منة الله شلبى تكتب: مذكرات طبيب شاب.. أن تقع فى فخ الحياة العملية

كأى طبيب شاب لابد وأنك مررت بالعديد من التجارب الصعبة فى بداية حياتك العملية ولابد أن الإحباط قد أصابك فى وقت من الأوقات عندما أدركت أن ممارسة الطب الفعلية تختلف كثيراَ عن المقررات الدراسية، التى حفظتها عن ظهر قلب، لكن الأكيد أن تجربة ميخائيل بولغاكوف كانت أصعب أو ربما كانت مثيرة إلى الحد الذى جعلته يقص علينا بعضاَ منها.

فى عام 1917 اُرسل الطبيب الروسى الشاب ميخائيل بولغاكوف إلى قرية نائية فى أقصى الشمال بالقرب من أوكرانيا ليمارس عمله كطبيب بعدما أنهى دراسته بشهرين فقط. وبسبب طبيعة القرية المقفرة آنذاك وخلوها من أى مظاهر حضارية والجهل المتفشى بين الناس عانى ميخائيل من صعوبات حُفرت فى ذهنة لسنوات حتى جعلته يخرج لنا هذا الكتاب الملىء بالحكمة والطرافة والمتعة.

نحن أمام 7 قصص يحكى لنا فيها عن أصعب الحالات، التى مرت به أثناء عمله كطبيب بأسلوب متهكم لا يخلو من السخرية والبساطة لنجد أنفسنا فى النهاية أمام طبيب ماهر، حديث التخرج ويفتقد الثقة بالنفس أحيانا لكنه ماهر ليس فقط الطب لكن أيضا فى الحكى، فأسلوب ميخائيل السلس وروح الدعابة التى امتازت بها كتاباته كانت إحدى مميزات هذا الكتاب، الذى رغم عدم خلوه من المصطلحات الطبية- التى قد تقف عائقا أمام القارئ العادى - نجح فى أن ينال إعجاب القراء على مدار السنوات.

كأى كتاب يدور فى أروقة المستشفيات قد يجعلك للوهلة الأولى تظن أنه سيكون مملاَ أو كئيبا، ولكن على العكس فمع أولى صفحات الكتاب سترتسم البسمة على شفتيك فميخائيل شخصية ليست اعتيادية، وربما هذا ما جعل المواقف، التى مر بها رغم صعوبتها تبدو مضحكة فهاهو الطبيب الشاب يقابل حالة ولادة متعسرة يجهل كيفية القيام بها فيتحجج بنسيانه شيئا فى المنزل ليعود ويقرأ فى قاموسه الطبى بعض النصائح، التى قد تخلصه من تلك الورطة! وبالفعل تنجح خطته فى أن يسترجع بعضاَ مما درسه ليعود إلى المستشفى ويجرى العملية ببراعة طبيب مخضرم.

من المواقف الطريفة أيضا محاولاته المستمرة لإقناع مرضاه بضرورة تناول الدواء ففى قرية تسودها الخرافات يأبى الكثير من المرضى، أن يقتنعوا بأهمية ما يقوله الطبيب لذلك فقد يُصاب بالغرور أحيانا وتطارده الكوابيس فى أحيان أخرى خوفاَ من أن يكون السبب فى وفاة مرضاه ولكن سرعان ما يأتى صوت ضميرة ليذكره بأن هناك الكثير من الأشياء، التى لم يتعلمها بعد.

سواء أشفقت على الكاتب أم لا فلا شك أن هذا الكتاب سيجعلك تقرأ ما بين السطور لتكتشف أن الخبرة الحقيقية للإنسان لا تأتى من الدراسة الأكاديمية وحدها وأن العمل الحقيقى يكسبك من الخبرة ما لا يستطيع ألف كتاب جامعى إمدادك به المهم هو المثابرة والصبر والعزيمة وألا تصاب بالإحباط وأخيراَ وليس آخراَ كما قال ميخائيل فى آخر سطوره أن تتعلم دون غرور طيلة حياتك.

بسبب نجاح الكتاب وشهرته تم تحويله إلى مسلسل تليفزيونى فى عام 2012 يحمل نفس الاسم بطولة الممثل الإنجليزى دانييل رادكليف وحقق نجاحا كبيراَ.