرد واسع فى شرق البلاد قاده "التوتسى"، غير أن تدخل قوات إفريقية من زامبيا وزيمبابوى وأنجولا لصالح قوات الحكومة ساعد فى تثبيت أركان حكم كابيلا، ومع ذلك لم يسلم من التهديد إذ تم اغتياله عام 2001 على يد أحد حراسه.

ومنذ أن وضعت الحرب الأهلية الكونغولية أوزارها بعد توقيع اتفاق "بريتوريا" للسلام الشامل أواخر عام 2002، لم ينعم شرق البلاد بالاستقرار والأمن أبدًا، حيث لت الفوضى والعسكرة هى العنوان الأبرز لمقاطعات "كيفو" وأصبحت مدينة "جوما" العاصمة الإقليمية لشرق البلاد الغنى بموارده هدفًا لكل المتصارعين، فالمنطقة تشهد تواجدًا عسكريًا لمتمردى الهوتو الروانديين الذين شكلوا "القوات الديموقراطية لتحرير رواندا"، بالإضافة إلى القوات االكونغولية المناوئة للحكومة والميليشيات الموالية لها على السواء مثل جماعات قائد التمرد الجنرال لوران نكوندا "المؤتمر الوطنى للدفاع عن الشعب"، وميليشيا الماى ماى وغيرها من الجماعات المسلحة.

ويعد الخطر الأساسى الذى يهدد استقرار الكونغو يتمثل فى قائد التمرد الجنرال نكوندا الذى يسيطر على مساحة قد تصل إلى نصف حجم أوغندا وهو يسعى إلى تغيير النظام الحاكم فى الكونغو وإصلاح قطاع الأمن، وهى مقولات مشابهة تمامًا لما تطرحه رواندا، حيث يركز على قضية أمن التوتسى فى عموم المنطقة بما فى ذلك نزع سلاح الميليشيات التى تورطت فى مذابح رواندا عام 1994.

ويشكل الدور الرواندى متغيرًا حاسمًا ورئيسيًا فى الصراع شرق الكونغو، فبعد عام 1994 أصبحت تمثل عنصر عدم استقرار لكل المنطقة بل وشجعت أطرافًا دولية وإقليمية كثيرة للتدخل فى مسارات الصراعات الإقليمية، كما أن رواندا تحت زعامة "بول كاجامى" استخدمت سياسة القبضة الحديدية للمحافظة على الأمن، وهى ما يشير إلى وجود ميليشيات الهوتو فى شرق الكونغو باعتباره مصدر تهديد لها وينبغى التخلص منه مهما كانت الوسيلة.

وهناك أبعاد تاريخية حاكمة فى تاريخ العلاقات الرواندية الكونغولية ترجع إلى الخبرة الاستعمارية، فمن المعروف أن جماعات "البانيامولينجي" وغيرها من شعوب التوتسى المتحدثة "بالكينيارواندا" وجدوا أنفسهم بعد مؤتمر برلين عام 1985 الخاص بتقسيم أفريقيا بين القوى الاستعمارية ينتمون إلى دولة الكونغو حيث اقتطع الإقليم الذى يقطنوه من رواندا وأصبح يمثل شرق الكونغو. ويرى هؤلاء أنهم مواطنون كونغوليون خلصا ولهم الحق فى الثروة والسلطة بينما ترى الحكومة الكونغولية وحلفاؤها من السكان المحليين أن شعوب التوتسى غرباء وعليهم الرحيل إلى رواندا، وربما يمثل ذلك أساسا للمخاوف الإقليمية من محاولات تأسيس دولة التوتسى الكبرى.

وعلى الرغم من وجود القوات الديمقراطية لتحرير رواندا فى جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 1994، فإنها لا تزال لاعبا عسكريا مستقلا فى المنطقة، ويقدر حجمها بنحو ستة آلاف من المقاتلين، وهى تتكون من بقايا اللاجئين والقوات المسلحة الرواندية السابقة الذين فروا من رواندا بعد عام 1994. ويعتقد أن قيادتها كانت ضالعة فى عمليات القتل خلال الإبادة الجماعية فى رواندا.

وتهدف هذه القوات إلى "تغيير النظام" فى رواندا وتشكيل حكومة تمثل الأغلبية من الهوتو، وفى حين ترفض رواندا التفاوض مع قوات الهوتو وترحب بعودة المقاتلين وإدماجهم فى المجتمع الرواندى فان الوضع فى شرق الكونغو أضحى بالغ التعقيد، فقد تزاوج هؤلاء واختلطوا مع السكان المحليين حتى أنهم باتوا يشكلون الإدارة المحلية وشبكات التجارة فى كثير من الأماكن، ويعنى ذلك أن مطالب نزع سلاح هؤلاء أو ترحيلهم تعد أمرا بالغ الصعوبة وقد يستحيل تطبيقه عمليا.

وتعد التجارة غير المشروعة للمعادن الكونغولية أحد الأبعاد المهمة لاستمرار الصراع فى شرق البلاد، حيث تدخل معادن الكونغو فى صناعات الالكترونيات المتقدمة والهواتف المحمولة والـ "أى باد" والـ"لاب توب"، وتسعى كل من القوات الحكومية وقوات التمرد للسيطرة على مناطق التعدين الغنية ويقومون بعد ذلك ببيعها عبر وسطاء لتنتهى فى الأسواق الآسيوية والغربية وهو ما يعنى من الناحية العملية إطالة أمد الصراع فى المنطقة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة