هيثم الحاج على

فيرينا المصرية والمشط والعالم الأول

الجمعة، 17 نوفمبر 2023 06:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في عام 280 ميلادية ولدت فيرينا المصرية في قوص، وصارت ممرضة شابة سافرت مع كتيبة طيبة لإخماد إحدى ثورات بلاد الغال جنوب شرق فرنسا بأمر من الإمبراطور دقليديانوس، الذي أمر جنوده المسيحيين المصريين بعد النصر بشكر الآلهة الوثنية، فرفضوا فأمر بقتلهم جميعا، لكن فيرينا هربت واستطاعت الاختباء في كهوف سويسرا حيث بدأت في تمريض الأهالي الذين أحبوها لعطفها.

لاحظت فيرينا أن النساء في تلك البلاد ينتظرن الظلام كي يستطعن الاستحمام في النهر، وأنهن مشعثات، شعرهن غير مصفف، فبدأت المصرية في تعليم بنات أوربا حمل الماء في الجرار إلى المنازل للاستحمام بها وقتما يشاءون، ثم عرفتهن على الاختراع المصري (الفلاية الخشبية) فبدأن في تصفيف شعرهن، وبعد أن ماتت فيرينا في 14 سبتمبر سنة 344م أنشئ باسمها سبعون كنيسة في سويسرا وثلاثون في ألمانيا، ونحتت لها التماثيل التي تخلد حملها للفلاية المصرية.

هكذا علمت القديسة المصرية بنات أوربا النظافة والتجمل، ولقد تذكرتها عند سماعي لأحد حوارات يوسف شاهين مع مذيع أيرلندي، حين سأله عن كيفية وصوله إلى هذا المستوى الفني وهو ابن العالم الثالث، فرد عليه شاهين بأن التصنيف يعتمد على رؤية خاطئة أصلا "نحن هنا منذ سبعة آلاف سنة، ولقد صنعنا حضارة حقيقية منذ ذلك التاريخ، في الوقت الذي كانت فيه أوربا مجرد قبائل مرتحلة متناحرة، فأنا إذن العالم الأول الذي أتى بعده باقي العوالم.. أنت العالم الثالث"، وتابع " الحضارة ليست في المباني والآلات، الحضارة الحقيقية هي أن تتعلم كيفية التواصل مع الآخرين، الحضارة هي أن تتعلم كيف تحب وكيف تهتم".

لقد كنا هنا قبل أن يتعلموا، بل لقد علمناهم كيف يكون الإنسان جميلا ومحبا ومتفانيا، وليس من شك في أن الأثر الذي تركته قيمنا على العالم هو أثر جوهري وباق إلى الآن، غير أن هناك من يحاول إقناعنا ربما لظرف راهن وطارئ بالعكس، لكن القيمة التي يمكن أن نراها أصيلة في تركيبنا التاريخي هي تلك القيمة التي قامت عليها الدولة المصرية منذ نشأتها، والتي تحافظ عليها إلى الآن، من محبة السلام ونشره، وهي القيمة الحاكمة في التاريخ المصري عبر عشرات القرون التي بقيت فيها مصر مصدر الإشعاع للعالم كله على مر التاريخ.

إنها ليست مجرد كلمات ولا تعصب للوطن، فمصر لم تعرف تلك النعرة أبدا، لكنه التاريخ المصري، الذي مجد العلم المفيد، والذي جعل من قيمة المحبة شكلا حقيقيا من أشكال الحياة، وهي ما يجب التركيز عليه الآن في ظل هذا العالم المفتوح، وذلك التاريخ الذي يحاول كتابته من ظن أن امتلاكه للحظة الحاضر مكنه من امتلاك التاريخ. فعلموا أولادكم أننا نحن من صنع الحضارة، وامتلك بها تاريخا ليس مجرد حكايات، لكنه الجذر والأساس الذي يتحرك الواقع عليه، والذي نبني المستقبل مستندا إليه. نحن العالم الأول.









الموضوعات المتعلقة

نعم نستطيع.. إذا أردنا

الجمعة، 10 نوفمبر 2023 12:00 ص

فوائد ثقافة الحرب والرؤى الغائبة

الجمعة، 03 نوفمبر 2023 12:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة