خالد صلاح يكتب: سؤال فى الاستثمار العقارى

الأربعاء، 27 يونيو 2018 10:00 ص
خالد صلاح يكتب: سؤال فى الاستثمار العقارى الكاتب الصحفى خالد صلاح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
يسود اعتقاد جارف فى مصر أن أعظم الطرق وأسهلها لادخار الأموال هو الاستثمار العقارى، إذا كنت قد نجحت فى ادخار بعض المال فلا تترك هذه الأموال فى البنك، فالفوائد سيأكلها التضخم، وغلاء الأسعار، وتقلبات سعر الصرف، الأفضل أن تضع أموالك فورا فى عقار، شقة صغيرة، أو تاون هاوس بكومباوند حديث، أو فيلا إن فتح الله عليك، أو فى قطعة أرض قابلة للتصقيع ويمكن بيعها بعد عدة سنوات بأضعاف السعر الذى دفعته فيها عند الشراء من البداية. 
 
هذه عقيدة مصرية خالصة، العقار هو الأفضل والأهم والأكثر أمانا، ولذلك فإن أكثر الشركات التى تحقق أرباحا طائلة فى مصر هى الشركات العقارية، ولذلك أيضا فإن شركات العقارات لا تجد مشقة فى إقناع الناس بمنتجاتها، فأى منتج صالح للاستهلاك الفورى على نحو مذهل، فبعض الشركات العقارية تبيع فيلا على البحر فى الساحل الشمالى بأكثر من 30 مليون جنيه للفيلا الواحدة، وتجد زحاما هائلا فى أول أيام الحجز إلى الحد الذى تشعر فيه أن مصر أصبحت عامرة بالمليونيرات، وبعض الشركات الأخرى تطرح وحدات صغيرة بأقساط طويلة المدى تشهد زحاما وتجمهرا تضطر بسببه الشركة  إلى الاستعانة بالشرطة لتنظيم طوابير الحاجزين أمام مقار الشركة. 
 
السؤال هنا.. هل هذه العقيدة الاقتصادية الاستثمارية المصرية صحيحة؟ 
 
هل هى نافعة للناس الذين يتصورون أن العقار هو الأكثر أمانا للمدخرات؟ 
 
وهل تنعكس هذه العقيدة بالخير على الاقتصاد المصرى أم أنها تحول كل المدخرات إلى غابات من الأسمنت لا عمران فيها ولا حياة على أمل أن ترتفع الأسعار فى المستقبل؟ 
 
هل هذا الاستثمار الأسمنتى الجارف يؤتى ثماره بالفعل فى حين أن مصر لاتزال تشهد مئات المشروعات العمرانية، وعشرات التجمعات السكنية الجديدة، وأغلب الوحدات فى هذه الغابات الأسمنتية مغلقة بالكامل، أملا فى إعادة بيعها بأسعار أعلى فى المستقبل؟ 
 
هل هذه العقيدة صحيحة فى وقت تتراكم فيه الوحدات أكثر من اللازم؟ 
 
وهل هذه العقيدة صحيحة فى وقت ينبغى أن توجه فيه مدخرات المصريين للاستثمار الصناعى القائم على الإنتاج أكثر من توجيه هذه الأموال للاستثمار الريعى القائم على إعادة تدوير غابات الأسمنت فى البلد؟ 
 
أسأل فقط.. 
 
لمصلحة الناس 
 
ولمصلحة البنوك 
 
ولمصلحة مصر بالكامل  
 
هل ينبغى أن نستسلم لهذه العقيدة الخطرة من وجهة نظرى، أم أننا يجب أن نعد دراسة شاملة عن عدد الوحدات المغلقة فى البلد التى يرجو أصحابها تصقيعها وإعادة تدويرها مرة أخرى فى المستقبل؟ أظن أن علينا أن ندرس ما إذا كان الاستثمار العقارى سيؤتى ثماره فى المستقبل أم سيؤدى إلى ضيق فى شرايين السيولة النقدية فى البلد، وتقديس لما يسمى بـ«الثروة العقارية»، فى حين أن هذه العقارات لن تمثل أى نوع من الثروات مع حجم المتاح فى السوق، وحجم التصقيع العقارى فى البلد؟! 
 
نحتاج إلى دراسة، ونحتاج إلى وقفة، ونحتاج إلى تأمل أين تذهب مدخرات الناس، وهل يجب أن نترك الناس لهذه المفاهيم، أم علينا أن نغير هذه العقيدة الاستثمارية لتذهب المدخرات إلى البورصة، وإلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وإلى تأسيس الشركات، وإلى حركة السوق تجاريا، وإلى الأفكار الصناعية لمنتجات صالحة للتصدير. 
 
هل تتخيل ما الذى يمكن أن يحدث فى اقتصاد البلد لو أن هذه الأموال الموجهة للاستثمار فى الغابات الأسمنتية تم توجيهها للصناعات الصغيرة والمتوسطة، أو البورصة، أو المشاركة فى مشروعات إنتاجية للتصدير، ما حجم الربح المتوقع، وما تأثير ذلك على الناتج القومى الإجمالى فى البلد؟ 
 
أسأل فقط، وأتطلع إلى أن يتأمل خبراء الاقتصاد هذا المسار الاستثمارى المخيف فى مصر، وأتمنى أن تكون لدينا دراسة حقيقية عن قيمة هذا الاستثمار العقارى مقابل الاستثمارات الصناعية الأخرى، وكيف يمكن توفير فرص بديلة لأموال الناس بدلا من تحويل كل مدخراتنا إلى أسمنت لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولن يكون له العائد المناسب بالمقارنة مع التوسعات العقارية المذهلة فى البلد. 
 
أسأل فقط.. 
 
وتبقى مصر من وراء القصد
 

 


 

 

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة