سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 4 نوفمبر 1820: الفتاة السودانية «مهيرة بنت عبود» تعطى الإشارة لبدء الحرب ضد جيش محمد على باشا بقيادة ابنه «إسماعيل»

الأحد، 04 نوفمبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 4 نوفمبر 1820: الفتاة السودانية «مهيرة بنت عبود» تعطى الإشارة لبدء الحرب ضد جيش محمد على باشا بقيادة ابنه «إسماعيل» محمد على باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استكمل محمد على باشا استعداداته العسكرية لتنفيذ هدفه، وهو «فتح السودان» وإخضاعها لسيطرته، فأرسل إلى السلطان العثمانى «محمود الثانى» يستأذنه فى ذلك، وحسب كتاب «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»، تأليف الدكتور عبدالرحمن زكى: وافق السلطان على أن يضم «محمد على» ما يشاء من أراضى السودان، شريطة أن يكون ذلك باسم «السلطان».. وفى ضوء هذه الحقائق، فإن ضم السودان لمصر تم بمبدأ «حق الفتح»، وفقا لمحمد فايق فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية»، وهو المبدأ الذى ساد لقرون طويلة، حتى ثارت عليه الشعوب المحتلة بدءا من منتصف القرن العشرين لتنال حريتها واستقلالها.
 
يذكر «زكى»: «فى يونيو عام 1820، تجمعت ثلاثة آلاف سفينة فى بولاق، للاضطلاع بنقل الذخيرة والمؤن والعتاد والرجال إلى الجنوب، وفى إسنا جمعت آلاف الجمال بواسطة قبيلتى العبابدة وأولاد على، وحشد جيش قوامه آلاى بقيادة الأمير إسماعيل بن محمد على، وبصحبته عايدى بك بصفته رئيس هيئة أركان الحرب، والبكباشى الحاج أحمد، والبكباشى عمر أغا، وكان يرافق الحملة بعض الأطباء الجراحين ومنهم دكتور جنتيلى، وقاضى أسيوط الشيخ محمد أفندى، والشيخ سيد أحمد البقلى «الشافعى»، والشيخ سارى المغربى، لإرشاد القوم فى شؤون دينهم وإلقاء المواعظ والخطب».
 
والأمير إسماعيل قائد الحملة، هو عم إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على، الذى أصبح الخديوى فيما بعد، ويصف «زكى» الأمير إسماعيل: «كان فى الخامسة والعشرين من عمره يجرى دم الشباب فى عروقه، جريئا مقداما، يتمتع بقدر موفور من الذكاء، وألم بالأحوال الأوروبية من جغرافية وسياسية، مستبدا برأيه أحيانا، لا يستمع لنصائح قادته أحيانا، جندى الطباع يفهم أبجديات مهنته.. عرف أن مهمته الرئيسية هى إخضاع بلاد السودان لتدين بالطاعة، ولذلك لم يلجأ إلا إلى الأصول الحربية، ولم ينظر إلى الأساليب السياسية أو النفسية التى عرفها بعض قادته المحنكين، بالرغم من أن أباه طالما لفت نظره ليتبع الحكمة فى التعامل مع زعماء البلدان المختلفة».
 
كانت أسوان هى قاعدة الحملة التى سارت وبدأ تقدمها مع استهلال موسم الفيضان، وسارت الخيالة تصحبها هيئة أركان الحرب بمحاذاة شاطئ النيل، أما المشاة والمدفعية فحملتهم السفن، وكان مع الحملة خيام كافية يأوون إليها وقت الراحة التماسا للاستجمام، وكانت المدافع محمولة على الجياة أو الجمال، وهى عبارة عن عشرة مدافع ميدان خفيفة ومدفع هاون ثمانى بوصات، و2 أبوسين من عيار صغير.. دخلت الحملة وادى حلفا فى السودان يوم 24 سبتمبر 1820، وحسب زكى، فإن إسماعيل سيطر على بلاد النوبة، ثم سيطر على «أرجو»، وسارت إلى «دنقلة» وأصبح فى مواجهة «الشايقية»، وهى قوة تتكون من ألفى خيال، و8 آلاف من المشاة، وتبادل الأمير إسماعيل مع زعمائهم الرسائل طالبا منهم الاستسلام، وعدم المقاومة، لكنهم رفضوا تسليم السلاح والخيول لأن فى هذا عار عليهم، فلم يكن هناك مفر من القتال وتحكيم السيوف، وجاء ذلك فى معركة «كورتى» الواقعة بين «دنقلة» وبلاد «الشايقية»، ووقعت المعركة يوم 4 نوفمبر «مثل هذا اليوم 182»، وامتدت إلى اليوم التالى.
 
يقول «زكى»: «فى 4 نوفمبر 1820، ظهر أربعون «شايقيا»، قبيل الساعة الثالثة بعد الظهر، وتحيلوا لاستدارج المصريين إليهم، فهب إسماعيل واقفا وسط جنده يحضهم على القتال ويبث فيهم من قوته قوة، وينفث بين جوانحهم من حرارته وقدة، بعد أن أمر باتخاذ التدابير المقتضى إجراؤها، ورسم الخطط الواجب انتهاجها، فلم تمر على ذلك برهة حتى شوهد من ناحية الشرق كأنه سحابة تزحف نحوهم وتعظم كلما دنت منهم، وبعد هنيهة انجلت هذه السحابة عن جيش ضخم من المشاة والخيالة والهجانة المسلحين بالسيوف والرماح، ثم اصطفت مشاتهم صفا والفرسان من ورائهم.. ولاحت فى الميدان فتاة من بينهم على هجينة مطهمة، سرعان ما أعطت الجيش إشارة القتال، وسرعان ما تدفق الهجانة على ميمنة المصريين، بينما كانت الفرسان تحمل بعنف على الميسرة، وحمى وطيس المعارك التى استمرت سجالا بين الفريقين.. وهذه الفتاة تدعى «مهيرة بنت عبود» من إحدى قبائل السوارب.
 
يصف زكى سير المعركة قائلا: «كان القائد عابدى كاشف يقود وحدة احتياطية مؤلفة من مائتين من العربان، فحمل على «الأعداء» ثلاث حملات متتابعة غير مألوفة الشدة، استطاع بها إحداث ثغرة فى صفوف العدو، فوافاه إسماعيل باشا بمدده وضم جنده إليه، وتعرض هو وعابدى بك فى مقدمة رجالهما لصد صدامات العدو.. وعززهما البكباشى «عمر أغا»، فلم يمض على القتال ثلاث ساعات حتى تشتت العدو، وكان فرسان «الشايقية» يبلغون الألف عدا، فلم يفقد منهم سوى خمسين فارسا. يضيف زكى: «إذا كان المصريون لم يتمكنوا من إعمال السيف فى بقيتهم فما ذلك إلا لأن الليل كان قد أرخى سدوله، فاستتروا به للنجاة من الموت، وحملت مشاة العدو الشطر الأكبر من عبء الصدمة، وكانت مؤلفة من خليط الفلاحين الذين لا يحملون سلاحا، وفى مساء ذلك اليوم نقل الأمير إسماعيل معسكره إلى ضفة النهر».. لتتواصل الأحداث إلى اليوم التالى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة